ذكر الكاتب البريطاني باتريك سيل في كتابة “الأسد والصراع على الشرق الأوسط” بعض التفاصيل عن قضية الهنداوي:
(وبينما كانت الأمور جامدة في هذا المأزق وقعت حادثة إرهابية دراماتيكية جلبت للأسد إحراجاً جديداً، وبدا أنها سترجح الكفة لصالح بيريز.
ففي 17 نيسان- أبريل 1986 وفي مطار هيثرو بعيد التاسعة صباحاً اكتشف حارس أمن إسرائيلي كيلوغراماً ونصف كيلوغراماً من مادة السيمتكس البلاستيكية الشديدة الانفجار من صنع تشيكوسلوفاكي في طبقة خفية من قاع مزور لحقيبة امرأة ارلندية اسمها آن مورفي كانت على وشك الصعود بها إلى طائرة الـ عال المتجهة إلى تل أبيب.
وكان مفجر القنبلة مموهاً على شكل آلة جيب حاسبة، وكانت آن مورفي وصيفة في أحد فنادق لندن، وقد أعطاها الحقيبة صديقها الأردني، نزار هنداوي، الذي كانت حاملاً منه في شهرها الخامس، وقد وعد بأن يلتحق بها إلى إسرائيل حيث سيتزوجان، وكان الهنداوي في الثانية والثلاثين من عمره، وقد أخذ “خطيبته” إلى المطار بسيارة تكسي، وهيأ القنبلة على الطريق بإدخال بطارية في الآلة الحاسبة، وكانت مؤقتة للانفجار أثناء تحليق الطائرة.
وترك الهنداوي خطيبته في هيثرو، وعاد إلى غرفة في فندق رويال غاردن في حي كينسنغتون محجوزة لموظفي الخطوط الجوية العربية السورية. وفي ضحى ذلك اليوم ركب حافة تقل أطقم طائرات الخطوط السورية عائداً إلى المطار ليلتحق بالطائرة المتجهة إلى دمشق والتي تغادر لندن في الثانية بعد الظهر.
ولكن قبل أن ينطلق الباص انتشر خبر اكتشاف قنبلة في هيثرو. فنزل الهنداوي مسرعاً وذهب إلى السفارة السورية في ساحة بيلغريف حيث أخبر السفير، الدكتور لطف الله حيدر بأنه كان في ورطة، وطلب المساعدة. فأرسله حيدر إلى رجال آمن السفارة الذين أخذوه إلى مكان سكنهم في غربي كينسنغتون، حيث حاولوا تغيير مظهره، فحلقوا شعره وصبغوه، وبات معهم تلك الليلة. غير أنه هرب مبكراً في صباح اليوم التالي واتجه إلى فندق قزتورز في حي هولاندربارك بلندن حيث كان يعرف صاحبه، فاستدعى صاحب الفندق أخا الهنداوي ” الذي كان يعمل كاتباً في القم الطبي في سفارة قطر” فأقعنه آخوه بتسليم نفسه.
وخلال اليومين التاليين أخضع الهنداوي لاستجواب مكثف في قسم شرطة بادنغتون غرين، فأخبر الشرطة أول الأمر بأنه كان يعتقد بأن الحقيبة التي أعطاها لآل مروفي كانت تحتوي على مخدرات يراد تهريبها إلى إسرائيل لقاء مبلغ كبير من المال. ثم غير قصته بعد أن قوطع نومه عمداً عدة مرات في الليل.
فقال إنه معارض للملك حسين، وقد طلب مساعدة من سوريا وأنه قد التقى في دمشق في كانون الثاني/ يناير 1986 بمدير مخابرات القوة الجوية اللواء محمد الخولي، وأحد ضباطه، العقيد هيثم سعيد. وبعد شهر أعطاه سعيد جواز سفر مهمة سوري باسم “عصام شاعر” وأمره بوضع قنبلة في طائرة إل عال في لندن وأنه قد أرسل إلى لندن في رحلة تدريب.
ولدى عودته إلى دمشق عرضت عليه الحقيبة ذات الجيب الخفي، حيث علمه سعيد كيف يهيئ القنبلة. وفي 5 نيسان-إبريل عاد ثانية إلى لندن وأعطيت له في فندق رويال غاردن الحقيبة الحاوي على المتفجرات والآلة الحاسبة التي تعمل كمفجر، وأعطاه إياها رجل يعتقد بأنه من موظفي الخطوط الجوية العربية السورية. هذا الاعتراف صار أساس قضية المدعي العام في محاكمة الهنداوي.
وقد وقعت حادثة هيثرو هذه بعد يومين من الغارات الأميركية على ليبيا، وبعد يوم واحد من سلسلة الانفجارات الإرهابية التي راح ضحيتها عدة مئات من القتلى والجرحى في سوريا.
وعندما سمع الأسد بحادثة هيثرو أيقن بأنه كان في خطر، فقط فجرت قضية الهنداوي حملة عالمية واسعة ضد سوريا رأي فيها الأسد تمهيداً لهجوم فعلي مادي ستقوم به إسرائيل، إما وحدها أو بالاشتراك مع الولايات المتحدة[1].
[1] سيل (باتريك)، الأسد والصراع على الشرق الأوسط، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، لبنان، 2007، ط1 صـ 771
للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر بحسب الأيام
انظر أيضاً :
أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات