مقالات
عمرو الملاّح : حوض عين التل (1917-1929)
عمرو الملاّح – التاريخ السّوري المعاصر
يذكر مؤرخ حلب الغزي في كتابه المرجعي “نهر الذهب” في سياق عرضه لحوادث سنة 1335 هـ/ 1917 أن أحمد جمال باشا الملقب بالسفاح قائد الجيش العثماني الرابع في سوريا إبان الحرب العالمية الأولى أولى مسألة جر مياه عين التل إلى مدينة حلب جل عنايته واهتمامه بعدما اشتكى سكان المدينة من نضوب مياه الآبار والينابيع وشح مياه نهر حلب وقناتها، فأحضر لهذه الغاية قساطل الحديد. وفي مدة وجيزة مدها من نبع عين التل إلى محلة التلل (الهزازة)، حيث أقام لها خزانا عظيما يصب فيه الماء ومنه يتوزع إلى جهة حلب.
ويردف الغزي قائلاً: “وعمر في رحبة باب الفرج حوض جميل بديع الصنعة- لو تمّ عمله- يصب فيه الماء فينفر إلى العلاء قدر رمح، ثم يصب في حويض مستور، له مباذل مغروسة بدائره” .. ولما انتهى هذا المشروع أقيم حفل افتتاح عند حوض باب الفرج أنشد فيه الشيخ كامل الغزي قصيدة شعرية طويلة من نظمه.. (قارن مع: الغزي، نهر الذهب، طـ دار القلم، ج3، ص 475-476).
وتحمل العديد من البطاقات البريدية التذكارية الملتقطة لساحة باب الفرج ويظهر فيها هذا الحوض أو الخزان الفخم والجميل عبارات باللغة الفرنسية تحدد لنا هوية المبنى، وتذكر: حلب- سورية – موقع باب الفرج – ذكرى مياه عين التل.
ومما يؤسف له أن هذا الحوض الجميل قد أزيل في العام 1929 مع بدء مد خطوط حافلات الترام لئلا يقف عائقاً أمام سيرها.
والواقع إنه لا لصحة بل ولا سند تاريخياً يؤكد أن حوض ماء عين التل موضوع البحث كان يعرف باسم ميضأة أو سبيل نافع باشا الجابري على نحو ما هو متداول في بعض المراجع المتأخرة؛ إذ تخلو كتب مؤرخي حلب الغزي والطباخ والأسدي من أي إشارة لميضأة أو سبيل نافع باشا(كذا!). ولعل وقوع حوض عين التل ضمن حرم الطريق بجوار مبنى النافعية العائد بملكيته لنافع باشا الجابري هو ما جعل بعض الباحثين يعتقدون أنه سبيل ماء أقامه نافع باشا الجابري هناك.
وأما البركة التي تذكر بعض المراجع المتأخرة أنها حوض عين التل فليست كذلك؛ إذ إنها تظهر في عدة صور ملتقطة لساحة باب الفرج في العقد الأول من القرن العشرين، أي قبل تشييد خزان أو حوض عين التل بعقد من الزمان.
ومما هو جدير بالذكر أن البركة هذه كانت جزءاً من إدارة ريجي حلب (حصر التبغ والتنباك) التي كان مقرها في ساحة باب الفرج؛ وذلك لأنني ظفرت ببطاقة بريدية نادرة ترقى إلى أواخر العهد العثماني تتضمن تسميات مشيدات جادة باب الفرج باللغة التركية العثمانية، ومنها هذه البركة التي كتب عليها ما ذكرت.