مقالات
اغتيال العقيد محمد ناصر (تفاصيل – خفايا – آراء)
شمس الدين العجلاني – الأزمنة
أكرم الحوراني ثعلب السياسية السورية كما يحلو للبعض تسميته، صدرت مذكراته على حلقات في جريدة الشرق الأوسط، ومن ثم صدرت خلال السنوات العشر الماضية بعدة طبعات لما تحتويه على خفايا الحياة السياسية والعسكرية والنيابية السورية وما يحيط بها على الصعيد الداخلي والخارجي، ولم يستثنِ الحوراني من مذكراته الحديث عن اغتيال الضابط الشاب العقيد محمد ناصر وما يحيط من هذه الجريمة النكراء من خفايا مشيراً بأصابع الاتهام إلى أشخاص ودول؟
شهادة الحوراني:
يسرد أكرم الحوراني رواية اغتيال العقيد محمد ناصر بإسهاب ويتعرض لخفايا هذه الجريمة النكراء، في مذكراته.
في الخمسينات من القرن الماضي وبعد أن فشلت محاولة تعريض البلاد السورية للاضطرابات حاول الاستعمار دفع الجيش للانقسام الطائفي فكان وراء اغتيال العقيد محمد ناصر آمر سلاح الطيران السوري، ولكن حادثة الاغتيال هذه سبقتها جريمة قتل غامضة في نادي الصفا (كان نادي الصفا معروفاً في دمشق، يقع في حي عرنوس في منزل شامي قديم له باحة تظللها الأشجار وتحيط بها أحواض الغراس والورود، وتمر بها ساقية قديمة متفرعة من نهر بردى لري بساتين تلك المنطقة وبيوتها) بعد عصر يوم 2 تموز 1950، بينما كان أحد خدم النادي ينظف الساقية من الحشائش فوجئ بوجود جثة امرأة موضوعة في كيس قنّب ومرمية بالساقية، فأبلغ الحادث للشرطة. ولم تهتم الصحف السورية بهذا الحادث كثيراً، ما عدا جريدة النصر الدمشقية التي أبدت اهتماماً بالغا بالموضوع، وراحت تنشر على صفحاتها الأولى في كل يوم صوراً وروايات تستثير بها الناس للمساعدة على كشف ھوية المرأة المخنوقة المجهولة ومعرفة الفاعلين، وبعد أن نُشرت الصورة الفوتوغرافية لوجه المرأة القتيلة، ثابرت الصحيفة على ملاحقة التحقيق خطوة خطوة، وذات ليلة، عندما عاد وديع الصيداوي صاحب الجريدة إلى منزله رن عليه الجرس شخصان مسلحان وطلبا منه أن يخرج لمقابلة أديب العقاد رئيس الشعبة السياسية بالشرطة وحين رفض اعتديا عليه ثم تركاه واختطفا سائق سيارته، فضرباه ضرباً مبرحاً ثم ھربا، وسرعان ما سرى الهمس بأن المكتب الثاني” مخابرات الجيش كان وراء ھذا الاعتداء لمنع جريدة النصر من الاستمرار بملاحقة جريمة المرأة المخنوقة والكشف عن ملابساتها، وامتلأت دمشق بالشائعات التي تردد أن القتيلة كانت على علاقة بالعقيد إبراهيم الحسيني رئيس المخابرات وعميلة لأحد أجهزة المخابرات الأجنبية، ولم تعرف الأسباب الحقيقية لارتكاب هذه الجريمة، ويقول الحوراني: (لم أذكر هذا الحادث إلا لأنه كان فاتحة لجريمة أخرى تأكدت علاقة إبراهيم الحسيني رئيس المكتب الثاني بها.) وينشر أكرم الحوراني في مذكراته نص برقية من المفوضية العراقية بدمشق مرسلة إلى وزارة الخارجية في بغداد هذا نصها:
برقية من المفوضية العراقية بدمشق إلى الخارجية
“التاريخ 15 شباط 1950
زارني اليوم حسني البرازي وأخبرني عن حصول اختلاف بين العقيد محمد ناصر والعقيد عزيز عبد الكريم وبعض الضباط من جهة وبين جماعة الشيشكلي من جهة أخرى. وذكر بأنه بلغه بصورة موثقة عن استعداد الأولين للتقرب إلينا إذا ما استُميلوا بالمال، يرى لزوم وضع خطة للعمل في حالة اصطدام الجيش السوري بالمجلس التأسيسي، يؤكد ضرورة تخصيص مبالغ مناسبة لتسهيل العمل”.
وراء الكواليس:
اعتقل مباشرة بعد شهادة العقيد ناصر بأسماء القتلة وهو على فراش الموت في المشفى، كل من المقدم إبراهيم الحسيني رئيس المكتب الثاني والملازم عبد الغني قنوت الضابط في المكتب الثاني، كما صدرت مباشره المراسيم بتعيين راشد الكيلاني آمراً لسلاح الطيران بالوكالة، وتعيين الرئيس بكري قوطرش رئيساً للمكتب الثاني بالوكالة أيضا، وكان لنبأ اعتقال المتهمين من قبل القضاء العسكري والتحقيق معهم ما يوحي بأن أديب الشيشكلي يحاول أن يتنصل من تبعات هذه الجريمة النكراء، شكلت الحكومة محكمة خاصة للنظر في هذه القضية برئاسة القاضي ” المدني ” إسماعيل قولي بجانب عضوين عسكريين، تم تعيينهما بمعرفه الشيشكلي، استمرت المحكمة لعده شهور، واتخذت قرارها ببراءة المتهمين الحسيني وقنوت برغم مخالفه رئيسها القاضي قولي لهذا القرار.؟ لقد طلب المدعي العام ” عبد الوهاب الأزرق ” إدانة المتهمين بالقتل، والحكم عليهما بالإعدام، وهذا أيضاً يتطابق مع ما اقره وطلبه رئيس المحكمة ” إسماعيل قولي ” ولكن العضوين العسكريين في عضوية هيئه المحكمة واللذين عينهما الشيشكلي، قد اتخذا قرارا بتبرئة المتهمين، وهذا ما حصل. وهنا شهادة لأكرم الحوراني وردت في مذكراته : (سألت الملازم عبد الغني قنوت بعد صدور حكم البراءة عن علاقته بهذه القضية فأكد لي بأنه اشترك بنقل العقيد محمد ناصر إلى المستشفى بعد وقوع الاغتيال).
قيل أن إبراهيم الحسيني كان عميلا للمخابرات المركزية، وانه استطاع إقناع أديب الشيشكلي بارتكاب هذه الجريمة النكراء، وأن السبب الرئيسي في ارتكابها ھو الصراع الذي كان قائما بين النفوذ البريطاني، وبين النفوذ الفرنسي، والأميركي على سورية، والحسيني كما هو معروف رجل الولايات المتحدة في سورية، والرجل المطيع لآل سعود، وبعد سقوط أديب الشيشكلي غادر البلاد إلى المملكة العربية السعودية، حيث أصبح مسؤولاً عن جهاز المخابرات فيها.؟ لقد وصف الحسيني بأنه كان لغزا كبيرا عجيبا وان له بصمات واضحة في جميع الانقلابات السورية ومسارها وان له شقيقا يدعى عصام وقد حكم حكما مبرما بجريمة تجسس على الجيش السوري. أضف إلى ذلك الدور الكبير الذي لعبه
المقدم الحسيني في قضيه تسليم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي انطون سعادة لإعدامه في لبنان.
قيل الكثير عن سبب اغتيال العقيد محمد ناصر، وهذه الأسباب جميعها تصب في خانه كونه ضابط شاب ذكي يعمل لوطنه بصدق وتفاني، فقيل أن من أسباب الجريمة أن العقيد ناصر كان شديد الهجوم على ممارسات الشيشكلي والحسيني، وأن ناصر قال يوما للحسيني في اجتماع رسمي عندما طلب زيادة مخصصات شعبته المالية زيادة كبيرة: (لماذا هذه الزيادات وأنت لا تهتم بغير ملاحقة الضباط (وكان يلاحق ناصر عند ذهابه إلى معسكرات قطنا لأسباب شخصية) فإذا سألتك عما عند جماعتك (يعني الإسرائيليين) من أنواع الطائرات وعددها من أجل أن أبني سلاحاً جوياً يتفوق على سلاحهم، فإنك لن تردّ ولن تستطيع الجواب…) وكان يشاع من وراء الكواليس أن جذور الحسيني يهودية، فذات مره قال ناصر للحسيني : (أني أعرف أن لك صلة مع عائلة المسلماني في عكا) ويوضح مصطفى طلاس في كتابه مرآة حياتي هذه المقولة : (إنه يهودي وهو من آل مسلماني في عكا. وهذه عائلة يهودية قبل إسلامها. وشقيقه عصام حُكم بقضية تجسس). كما ذكر عفيف البزري حول ذلك قائلا : (إبراهيم الحسيني من الأفّاقين الذين ابتليت بهم سورية. وهو من عائلة المسلماني الحيفاوية التي انتحلت كنية الحسيني. وكان له شقيق حُكِم بجرم تجسس للعدو الصهيوني من قبل المحكمة العسكرية السورية. وقد اطلعتُ على إضبارته عندما كنت رئيساً لهذه المحكمة في عام 1956. وكان هناك أيضاً للحسيني شقيق آخر يعمل في تلك الأيام في شرطة الصهاينة. وقد ارتبط ذلك الأفّاق بأكثر من جهة متآمرة على استقلال سورية.) ويضيف عفيف البزري : (إبراهيم الحسيني سفاك ارتكب عدداً من جرائم القتل قبل وبعد اغتيال محمد ناصر، وقد ثبت ارتباطه بالمخابرات الأميركية ولا نستبعد ارتباطه بالمخابرات الصهيونية التي نعتقد أنها دفعته مباشرة أو بالواسطة لارتكاب جريمة اغتيال محمد ناصر وتوريط الشيشكلي بهذا الفعل لتعزيز مركزه لديه كشريك “ويد قوية” في نظامه وبالتالي ليكون للصهاينة تأثير كبير في هذا النظام) بينما يقول سامي جمعه : (أن إبراهيم الحسيني كان صلة الوصل بين حسني الزعيم وموشية شاريت).
كما نقل للحسيني أن ناصر يتحدث عن علاقته مع المرأة المجهولة التي وجدت قتيله في ساقية أحد النوادي الليلية بدمشق وهو نادي الصفا المعروف بدمشق في حي عرنوس في منزل دمشقي قديم، فبعد عصر يوم 2 تموز 1950، بينما كان احد خدم النادي ينظف الساقية من الحشائش فوجئ بوجود جثة امرأة موضوعة في كيس قنب ومرمية بالساقية، فأبلغ الحادث للشرطة. مع أن الشائعات قد امتلأت بدمشق آنذاك تردد أن القتيلة كانت على علاقة بالعقيد إبراهيم الحسيني وهي عميلة لأحد أجهزة المخابرات الأجنبية !
يتبع