مقالات
حافظ قرقوط: أحمد مريود.. ثائر وسياسي من القنيطرة
حافظ قرقوط- جيرون
استطاع أحمد موسى مريود، في سنوات عمره القصير الذي عاشه، أن يُقدّم تجربة ثائر صلب، يتمتع بروح المناضل التي تنبض بالوطنية والعطاء، وُلِد في قرية “جباتا الخشب” التابعة لمحافظة القنيطرة عام 1886، واستُشهد في قريته في معركة جباتا الخشب في أيار/ مايو 1926، ابتدأ يخط مسيرته بتلقيه التعليم الابتدائي في المدرسة الرشدية بمحافظة القنيطرة، لينتقل بعدئذ إلى العاصمة دمشق، وليكمل تعليمه الإعدادي والثانوي فيها في مكتب عنبر.
تعلّقْ مريود وولعه بقراءة التاريخ العربي، ساعده في تكوين شخصيته، ليؤسس جريدة أسبوعية أخذت اسم “الجولان”، ترأس تحريرها، وكتب فيها عن التاريخ العربي والهم السياسي، وعبّر من خلالها عن أمله في أن يستعيد العرب حضورهم بين الأمم.
انضم إلى جمعية سياسية عربية سرية (الجمعية العربية الفتاة)، والتي أُسست في باريس، وطالبت بالانفكاك عن الدولة العثمانية، ثم ساهم في دفع الشباب العرب الرافضين للانضمام إلى الجيش التركي، على الفرار نحو الحجاز؛ للانضمام إلى جيش الشريف حسين، ثم ألقي القبض عليه، وأودع في سجن “عاليه” في لبنان، وبقي فيه حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى، ويُذكر أنه مع بداية الحرب كان يساعد في نقل القمح إلى لبنان، خلافًا لتعليمات السلطة العثمانية، التي منعت إدخال القمح إليه.
ظهر مريود كأحد الشخصيات السياسية الوطنية، فبعد دخول فيصل إلى دمشق، شارك في المؤتمر السوري، الذي أُعلن فيه استقلال سورية الطبيعية، كما انتسب إلى حزب الاستقلال العربي، الذي ساهم في تشكيل حكومة الملك فيصل بدمشق، ومع الإنزال الفرنسي على شواطئ لبنان، وتقدمه نحو عمق سورية، أعلن مريود في تشرين الأول/ أكتوبر 1919، “ثورة الجولان”، للوقوف بوجه الاحتلال ومنعه من التقدم، واستمرت هذه الثورة حتى عام 1920، وامتدت من الجولان، إلى بعض مناطق جبل عامل في لبنان، حيث خاض الثوار معارك عدة، منها: النبطية، ومرجعيون، والقليعة، والحماري، والخصاص، وإبل السقي، وبعد أن وجّه “غورو” إنذاره الشهير للملك فيصل ولسورية، رفض مريود ورفاقه هذا الإنذار، ودعا إلى التطوع لمواجهة القوات الفرنسية، حيث جرت مواجهات عدة، كان أهمها معركة ميسلون الفاصلة، التي قادها وزير الحربية، يوسف العظمة، في تموز/ يوليو 1920.
دخل الفرنسيون دمشق، وابتدأت مرحلة جديدة من المقاومة السورية؛ فكان مريود الذي حكمت عليه القوات الفرنسية بالإعدام، أحد رموز تلك المقاومة الوطنية، فترك ورفاقه الجولان؛ ليتوجه إلى شرقي الأردن، وتابع نشاطه الحزبي ضمن حزب الاستقلال العربي، وأصبح يعمل على تنظيم مجموعات قتالية، تنطلق من الأردن لمحاربة المحتل الفرنسي، كما شارك -في تلك الفترة- في حكومة رشيد طليع في شرقي الأردن، وشغل عدة مناصب وزارية.
عمل مريود في الأردن على وضع خطة لاغتيال الجنرال الفرنسي غورو، فهاجم موكبه قرب بلدة “الشوكتلية” في أثناء توجهه إلى القنيطرة، لكن بعد فشل المحاولة، وازدياد الضغط الفرنسي على البريطانيين الذين أخذوا في ملاحقته، غادر الأردن نحو الحجاز، وبقي مع الشريف حسين بن علي في مكة المكرمة، إلى أن غادرها نحو العراق، ومن هناك انطلق في مرحلة جديدة من عمله السياسي ضمن حزب الاستقلال.
حين اندلعت الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، عام 1925، بقيادة سلطان الأطرش، عاد مريود عبر البادية السورية إلى السويداء؛ ليتابع نضاله مع الثوار، وابتدأ بالتنسيق مع شخصيات وطنية عديدة، حزبية ومستقلة، كعبد الرحمن الشهبندر، وشكري القوتلي، وعادل أرسلان وغيرهم؛ لإعادة تنظيم صفوف الثوار في الجولان وغيره، وتنقل -في أثناء ذلك- ما بين غوطة دمشق ومناطق الجولان، وأخذ يحضّر لمعارك ضد الفرنسيين، فالتف الثوار حوله في بلدته (جباتا الخشب) التي أصبحت مقرًا لعمله الثوري.
وصل الخبر إلى الفرنسيين عن تلك الحشود الثائرة في بلدة جباتا الخشب، فطلبه الحاكم المحلي في القنيطرة للحوار؛ فرفض لقاءه قبل أن تُعلن فرنسا استقلال سورية، فشنت بعد ذلك القوات الفرنسية هجومًا عنيفًا بغطاء جوي، فتصدى لها الثوار في معركة كبيرة، أخذت اسم البلدة، استمرت منذ الصباح حتى آخر النهار، حيث استُشهد أحمد مريود في 30 أيار/ مايو عام 1926، كما استُشهد معه ابنه البكر وعمره 16 سنة.
بعد انتهاء معركة جباتا الخشب، نقلت القوات الفرنسية جثمان مريود، مع جثامين بعض الشهداء، إلى ساحة المرجة في دمشق، وتركتهم في تلك الساحة، في محاولة منها لترويع السكان من مصيرهم الذي سيلقونه إن عارضوا الاحتلال، لكن الأهالي نثروا الورود على تلك الجثامين؛ ليقوها من أشعة الشمس، إلى أن سمحت سلطات الاحتلال بدفنها، فرفض أهالي دمشق نقلها إلى بلدة جباتا الخشب، وتداعوا بأعداد كبيرة؛ لحملها وإقامة حفل تأبين شعبي لها، ودُفن جثمانه في مقبرة “قبر عاتكة” بدمشق.
يُشار إلى أن أحمد مريود، ينتمي إلى أسرة مكافحة، فقد عاش بين خمسة أشقاء وسبع شقيقات، يُقاسمهم هموم الحياة، وإنّ حب والده للعلم هيأ له الأجواء في تلك البيئة الفلاحية البسيطة؛ لتلقي العلم مُبكرًا، فخاض هذا الشاب الكفاح في سن مبكر، واستمر حتى استشهاده، وترافقت مع تغيرات كبيرة وجذرية مرت على سورية والمنطقة، أبى -خلالها- إلا أن يكون أحد المؤثرين فيها، ليُسجّل اسمه مع رجال سورية الوطنيين، كأحد رموز حرب الاستقلال.