اتفقت الحكومة السورية واللبنانية على رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
في الرابع من شباط عام 1946 تقدم رئيسا الوفدين السوري واللبناني ومجلس الأمن بخطاب إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة يطلبان فيه إبلاغ مجلس الأمن بالشكوى التالية:
(لا تزال هناك قوات فرنسية وبريطانية تعسكر في سورية ولبنان، بالرغم من أن العمليات الحربية قد انتهت منذ عدة شهور، وأن وجود هذه القوات الذي يشكل خرقاً خطيراً لسيادة دولتين هما عضوين في منظمة الأمم المتحدة، قد يؤدي إلى وقوع اشتباكات دامية، كما أن الحوادث الماضية أثبتت أن وجود هذه القوات يشكل تهديداً دائماً للسلام والأمن في المنطقة....
وقد كانت الحكومتان السورية واللبنانية تأملان في أن تنسحب هذه القوات الأجنبية فور إعلان حالة الحرب ضد ألمانيا واليابان، نتيجة للطلبات المستمرة التي تقدمت بها الحكومتان لهذا الغرض، بيد أنهما ألغتا بتاريخ 13 كانون الأول 1945، بعقد اتفاق بريطاني – فرنسي نجتزئ منه ما يلي: “إن برنامج الجلاء سيجري إعداده بشكل يضمن بقاء قوات كافية في المشرق لضمان الأمن في هذه المنطقة، وإلى أن يتم تنفيذ هذه الإجراءات،فإن للحكومة الفرنسية أن تبقى قوات مجمعة في لبنان”.
وينبني على ذلك، أن هذا الاتفاق يجعل انسحاب القوات الأجنبية معلقاً على شروط تتعارض وأحكام ميثاق الأمم المتحدة روحاً ونصاً.
لذلك، وبما أن الدولتين المتعاقدتين أشارتا في الاتفاق المذكور إلى الأمم المتحدة فإن الوفدين السوري واللبناني، بناء على تعليمات حكومتيهما، يتشرفان بعرض هذا النزاع على مجلس الأمن وفقاً للمادة /34/ من ميثاق الأمم المتحدة، ويطلبان منه إصدار قرار يوصي بانسحاب فوري، ومتلازم لجميع القوات الأجنبية عن أراضي سورية ولبنان، ويعلنان استعدادهما لمساعدة مجلس الأمن بتقديم جميع المعلومات المتعلقة بهذا الشأن).
مناقشة الشكوى أمام مجلس الأمن:
بدأ مجلس الأمن مناقشة الشكوى السورية – اللبنانية في اجتماعه الذي عقد في الرابع عشر من شباط عام 1946م.
أعلن رئيس مجلس الأمن المستر “ماكلين” الاسترالي في مستهل المناقشة أنه لا يرى لزوماً في المرحلة الراهنة للبحث فيما إذا كانت المادة /32/ من ميثاق الأمم المتحدة تنطبق على القضية أم لا، مضيفاً إلى ذلك قوله: “سيان أكان هنالك ثمة نزاع بالمعنى التقني أم لا، فإن سورية ولبنان هما بوضوح دولتان تمس مبصالحهما مساساً خاصاً مناقشة المسألة المعروضة حالياً على المجلس”.
واقترح رئيس مجلس الأمن ما يلي:
أولاً- دعوة ممثلي سورية ولبنان لأخذ مقعديهما حول مائدة المجلس....
ثانياً- إبلاغهما عند جلوسهما على مائدة المجلس بأنه يدعوهما للاشتراك في مناقشة القضية التي قدماها إليه، وذلك بدون ان يكون لهما حق التصويت.
ثالثاً- إبلاعهما أيضاً، بأن المجلس- مع عدم المساس بأية وجهة نظر قد يتخذها في مناسبات أخرى سيمنحهما في الوقت المناسب إذا شاء ذلك، حق تقديم الاقتراحات بالنسبة لهذه القضية.
وافق الأعضاء على الاقتراح بدون اعتراض، وإثر ذلك طلب مندوب مصر السيد ممدوح رياض من المجلس إصدار قرار فوري بشأن نوع التصويت الواجب اتخاذه لتحديد ما إذا كانت القضية تشكل نزاعاً أو حالة، ذلك أنه إذا اعتبرت القضية نزاعاً وجب على الأطراف ذات العلاقة بها الامتناع عن التصويت، أما إذا اعتبرت حالة كان للأطراف حق الاشتراك في التصويت.
قرر مجلس الأمن الدولي اعتبار القضية السورية – اللبنانية “نزاعاً” وجب على مندوبي بريطانيا وفرنسا، وهم عضوان دائمان في المجلس الامتناع عن الاشتراك في التصويت، وبالتالي فإنهما يفقدان ممارسة حق النقض “Veto” وذلك إذا ذهب مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار مناقض لمصالحهما في القضية المعروضة عليه.
وتكلم المندوب السوفيتي السير “فيشنسكي” وأكد أن القاعدة التي يجب اتباعها في توصيف القضية قد سبق وضعها في أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة في سان فرنسيسكو، وذلك في تقرير اللجنة الثالثة للجمعية العامة المؤرخ في السابع من تموز عام 1945 الذي يؤكد بأن القرار الذي يصدر في موضوع توصيف القضايا وتحديد ما إذا كانت تعتبر نزاعاً أم حالة، ويعتبر مسألة موضوعية وليس مسألة أصولية.
بعد مناقشة أصولية طويلة حول هذا الموضوع، تقدم مندوب هولندا باقتراح يخلص إلى أن الفصل في توصيف القضية السورية – اللبنانية المعروضة على المجلس يعتبر سابقاً لأوانه قبل الاستماع إلى أقوال الأطراف المعنية. وطلب تأجيل التصويت على الاقتراح المصري، فقبل اقتراح المندوب الهولندي بأكثرية ثمانية أصوات وبدون معارضة، واستنكف ثلاثة أعضاء عن التصويت.
كلمة وزير الخارجية اللبناني في مجلس الأمن:
في الاجتماع العشرين لمجلس الأمن، طلب رئيس المجلس إلى مندوبي سورية ولبنان عرض قضيتهما على المجلس، وأعطيت الكلمة أولاً لوزير خارجية لبنان السيد حميد فرنجية الذي باشر كلمته مشيراً إلى أن سورية ولبنان هما دولتان مستقلتان، وأنهما وقعتا على ميثاق الأمم المتحدة، وقبلتا عضوين في المنظمة الدولية، وأن هذا الواقع في حد ذاته يستوجب استبعاد أي تقييد لسيادتهما....
وتطرق بعد ذلك إلى مسألة وجود قوات بريطانية فرنسية على أراضي سورية ولبنان، معلناً أن هذا الوجود العسكري لم يعد به مبرر بعد انتهاء حالة الحرب، بالإضافة إلى عدم وجود أي اتفاق أو معاهدة أو حلف يبرر استمرار هذا الوضع.
وأضاف إلى ذلك قوله أن الحكومتين السورية واللبنانية، بعد انتهاء العمليات الحربية ضد ألمانيا واليابان طلبتا مراراً من الحكومتين الفرنسية والبريطانية سحب قواتهما، وأن يكون هذا الانسحاب متلازماً في الزمن غير أن المفاوضات التي جرت بهذا الشأن لم تقترن بنجاح، وإنما أبلغت حكومتا سورية ولبنان بأن ثمة اتفاقاً قد جرى توقيعه بين المملكة المتحدة وفرنسا في 13 كانون الأول 1945م.
بعد ذلك أشار الوزير اللبناني إلى أن الدولتين المشرقيتين قامتا، فيما بعد بخطوات أخرى لهذا الغرض، ووجهتا مذكرتين إلى الحكومة الفرنسية، الأولى مؤرخة في 26 كانون الأول 1945، والثانية في 9 كانون الثاني 1946 بطلب سحب قواتهما من البلاد، ولكن المذكرتين ظلتا بلا جواب، واستطرد بعدئذ إلى القول بأن هذا النزاع الناشب بين الطرفين يشكل تهديداً للسلام الدولي.
وقد أوضح وزير الخارجية اللبناني الأسباب التي أهابت بحكومته إلى عرض النزاع على مجلس الأمن، وهذه الأسباب تجمل في الآتي:
أولاً- إن وجود قوات أجنبية على أراضي دولة مستقلة ذات سيادة بدون موافقة الدول المعنية ويشكل دائماً سبباً للمشاحنة والنزاع.
ثانياً- إن هذا الوجود العسكري لا يوجد له مبرر سواء بالإستناد إلى حاجة العمليات العسكرية أم لعدة وجود أية معاهدة أو اتفاق من أي نوع كان بين الحكومتين السورية واللبنانية من جانب بريطانيا وفرنسا من جانب آخر.
ثالثاً- إن هذا الوجود العسكري يشكل خرقاً خطيراً لسيادة دولتين هما عضوان في منظمة الأمم المتحدة.
رابعاً- وأخيراً فإن هذا الوجود العسكري، وبدلاً من أن يسهم في حفظ الأمن والنظام ويشكل تهديداً مستمراً. ويخلق إمكانية للتدخل في الشؤون الداخلية للبنان وسورية.
وانتقل الوزير اللبناني، بعد ذلك، إلى التحدث عن الاتفاق البريطاني – الفرنسي الذي عقد في 13 كانون الأول 1945، وأكد أن هذا الاتفاق يخالف ميثاق الأمم المتحدة، روحاً ونصاً، وآية ذلك أن هذا الاتفاق من ناحية أولى يعني ضمناً أن الدولتين المستقلتين سورية ولبنان، غير قادرتين على المحافظة على الأمن والنظام بدون وجود قوات أجنبية. ومن ناحية ثانية فإن الاتفاق يعتبر خرقاً لمبدأ سيادة الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، ولمبدأ عدم التدخل في الشؤون التي تدخل حصراً ضمن الصلاحيات الخاصة بحكومتي سورية ولبنان بمقتضى المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
وأخيراً وليس آخر فإن ميثاق الأمم المتحدة لا ينص على الدفاع عن أية دولة من الدول الأخرى، بدون موافقة الدول المعنية الأخرى، باستثناء الأراضي الموضوعة تحت الوصاية أو أراضي الدول غير المستقلة، وبالتالي فإن اتفاق 13 كانون الأول 1945 الذي يهدف إلى تنظيم الأمن في سورية ولبنان بدون موافقة حكومة البلدين المذكورين، يعتبر خرقاً فاضحاً لميثاق الأمم المتحدة.
كلمة فارس الخوري المندوب السوري في مجلس الأمن:
بعد انتهاء كلمة المندوب اللبناني، قام فارس الخوري المندوب السوري في مجلس الأمن بإلقاء كلمة الوفد السوري التي تناول فيها هذه الحجج بالبيان والتفصيل، ثم استطرد متسائلاً: “أمن مَن ترغب فرنسا وبريطانيا المحافظة عليه بموجب الاتفاق المعقود بينهما في 13 كانون الأول 1945”
وعن هذا السؤال أجاب الخوري بقوله : (يجب أن لا يكون ثمة شك في أن حكومتي سورية ولبنان هما وحدهما المسؤولتان عن الأمن في بلديهما، ويجب أن لا يكون ثمة شك أيضاً في أن حكومتي سورية ولبنان هما المسؤولتان عن أمنهما الخارجي وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة. يضاف إلى ذلك أن الحرب انتهت، وهزمت قوات النازية والفاشية، وأن سورية ولبنان محاطتان بدول تنتسب إلى عضوية الأمم المتحدة. فما هي إذن الصفة التي تخول أية حكومة أخرى القيام بدور الضامن للأمن في تلك المنطقة؟ هذا الأمر نعجز عن فهمه!)....
وأضاف المندوب السوري في خطابه:
(بيد أن هنالك شيئين ثابتين: أولهما أن الأمن الجماعي ليس وظيفة تستطيع أية دولة كبرى أن تمارسها عن طريق إبقاء قواتها في أراضي دولة صغيرة هي عضو في منظمة الأمم المتحدة لرغبات هذه الدولة.
والثاني هو أن الأمن الدولي قد تم تنظيمه بوضوح بموجب الميثاق، وأن جميع الدول المعنية بهذه القضية هي أعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي فإن العلاقات بين هذه الدول تستند إلى مبادئ الميثاق، كما أن سلوكها الدولي بالنسبة لموضوع الأمن، منظم بصراحة بمقتضى أحكام هذا الميثاق، وهذه الأحكام تشكل الاتفاق المعقود بيننا، وجميع ما اتفقنا عليه، ولذا فإننا نطالب بأن لا يقع ثمة أنحراف عن أحكام الميثاق).
وأشار الخوري إلى المحاولات العديدة التي قامت بها الحكومتان السورية واللبنانية لتسوية المسألة بالطرق الدبلوماسية، ولكن بدون طائل، طلب إلى مجلس الأمن في خاتمة خطابه “بأن يقرر وجوب سحب جميع القوات المسلحة الأجنبية، بشكل متلازم، من سورية ولبنان” على أن يتم تحديد مدة محددة لانسحابها.
رد المندب الفرنسي على خطاب كل من ممثلي سورية ولبنان:
أعرب المسيو بيدو وزير الخارجية الفرنسي عن دهشته إزاء الطلب الذي تقدم به الوفدان السوري واللبناني إلى مجلس الأمن الدولي بسحب القوات الأجنبية من بلادهما.
وأشار المندوب الفرنسي إلى أن حالة الحرب لمّا تبلغ نهايتها، وأن السلام لما يحل نهائياً في المنطقة. ومن هنا فإن ثمة ثوات تنتسب إلى عدة جنسيات ماتزال تعسكر في أراضي الدول المتحاربة، وأن فرنسا لم تنكل أبداً بتعهدها في إيصال الدولتين المشرقيتين اللتين وضعتا تحت انتدابهما من قبل عصبة الأمم إلى الاستقلال التام. ...
وأن الحالة في سورية ولبنان لا يمكن بحال من الأحوال اعتبارها مهددة للأمن والسلام الدوليين وفقاً لأحكام المادة /34/ من ميثاق الأمم المتحدة، وأنه يمكن تسويتها عن طريق المفاوضات وغيرها من الطرق السلمية المناسبة وفقاً للمادة /33/ من الميثاق. وأن فرنسا، بالاتفاق التام مع بريطانيا، قد أوضحت عن رغبتها الصادقة في أخذ زمام المبادرة لعقد اتفاق بشأن إجلاء قواتها عن سورية ولبنان، وكانت مستعدة للمباشرة في عرض هذه المسألة على مجلس الأمن، بغية الوصول إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن في هذا الحزء من العالم.
وقد أكد المندوب الفرنسي بأن اتفاق 13 كانون الأول 1945م، لا ينطوي -في رأي موقعيه- على أية رغبة خفية في إبقاء قوات مسلحة -بصورة نهائية- في المشرق،إذ لا يوجد قرار من مجلس الأمن يسوّغ ذلك، وأن الحكومة الفرنسية مستعدة، لكي تقوم بالتعاون مع بريطانيا بإيجاد حل لهذه المسألة.
كلمة المندب البريطاني:
أعرب المندوب البريطاني “الكسندر كادوغان” عن عطفه وتأييده لطلب الحكومتين السورية واللبنانية سحب القوات البريطانية من أراضيهما، مؤكداً أن وجود تلك القوات في المشرق هو من مخلفات الحرب ومقتضياتها، وأن القوات البريطانية قد تدخلت، بناءَ على طلب الحكومة السورية في النزاع الذي نشب بين القوات الفرنسية وبين جماهير الشعب السوري في شهر أيار 1945م،...
وأنه بالنظر لاحتمال وقوع مصادمات مماثلة في المستقبل، فقد طلبت الحكومتان السورية واللبنانية، وأعطينا ضمانات، بأن القوات البريطانية لن تسحب طالما أن القوات الأجنبية الأخرى لا تزال معسكرة في أراضيهما. وأن الاتفاق البريطاني – الفرنسي الذي لا يعتبر في نظر أحد مرضياً مائة في المائة إنما هو محاولة للخروج من الدرب المغلق، ووضع حد نهائي لحالة أصبحت مؤلمة لجميع الأطراف المعنية.
وختم المندوب البريطاني خطابه قائلاً بأن الوفد البريطاني يؤيد بكل قواه ما جاء في الخطاب الذي ألقاه المندوب الفرنسي، ومؤكداً رغبة الحكومة البريطانية في سحب قواتها بأسرع وقت ممكن من سورية ولبنان، والتخلص من المسؤولية التي تترتب على بقائها هناك.
كلمة المندوب الأميركي:
تحدث المستر ستاتينوس وزير الخارجية الأميركي وبدأ خطابه بشرح موقف حكومة الولايات المتحدة الأميركية من القضية المعروضة على مجلس الأمن، ثم انتقل إلى القول بأنه: “على ضوء ما سمعناه، فإن إمكانات التفاوض للوصول إلى حل سلمي للنزاع لما تستنفذ حتى الآن، بيد أنه يجب أن يكون مفهوماً بشكل واضح، في حال اللجوء إلى مثل هذه المفاوضات، أن القضية ستظل موضع اهتمام مجلس الأمن الذي يتعين عليه الاحتفاظ بحقه في طلب المعلومات عن سير المفاوضات والنتائج التي تم الوصول إليها”....
كما أعلن الوزير الأميركي بأن “السياسة العامة للولايات المتحدة الأميركية تقضي بمساعدة وتشجيع الانسحاب العاجل للقوات الأجنبية من أراضي أية دولة من أعضاء منظمة الأمم المتحدة التي جرى احتلالها خلال الحرب، وذلك إذا ما طلبت الدول المعنية مغادرة تلك القوات لأراضيها. وتمشياً مع هذه السياسة العامة فإنني أود أن أعرب عن أمل حكومة الولايات المتحدة في أن تتحقق رغبات الحكومتين السورية واللبنانية بانسحاب القوات الأجنبية من أراضيها بأقرب وقت ممكن محلياً، وذلك عن طريق اتفاق مرض للجميع في هذا الشأن”.
كلمة المندوب السوفيتي:
ألقى المستر فيتشنسكي المندوب السوفيتي كلمة شرح فيها موقف حكومته من القضية السورية – اللبنانية المعروضة للمناقشة على مجلس الأمن وقد استهل كلمته باستعراض مفصل للحوادث التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1941م، وأعلن تأييد الحكومة السوفيتية للمطالب المشروعة التي تقدم بها الوفدان السوري واللبناني إلى مجلس الأمن....
وأشار المندوب السوفيتي إلى أن الاتفاق البريطاني – الفرنسي الموقع في 13 كانون الأول عام 1945م، قد تمت صياغته بشكل يضمن بقاء قوات عسكرية في المشرق بحجة الحفاظ على الأمن في تلك المنطقة.
واستطرد قائلاً: (إنني لا أعلم وكذلك أعضاء المجلس الآخرون لا يعلمون بأن الأمم المتحدة اتخذت قرارات خاصة تتعلق بالحفاظ على الأمن المشترك في تلك المنطقة من العالم).
وأكد فيشنسكي أن البندين الأول والثاني من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك عضوية سورية ولبنان في تلك المنظمة الدولية تكفي لكي يكون واضحاً أن الاتفاق البريطاني – الفرنسي المعقود بدون اشتراك سورية ولبنان فيه، بل بدون علمهما به وبدون مساهمتهما في حل المسألة التي تخصهما، يعتبر خرقاً لسيادة هاتين الدولتين وللمبادئ الأساسية للقانون الدولي.
وأعلن أنه يعتبر أن ثمة نزاعاً قائم في هذه القضية، وأن طريق الخروج منه سهل جداً، فليس ثمة موجب للمفاوضات من أي نوع كانت، بعدما وصلت القضية إلى مجلس الأمن، وأن القرار الوحيد الذي يجدر اتخاذه من قبل المجلس في هذا الشأن هو الاستجابة لطلب الحكومتين السورية واللبنانية سحب القوات الأجنبية من أراضيهما. وهذا ما يؤيده الوفد السوفيتي تأييداً تاماً باسم الحكومة السوفيتية.
محاولات تسوية النزاع في مجلس الأمن:
بعد الاستماع إلى كلمات المندوبين الذين تعاقبوا على الإدلاء بموقف حكوماتهم، قام مجلس الأمن بدراسة الاقتراح المقدمن من قبل المندوب الهولندي، وهذا نصه:
(إن مجلس الأمن قد أخذ علماً بالبيانات التي تقدمت بها الأطراف الأربعة ويعلن ثقته بأن القوات الأجنبية الموجودة في سورية ولبنان ستسحب في وقت غير بعيد، سواء كان ذلك بواسطة المفاوضات أو غيرها، ويطلب من الأطراف المعنية إبلاغه بذلك عند حصوله، لكي يتمكن المجلس من الرجوع إليه في كل وقت، ثم الانتقال إلى الموضوع التالي المدرج في جدول الأعمال)....
عارض هذا الاقتراح كل من مندوبي سورية ولبنان، وأشار إلى أنه لا يحدد الوسائل التي تيعين بواسطتها إتمام إنسحاب القوات الأجنبية، كما أعلنا أنهما يعتبران المفاوضات طريقاً غير مجدية لتسوية النزع، بل إنها قد تكون سبباً لتعقيدات جديدة تطرأ على الموقع.
حيال هذه المعارضة، سحب المندوب الهولندي اقتراحه، فتقدم مندوب المكسيك باقتراح آخر بنص على ما يلي:
(إن مجلس الأمن يجب أن يقرر:
1- إن طلب الحكومتين السورية واللبنانية المتعلق بسحب القوات البريطانية والفرنسية، بصورة متلازمة وفي أقرب وقت هو طلب مشروع.
2- إن موعد انسحاب تلك القوات يحب أن يتم بطريق المفاوضة بين الأطراف في القضية، مع العلم بأن هذه المفاوضات ستدور حصراً حول الإجراءات العسكرية الفنية اللازمة لانسحاب تلك القوات بصورة مناسبة.
3- يطلب من الأطراف المعنية، عندما يتم القيام بهذه الإجراءات إبلاغ مجلس الأمن بذلك).
لم يحصل الاقتراح المكسيكي إلا على تأييد أربعة أعضاء في مجلس، فاعتبر بالتالي ساقطاً، وغير مقبول.
الاقتراح المصري:
ثم تقدم المندوب المصري إلى مجلس الأمن بمشروع القرار الآتي:
(إن مجلس الأمن
بعد الاستماع إلى بيانات كل من ممثلي لبنان وسورية وفرنسا والمملكة المتحدة، وبعد تبادل وجهات النظر في القضية المعروضة عليه.
ولما كان وجود القوات البريطانية والفرنسية على الأراضي اللبنانية والسورية يتعارض مع مبدأ المساواة التامة بين أعضاء منظمة الأمم المتحدة المنصوص عليه في الميثاق.
وإيماناً منه بأن هذا المبدأ الذي يعترف بحرمته الأطراف المعنيون كافة، يجب أن يحظى بالتطبيق الكامل بانسحاب جميع القوات البريطانية والفرنسية التي لا تزال موجودة في الأراضي المشار إليها انسحاباً فورياً ومتلازماً.
يوصي الحكومتين البريطانية والفرنسية من جهة، والحكومتين اللبنانية والسورية من جهة أخرى، بالدخول بأقرب وقت ممكن في مفاوضات بغية الوصول، بصورة حصرية، إلى الأمور التفصيلية الفنية المتعلقة بالانسحاب المذكور، بما في ذلك تحديد موعد انتهائه، ويرجوها إبلاغ المجلس نتيحة تلك المفاوضات).
سقط الاقتراح المصري ولم يصوت له سوى أربعة من أعضاء المجلس.
الاقتراح الأميركي:
تقدم المندوب الأميركي بمشروع قرار جديد، هذا نصه:
(إن مجلس الأمن قد أخذ علماً بالتصريحات التي أدلى بها الأطراف الأربعة وغيرهم، ويعرب عن ثقته بأن القوات الأجنبية الموجودة في سورية ولبنان ستنسحب في أقرب وقت ممكن عملياً، وأن مفاوضات لهذا الغرض ستبدأ بين الأطراف بدون تأخير. ويرجو من الأطراف إبلاغ المجلس بنتيجة تلك المفاوضات).
ولدى طرح هذا الاقتراح على التصويت، حظي بتأييد كل من مندوبي فرنسا والمملكة المتحدة والصين، بينما انتقده المندوب السوفيتي معلناً أن الاقتراح لا يبين القصد من المفاوضات، وأن عبارة “لهذا الغرض” هي عبارة غامضة. فإذا كان المقصود منها هو الوسائل والطرق المؤدية إلى انسحاب القوات الأجنبية، وليس الانسحاب نفسه، فيتعين بيان ذلك بوضوح في صلب مشروع القرار، أما بالنسبة لما جاء في الاقتراح الأميركي من أن مجلس الأمن يعرب عن ثقته بأن القوات الأجنبية الموجودة في سورية ولبنان ستنسحب، فإنه بصراحة لا يشعر بمثل هذه الثقة”.
الاقتراح السوري -اللبناني
هنا اقترح مندوبا سورية ولبنان تعديل الفقرتين الثانية والثالثة من الاقتراح الأميركي، بحيث تنص على ما يلي:
(يعرب عن ثقته في أن القوات الأجنبية الموجودة في سورية ولبنان ستنسحب في اقرب وقت ممكن عملياً، وأن مفاوضات فنية حصراً ستبدأ لهذا الغرض بين الأطراف بدون تأخير.
ويرجو من الأطراف إبلاغ المجلس بنتيجة تلك المفاوضات، وكذلك بالتاريخ المحدد للانسحاب).
بيد أن المندوب البريطاني أعلن عدم تأييده لهذا التعديل، بذريعة أن يحول دون اشتمال المفاوضات على أمور اخرى، وقد وافق مندوبا فرنسا وبريطانيا على ما اقترحه المندوب الأميركي من إضافة عبارة “مستقلة عن المواضيع الأخرى” بعد كلمة “مفاوضات” الواردة في مشروعه، ولكن المندوب السوفيتي ظل مصراً على موقفه السابق معلناً أن الإضافة المقترحة لا تغير – في رأيه- شيئاً البتة في مضمون الاقتراح الأميركي، وأنه يتعين النص بشكل واضح على ان المفاوضات تتعلق بالأمور الفنية وحدها اللازمة لتنفيذ الانسحاب).
الاقتراح السوفيتي:
ثم اقترح المندوب السوفيتي إدخال التعديلات الآتية على الاقتراح الأميركي:
1- أن تستبدل عبارة (يعرب عن ثقته بأن القوات الأجنبية الموجودة في سورية ولبنان ستسحب..) بعيارة (يوصي الحكومتين البريطانية والفرنسية بسحب قواتهما من سورية ولبنان.
2- أن تستبدل عبارة (بأقرب وقت ممكن عملياً) بكلمة (فوراً).
3- أن تصاف كلمة (فنية) بعد كلمة (مفاوضات).
بيد أن التعديلات السوفيتية المقترحة سقطت أيضاً لعدم حصولها على الأكثرية اللازمة من الأصوات لقبولها.
وقد جرى بعد ذلك ، طرح المشروع الأميركي على التصويت، فنال سبعة أصوات، غير أنه لم يعتبر مقبولاً لأن المندوب السوفيتي صوت ضده، الأمر الذي يعتبر ممارسة حث النقض (الفيتو) الذي يملكه الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن.
وهنا أعلن مندوبا فرنسا وبريطانيا اللذان لم يشتركا في التصويت على الاقتراح الأميركي باعتبارهما طرفاً في النزاع، بأن حكومتيهما ستنفذان طوعية مضمون القرار الذي اتخذته أكثرية أعضاء مجلس الأمن، على الرغم من ممارسة المندوب السوفياتي حق النقض ضده وفقاً لأحكام المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة.
فشل مجلس الأمن الدولي في الوصول إلى قرار بشأن النزاع:
فشل مجلس الأمن الدولي في الوصول إلى قرار ملزم يقضي بانسحاب القوات الأجنبية من أراضي سورية ولبنان، رغم الجهود التي بذلها عدد من أعضاء المجلس في هذا الشأن.
هذا الفشل كان يهدد ببقاء النزاع معلقاً بدون حل، لولا الإعلان الذي صدر عن مندوبي فرنسا وبريطانيا بأن حكومتيهما ستقومات طواعية بتنفيذ رغبة أكثرية الأعضاء في مجلس الأمن.
(1). الخطاب المقدم من السيدين فارس الخوري وحميد فرنجية رئيسي الوفدين السوري واللبناني إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في المحاضر الرسمية لجلسات مجلس الأمن الدولي، السنة الأولى، الملحق 29، صـ 82-83. نقلاً عن كيالي (نزار)، دراسة في تاريخ سورية السياسي، دار طلاس، الطبعة الأولى، دمشق عام 1997م، صـ 200.
(2). المحاضر الرسمية لجلسات مجلس الأمن، السنة الأولى، صـ 272.
(3). المحاضر الرسمية لجلسات مجلس الامن، صـ 274
(4). الخطاب الكامل في المحاضر الرسمية لمجلس الأمن، السنة الأولى، صـ 283 - 286
(5). كلمة المندوب الفرنسي في محاضر جلسات مجلس الأمن الدولي، السنة الأولى، صـ 289- 294
(6). كلمة المندوب الفرنسي في محاضر جلسات مجلس الأمن الدولي، السنة الأولى، صـ 294- 295
المراجع والهوامش:
(1). الخطاب المقدم من السيدين فارس الخوري وحميد فرنجية رئيسي الوفدين السوري واللبناني إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في المحاضر الرسمية لجلسات مجلس الأمن الدولي، السنة الأولى، الملحق 29، صـ 82-83. نقلاً عن كيالي (نزار)، دراسة في تاريخ سورية السياسي، دار طلاس، الطبعة الأولى، دمشق عام 1997م، صـ 200.
(2). المحاضر الرسمية لجلسات مجلس الأمن، السنة الأولى، صـ 272.
(3). المحاضر الرسمية لجلسات مجلس الامن، صـ 274
(4). الخطاب الكامل في المحاضر الرسمية لمجلس الأمن، السنة الأولى، صـ 283 - 286
(5). كلمة المندوب الفرنسي في محاضر جلسات مجلس الأمن الدولي، السنة الأولى، صـ 289- 294
(6). كلمة المندوب الفرنسي في محاضر جلسات مجلس الأمن الدولي، السنة الأولى، صـ 294- 295
ندوة قيادة فرع فلسطين لحزب البعث في مخيم اليرموك - أيلول 1970