قضايا
الأزمة الوزارية في سورية عام 1951م

استقالة حكومة ناظم القدسي في آذار 1951:
في ربيع عام 1951م بدأت الخلافات السياسية في سورية تظهر إلى العلن، ولاسيما بعد أن قدم الدكتور ناظم القدسي استقالة حكومته في السابع والعشرين من آذار عام 1951م، دون أن يعلن سبباً واضحاً لذلك، باستثناء جو الشائعات التي كانت تسربها أوساط الحكومة وحزب الشعب حول الخلاف مع الجيش وتدخل العسكر في الشأن السياسي والممانعة في نقل الدرك إلى ملاك وزارة الداخلية.
وقد كتبت حينها صحيفة الشعب الناطقة بلسان حزب الشعب، مقالة حاولت فيها توضيح أسباب الاستقالة، جاء فيها: (إن وزارة الدكتور القدسي لم تستقل لأنها عجزت عن أداء مهمتها كحكومة، وإنما لأسباب تعلمونها، ولا تستطيعون أن تواجههوا الرأي العام بإنكارها).
عرفت سورية أزمة وزارية طويلة بعد استقالة حكومة ناظم القدسي،بعد محاولة إعادة تكليف ناظم القدسي واعتذاره، كُلف خالد العظم بتشكيلها، وما كاد أن يفعل حتى أعلن رشدي الكيخيا أحد أبرز زعماء حزب الشعب بإعلان استقالته من رئاسة المجلس النيابي.
كانت حكومة خالد العظم أشبه ما تكون بحكومة تصريف أعمال لضعف الثقة البرلمانية بها، سرعان ما استقالت، وعادت البلاد للدخول في أزمة وزارية مرة أخرى.
حُلت المشكلة الوزارية بتشكيل حسن الحكيم الوزارة في التاسع من آب عام 1951 بعد التوافق بين الجيش ورجال السياسة عليها.
تم التوافق على وزارة الحكيم التي كان أكثر أعضائها من حزب الشعب، ونالت بسبب ذلك ثقة شبه إجماعية (84 صوتاً مقابل 4 اصوات)، وخاصة وأن بيانها الوزاري تبنى الميثاق الوطني، والذي توصلت إليه الأحزاب والتي عرفت بعد ذلك بالأحزاب الميثاقية.
وكان تأييد الجناح اليميني في حزب الشعب مشروطاً، وقد عبر عنه راتب الحسامي في كلمة الحزب، التي ألقاها في جلسة الثقة، وقال فيها:
(فإذا لم توفق هذه الحكومة المؤيدة من فئات المجلس وهيئاته في الالتزام بالدستور نصاً وروحاً، ومعني ذلك أن تكون الكلمة العليا في البلاد، والهيمنة الكاملة في الدولة لمجلس النواب، والحكومة المنبثقة عنه، فإذا الحزب آنذاك يرى أن الحياة النيابية لم يعد لها معني، ولا فائدة من استمراره في ممارستها).
حسن الحكيم يتجدث عن ظروف تشكيل حكومته:
حول ظروف تشكيل حكومته كتب حسن الحكيم في مذكراته تحت عنوان:
أسباب قبولي تأليف الوزارة
(كان يتردد على الألسن هنا وهناك بأن الجيش ينظر إلى حزب الشعب نظرة سيئة، ويتهمه بالضعف الخلقي والفرار من المسؤوليات، وبالتهديم والتهويل والتآمر وتحريض الرأي العام ضده، ويحمله مسؤولية الانقلابات الثلاثة، كما يسند إليه كثيراً من الأمور الأخرى التي تدل على عدم اطمئنانه له، لذلك عندما استقالت حكومة السيد خالد العظم الرابعة كانت العلاقة بين حزب الشعب والجيش على أسوأ ما يكون، ولم يعد بإمكان حزب الشعب وهو حزب الأكثرية في المجلس النيابي أن يؤلف حكومة حزبية من أعضائه أو حكومة ائتلافية برئاسة واحد منهم، ...
الشيشكلي وحكومة حسن الحكيم:
كان العقيد أديب الشيشكلي ضامناً انحياز حسن الحكيم الذي شكل الوزارة حديثاً إليه ضد “حزب الشعب” عندما وافق على تكليفه بتشكيل الوزارة.
وفي هذا المجال يقول أكرم الحوراني : (إن الشيشكلي قد زاره إثر عودته من السعودية، وكان مسروراً من رحلته، نظراً لحاجة الجيش إلى المال والحزينة السورية خالية، وقال : إن السعودية وعدته بعدم التوقف عن مده بالمساعدة في المستقبل، كما قال أنه أنفق مع السعودية على منع انضمام الأردن إلى العراق.
كان الشيشكلي يرى أن اتحاد العراق والأردن سوف يؤدي إلى تطويق سورية.
استقالة حكومة حسن الحكيم:
حول أسباب استقالة حسن الحكيم:
في العاشر من تشرين الأول عام 1951م قدم الحكيم استقالة حكومته إلى مجلس النواب بعد ان رفضها رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي.
أورد حسن الحكيم رئيس الوزراء أسباب استقالة حكومته في مذكراته التي نشرها لاحقاً، وأوضح في الجزء الثاني منها أهم تلك الأسباب والتي تتعلق بتفرد فيضي الأتاسي وزير الخارجية بالتصرف في بعض المسائل السياسية دون العودة إلى مجلس الوزراء أو رئيسه أو مجلس النواب.
وتناول حادثة استقبال فيضي الأتاسي كل من القائم الأعمال الأميركي، ووزير فرنسا المفوض، ووزير المملكة المتحدة، والوزير التركي لابلاغه بناء على تعليمات تعلقوها من حكوماتهم بأن الدفاع عن الشرق الأوسط أمر حيوي بالقياس إلى أمن العالم الحر، وطلبوا من خلاله من الحكومة السورية التعاون، إلا أن فيضي الأتاسي تفرد بالرد دون إطلاع رئيس مجلس الوزراء أو المجلس او مجلس النواب.
تشكيل حكومة معروف الدواليبي:
مع استقالة حكومة حسن الحكيم دخلت البلاد مجدداً في أزمة وزارية حادة دامت 18 يوماً، في فترة عاصفة من حياة سورية والمنطقة، وقد وصفت صحيفة “النصر” المستقلة تلك الحالة بما يلي:
طالبت جميع كتل المجلس وأصرت على أن يتحمل “حزب الشعب” مسؤولياته، ويشكل حكومة برئاسة أحد أركانه: (رشدي الكيخيا، أو القدسي، الدواليبي).
رفعت قيادة “حزب الشعب” إلى رئيس الجمهورية قائمة من 18 اسماً “ليس فيها أي من الأركان المذكورين أعلاه” ليكلف واحداً منها بتشكيل الحكومة، فوقع اختياره على زكي الخطيب، الذي سارع إلى الإعتذار، ثم عمد الرئيس الأتاسي إلى تكليف الدواليبي، متجاوزاً القائمة المرفوعة من “حزب الشعب”.
بذل معروف الدواليبي جهوداً حثيثة لإقناع الكيخيا، والقدسي، والشيشكلي لحلحة الأمور، وتسهيل مهمته ساعده في ذلك مصطفى السباعي وأكرم الحوراني وآخرون من قادة الأحزاب الميثاقية، لكن ذك كله لم يؤد إلى نتيجة فاضطر الدواليبي للاعتذار.
بعد ذلك قام الرئيس هاشم الأتاسي بتكليف “سعيد حيدر” فلم تأخذ الكتل البرلمانية ذلك على محمل الجد، وتم تكليف “عبد الباقي نظام الدين” الذي لم يكن حظه بأفضل من حظوظ سابقيه.
بعد تفاقم الأزمة عاد الرئيس الأتاسي بشكل مفاجئ إلى تكليف الدواليبي، فشكل الأخير وزارة يمكن أن توصف بوزارة التحدي، واقتصرت على وزراء من “حزب الشعب” والكتلة الإسلامية وبعض المستقلين.







المراجع والهوامش:
(1). حلو (عدنان بدر)، سورية في الخمسينيات، صـ 189
(2). حلو (عدنان بدر)، سورية في الخمسينيات، صـ 190
(3). الحكيم (حسن)، مذكراتي، الجزء الثاني، صـ 55-57
بيان الخارجية السورية حول التدخل العراقي في الشأن الداخلي عام 1956م
بيان الكتلة الوطنية في سورية حول التنظيم الوطني عام 1935