وثائق سوريا
بيان الكتلة الوطنية بمناسبة حفل تأبين إبراهيم هنانو بدمشق
بيان الكتلة الوطنية بمناسبة ذكرى الأربعين لوفاة الزعيم إبراهيم هنانو
النص:
(لقد ودعنا في هذا اليوم الحزن والبكاء على الزعيم الخالد إبراهيم هنانو، وإننا لنشرح عهد النضال، وخطة الكفاح في سبيل الوطن منذ الساعة.
لقد كان كفاحنا في الماضي من غير نظام، ومع هذا فقد ضاقوا ذرعاً بما اتيناه، وبما قامت به البلاد من أعمال.
أما اليوم فكفاحنا سيكون بأهبة ونظام وغايتنا أن نقاوم جميع الأساليب البالية، وإن يروا مصير السياسة الحاضرة.
عندما التحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، ارتد فريق من العرب عن الإسلام، ومنعوا الزكاة، فعول الخليفة الأول أبو بكر الصديق على أن يقاتلهم فقيل له في ذلك فقال: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤودنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحاربتهم عليه.
ونحن نقول اليوم، ونعاهد الله ونعاهدكم وبأنهم لو منعوا البلاد – عقالاً- من حقوقها لما سكتنا عليه.
ليست الكتلة الوطنية حزباً ولا فرقة، وإنما هي الأمة ممثلة في أمانيها وآمالها ومستعدة في يقظتها ورجائها ولذلك فهي تفتح صدرها لكل مخلص.
فعلى من يود أن يشترك في الجهاد الوطني، وأن يقوم بمواجبه نحو البلاد ولا يقعد مع الخوالف، وأن يتقدم للانتظام في سلكها والانتماء إليها، وأن ما شاهدناه من إقبال الأمة على التنظيم خير برهان على مبلغ ما سندركه من قسط في النجاح وافر.
وها أنكم تسمعون الآن البيان الذي تذيعه الكتلة الوطنية متضمناً ميثاقها، وشارحاً موقف البلاد بالتفصيل من هذه السلطة القائمة، وهذا البيان هو الذي أعددناه في مؤتمر حلب، يتلوه عليكم الأخ فائز بك الخوري.
عندما انفصلت الأقطار العربية عن الدولة العثمانية وقررت جمعية الأمم اعتبار هذه الأقطار صالحة للاستقلال وفرضت على بعضها الانتداب لأجل تهيئتها للاستقلال التام في أقصر مهلة مستطاعة، فاعترفت الدول باستقلال اليمن والحجاز ناجزاً، وتأجل الاتراف بذلك لدولتي العراق وسوريا.
ولم تمضى عشر سنوات على هذا الانتداب، حتى أعلنت بريطانيا إلغاء انتدابها عن العراق، وعقدت معها معاهدة تحالف اعترفت لها بالاستقلال، ووافقت جمعية الأمم على هذا التدبير العادل، وأصبحت العراق عضواً مستقلاً في تلك الجمعية، وبقيت سوريا وحدها من بين الأقطار العربية محرومة من حق الحياة الحرة، ومنكوبة بالتجزئة المهلكة، والتي فرضتها عليها مطامع الاستعمار الدولي والصهيوني، بتفكيك أوصالها وتفريق ديارها إلى دويلات ولا حول لها ولا طول، في حين أن هذا القطر السوري المظلوم أولى هذه الأقطار بالاستقلال، وأقواها استعداداً للنهوض والارتقاء.
عندما رأت فرنسا أن الأقاليم الأخرى العربية سبقت سوريا، الموضوع شطرها الأكبر تحت انتدابها إلى الاستقلال، حسبت أن تأخر الإقليم السوري بهذا السير ولا يأتلف مع مكانتها الدولية، ولا يماشي دعواها في إنشاء الحريات، ونصرة الشعوب الضعيفة، ولا يؤمن معه ما قد ينجم من عواقب الاستياء العام للمرة الأولى بلسان ممثلها المسيو هنري دي جوفنيل في سنة 1926م، وبتصريحات خلفه المسيو بونسو، حين دعا الأمة لانتخاب مجلس يتولى وضع الدستور، وأغلق هذا المجلس بلسان وزير خارجيتها سنة 1931،ان السوري اكتسب بتدريبها درجة من الرقي تخوله حق الاستقلال، فهي عازمة على إلغاء الانتداب الذي اعترفت بلسان مثلها ان البلاد السورية لم تقبل بها، وعقد معاهدة تحالف مع سوريا على مثال ما جرى بين بريطانيا والعراق.
ثم تقدمت إلى البرلمان السوري بمشروع معاهدة لم تسمح له المصلحة الوطنية بقبولها حين وجدها غلاً ثقيلاً يراد بها إرهاب البلاد، وتوثيق حبائل الاستعمار والاستعباد وليس من العدل بشيئ أن تكون الحقوق التي تنالها سوريا في معاهدتها مع فرنسا أقل من الحقوق التي نالتها البلاد في معاهدتها مع بريطانيا.
وعلى أثر رد مشروع المعاهدة في البرلمان السوري، غضب المفوض السامي وحمل حكومة باريس على الاشتراك معه بالغضب، فأطلقت يده بأعمال العنف والشدة، فعطل الحياة النيابية، وشل أحكام ذلك الدستور الذي أصدرته وخذلان أساليبه في جميع الساحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد أصبح ما منيت به الأمة من الفقر والهجرة ، وفوضى التشريع، وانتشار الاستياء بين جميع طبقات الشعب دليلاً صارخاً على وجوب العدول عن هذا النظام، واختيار طريق آخر يأتلف مع أماني الأمة ويضمن حاجاتها الحيوية وحقوقها الصريحة.
صبرنا طويلاً على هذه الأوضاع الشاذة، وأغدقنا الاحتجاجات والاعتراضات وأسدينا النصائح، واقترحنا الأساليب الناجحة للخروج من هذه المآزق المهلكة، فأنقضت الأيام والشهور والسنون بدون أن نلقى آذاناً صاغية أو قلوباً واعية، لا في باريس ولا في جنيف ومازالت بلادنا تسير من سيئ إلى اسوأ، حتى عيل الصبر، وضاع التجلد، وخابت الآمال، واستولى اليأس القاتل على النفوس البريئة والضيق الخانق على الصدور الرحبة.
أمام هذه الأزمة الرازحة، وأمام هذا المأزق المخيف الذي زجت به البلاد، ترى الكتلة الوطنية من واجبها ان تضاعف جهودها الرامية لتحقيق أهدافها النبيلة المدمجة في ميثاقها الوطني، وهو :
أولاً- تحرير البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية من كل سلطة أجنبية، وإيصالها إلى الاستقلال التام والسيادة الكاملة، وجمع أراضيها المجزأة في دولة واحدة ذات حكومة واحدة.
ثانياً- رفض وعد بلفور ومقاومة الوطن القومي الصهيوني.
ثالثاً- تأليف المساعي مع العمل القائم في الأقطار العربية الأخرى، لتأمين الاتحاد بين هذه الأقطار، وعلى أن لا يحول هذا السعي دون الأهداف الواجب بلوغها في كل قطر.
رابعاً- تأمين الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد الشعب كافة على اختلاف طوائفه، ورفع مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ونشر الثقافة، وتنمية الأخلاق القومية بين جميع الطبقات.
خامساً- اعتبار الأمة جمعاء بكل ما لديها من قوى مادية ومعنوية وقفاً على هذا الجهاد الوطني حتى تبلغ أهدافها.
سادساً- يتحتم جمع قوى الأمة وتوجيه جهودها لتحقيق الآمال القومية، ولذلك تعتبر الكتلة الوطنية تأليف الأحزاب السياسية في هذه الآونة مخالفاً لوحدة الجهود.
سابعاً- اعتبار هذه المبادئ جوهرية في حياة الأمة وكيانها وكل مخالفة لها تسقط صاحبها من حق الانتساب إليها.
إزاء هذه السياسة المنذرة بالويل المستطير ترى الكتلة الوطنية أنه قد حان الوقت لتعلن للملأ أنه قد فشلت نهائياً جميع الذرائع التي بذلتها باخلاص في السبع عشرة سنة الماضية، عملاً بتوصيات جمعية الأمم في سبيل التفاهم النزبه، والتعاون العادل، وكما أبت في الماضي تأبى في الآتي الاشتراك بأية معارضة سياسية لا تكون قاعدتها تحقيق هذا الميثاق الذي تصونه بالحزم والاخلاص بدون هوادة ولا وهن.
وهي تدعو الأمة السورية جمعاء، بغير تفريق في النزعات، إلى الاتحاد والانضمام حول هذه المبادئ، ومؤازرة صريحة للوصول إلى هذه الأهداف الحقة، وتعتمد في تلبية هذه الدعوة على ما عهدته بالشعب السوري النبيل من اباء النفس، وصلابة العقيدة، وصحة الإيمان، والإسراع إلى النجدة في المواقف الحرجة، والمآزق الضيقة.
وهذه الكتلة التي تعتمد القوة من ثقة الأمة، ودماء شهدائها وروح فقيدها الغالي الزعيم هنانو، وفي الحق الصريح في دعواها، وهي باقية على عزمها في الثبات والتضامن في هذا المضمار إلى نهايته، فلا تتخلى عن الكفاح الشريف في ساحة الجهاد الوطني، وإلى أن تتكلل جهودها بالنجاح، وتبلغ غايتها الحقة، وهي راسخة الأمل بأن الأمة تلبي نداءها وتسرع إلى توحيد القوى، والالتفاف حول هذه الغاية المثلى، وتلبية الدعوة إلى نصرة الحق.





المراجع والهوامش:
(1). الكيالي (عبد الرحمن)، المراحل، الجزء الثالث، صـ 280 - 282
بيان نعي الزعيم إبراهيم هنانو الصادر عن الكتلة الوطنية بدمشق
حفل تأبين إبراهيم هنانو في دمشق