عام
زيد الخير: شوارع دمشق عام 1908م
زيد الخير: شوارع دمشق عام 1908م
بدأ تسليط الضوء على الطرق وأهميتها في المدن منذ عام 1908 عندما بدأ العمل في السكة الحديدية والترام في دمشق، حينها كتبُ مقال في صحيفة المقتبس بتوقيع “زيد الخير” والذي يُعتقد أنه “محمد كرد علي” بعنوان :”شوارع دمشق”.
هذا نصه:
شوارع دمشق
لا يخفى أن طرق دمشق وشوارعها طبقة معوجة مثل أكثر المدن القديمة، وكانت قبل 30 و 40 سنة وافية بالمرام كافية لاحتياجات السكان متناسبة مع حالتهم الاجتماعية ولم تكن إذ ذاك عربات ولا كارات ولا طنابر ولا سكك حديدية، ولا هذه الحركة التي نشاهدها الآن في التجارة والنقليات براً وبحراً ولا ولا كان الناس راضين عنها ولا يرون لزوماً لتوسيعها لعدم الضرورة الداعية.
أما الآن وقد أضحت دمشق مركزاً للخطوط الحديدية ولاسميا الخط الحجازي وتضاعف عدد سكانها وزادت صادراتها ووارداتها وكثرت فيها عجلات الركوب والنقل وجرى الترامواي الكهربائي في أرجائها فضلاً عن زيادة عدد الدواب التي تنقل الحبوب والتبن والفحم والحطب والخشب والقنب والكلس والحجارة الخ الخ، مما لا تزال الشوارع غاصة به على الدوام فقد أصبحت هذه الشوارع دون احتياج المدينة بمراحل.
وصار السير بها نوعاً من الملاكمة والمضاربة بل قطعة من العذاب هذا إذا سلم المار من عربة لوكميون أو طمبر يلطمه أو حمل حطب أو خشب يشجه أو قطار من حمير الطحانة والحجارة يداهمه أو الترامواي يفاجئه فلا يدري إلى أين يحييد عنه إذا ليس لهذه الشوارع أرصفة واسعة يسير عليها الناس كما هي الحال في البلاد الراقية بل يسير الناس والدواب والعربات والترامواي والأحمال والاثقال معاً جنباً لجنب في تلك الشوارع الضيقة وما كان لها منها أرصفة تكون مشغولة على ضيقها دائماً ببسطات الباعة.
وفي الجملة فإن الناس كافة يشكون لأنها والحق يقال أضحت في حالة لا تتناسب بينها وبين حالة مدينتنا الحاضرة، ولا تظن بأنه يوجد أحد لا يشعر بمسيس الحاجة والضرورة إلى توسيعها إلا أن يكون عديم الشعور فاقد الإحساس.
وعليه فقد صار توسيع الطرق وعمل أرصفة واسعة بمشى عليها الناس مما لا بد منه ولا غنى عنه دفعاً للضرورة وحباً براحة الأهالي وزيادة عمران المدينة.
ولرب قائل يقول أنى لنا هذا، والبلدية قد كتب على صندوقها حمداً لمن منّ عَلَى الأكياس.. بهية الفراغ والأفلاس.
فالجواب إن هذا يكون تدريجياً لأن عمله دفعة واحدة متعذر بل مستحيل وذلك أولاً بأن تنظم خارطة عمومية للبلدة يعين فيها اتساع الطرق وخطوط استقامتها بمعرفة مهندسين بارعين وتصدق من مجلس إدارة الولاية وتنشر بين الأهالي ليعلم كل واحد من أصحاب الأملاك ماله وما عليه، ويلزموا الزاماً قطعياً بالعمل بموجبها وتطبيق انشاأتهم عليها كلما حدث هدم وبناء بدون مراعاة خاطر أو قبول شفاعة كما هي العادة المتبعة، وثانياً أن تخصص الأعانة اللحمية التي تبلغ نحو ستة آلاف ليرة في السنة لهذا التوسع خاصة فتصرف كل سنة على توسيع قسم من شارع مهم وعلى استملاك ما يلزم استملاكه زيادة على الربع (الذي هو حق البلدية)، من الأبنية التي تهدم وتقطع على موجب الخارطة، فإذن استمر الحال على هذا المنوال أعني تطبيق الهدم والبناء على الخارطة من جهة واتفاق الأعانة اللحمية على توسيع قسم من شارع من جهة أخرى لا يمضى زمن إلا ونشاهد الشوارع والطرق والأزقة أخذت تتسع شيئاً فشيئاً.
وقد يعترض بعض الأغرار على تنظيم الخارطة بأنه يحتاج لمال كثير وعلى التوسع على الصورة المشروحة كما ذكر بأنه عمل بطيئ فنجيب عن الأول بأنه نعم يحتاج لمبلغ لا يقل عن 500 ليرة لكن هذا المبلغ لا يذكر البتة بجانب المنافع والفوائد التي تستفيدها البلدة من هذه الخارطة بل من المستحيل أن تتسع أزقتها وشوارعها ويقوم عوجاجها وتتناسق أبنيتها بدون هذه الخارطة وعن الثاني أنه هو السبيل الذي قرره النظام وجرت عليه المدن الراقية في توسيع طرقها ويوجد طريق ثالث وهو أن تظفر البلدية بمعدن ذهبي تبتاع به أملاك الأهالي وتوسع الشوارع دفعة واحدة.
والحاصل إننا إذا شرعنا بالعمل نؤمل أن نصل إلى الغاية في وقت ما لكن إذا ظللنا وقوفاً في مكاننا نعتذر بكيت وزيت فسنبقى على ما نحن عليه إلى ما شاء الله.
أما الإعانة اللحمية التي أشرنا إليها آنفاً فهي ضريبة وضعت على اللحم أيام الحرب الروسية العثمانية لتنفق على عيال الرديف، ولما وضعت الحرب أوزارها حولوها لرصف الشوارع بالحجارة السوداء ثم لإعمال الجامع الأموي، ولما انتهى الجامع ظلت البلدية تتقاضاها وهي باقية إلى يومنا هذا فتصرفها الآن في توسيع شوارع البلدة هو خير عمل في رأينا أن يوافقنا أهل الرأي على ذلك
والله الموفق
زيد الخير







المراجع والهوامش:
(1). صحيفة المقتبس - دمشق العدد الصادر في 19 كانون الأول عام 1908م
مدرسة أبي الحسن في سلمية
بطاقة حضور مسرحية "المطاردة" – الرقة 1978م