وثائق سوريا
بيان أمين رويحة حول بيان الأحزاب المؤتلفة عام 1950م
بيان المجاهد أمين رويحة حول بيان الأحزاب المؤتلفة عام 1950م
نص البيان:
منذ أخذت على عاتقي أن أعمل في حقل السياسة القومية وضعت نصب عيني مبدأ عدم الانتماء إلى حزب من الأحزاب أو فئة من الفئات، كما جعلت هدف أهدافي في أن أعمل بوحي من ضميري فأؤيد وأساند وأعاضد كل ما اعتقد أنه في خدمة مصلحة الوطن والأمة دون أن أقيم وزناً للخصومات أو الصداقات الشخصية التي تتنافى مع الغرض الأول والأخير وهو المصلحة العامة.
وعلى هذا فقد يستغرب البعض توقيعي البيان الذي صدر عن الأحزاب المؤتلفة في الوقت الذي لا يخفى فيه أن الصلات الشخصية بيني وبين بعض موقعي البيان أبعد ما تكون عن الصداقة.
ولم يغرب عن بالي – وأنا أوقع ذلك البيان – أن هذا التوقيع سيجعلني عرضة لحملة من الاتهامات والانتقادات لأننا في سوريا درجنا – مع الأسف- على رمي المخالفين للسياسة بشتى الاتهامات ومع علمي بهذا كله فقد وقعت عمداً على البيان ليقيني بأن مصلحة بلادي العليا تقتضي ذلك.
وها أنذا أضع بين يدي المواطنين بياني هذا لا أبغي من وائه إلا وجه الحق وفي نفس الوقت الذي اعتره فيه توضيحاً لبيان الأحزاب المؤتلفة.
عندما وقع انقلاب حسني الزعيم كنت على الحدود الفلسطينية- خارج سوريا- وقد وصلت دمشق ثالث يوم الانقلاب وبقيت طيلة حكم حسني الزعيم من المعارضين له ولما أعقب الانقلاب من تصرفات لأنني اعتقد أن كل الحلول القسرية التي تفرض على الشعب بالقوة لا تؤدي إلى الخير كما أنني كنت على قناعة تامة بأنني لا أقبل لهذا الوطن الذي دفع ثمن استقلاله وحريته غالياً أن يحكم حكماً ديكتاتورياً بأي حال من الأحوال.
ولم يغير وجهة نظري هذه اقصائي عن سوريا أولاً ثم ترضيتي وعرض المناصب الكبرى علي ثانياً. ولما جرى انقلاب سامي الحناوي استشرت مع المستبشرين خيراً لأنني اعتقد بأن هذا الانقلاب إنما هو إصلاح لخطيئة الإنقلاب الأول من جهة وأنه سينقل البلاد من الوضع الشاد الذي كانت عليه أيام حكم الزعيم إلى وضع استقراري تستأنف معه سوريا حياتها الإنشائية.
والمعلوم ان دولة السيد رشدي الكيخيا- رئيس الجمعية التأسيسية حالياً كان وزيراً للداخلية في عهد الحكومة التي تشكلت عقب إنقلاب سامي الحناوي مباشرة، وأنا كنت وما أزال أحب دولة الكيخيا واحترم أخلاقه وتهذيبه.
أقول هذا صراحة دون رغبة أو رهبة وأضيف عليه أنني كنت من الذين تعاونوا مع دولة الكيخيا وجماعته في الحقل السياسي.. بحيث كنت اعتبر نفسي واحداً منهم ولو أنني لم انتسب رسمياً إلى حزبهم المعروف بحزب الشعب.
وعلى هذا فقد شرفني دولة الكيخيا بعد استلامه مهمام وزارة الداخلية – بزيارة في منزلي وأخذ يستعرض معي مختلف الحلول الممكنة التي تعيد للبلاد استقرارها ووضعها الشرعي.
وقد لاحظت آنذاك أن رغبته كانت متجهة نحو إدارة المجلس النيابي السابق، وذلك لإعطاء الحكومة الصفة الشرعية، كما أنه كان يرغب بإجراء استفتاء جديد لتبديل ما يرى الشعب أنه بحاجة للتبديل من الأوضاع الحكومية والمناصب الكبرى وما شاكل ذلك.
وإنني اعترف أنني كنت آنذاك من القائلين بعدم دعوة المجلس النيابي القديم بل بإجراء انتخابات جديدة لمجلس نيابي جديد. ولكن هذه المباحثات جميعاً لم تثمر لأن السياسة الداخلية في سوريا أخذت تتوارى خلف الأهداف السياسية الخارجية إذ برز لنا مشروع الاتحاد مع العراق بشكل جدي وفعلي بحيث طغى على جميع الموضوعات الأخرى بالحزب الوطني نشر بيانه المعروف عن تبنيه مشروع الاتحاد مع العراق وحزب الشعب وأقطابه الحاكمون- أخذوا يعملون صراحة لتحقيق ذاك المشروع.
ويشهد الله أنني من أكثر الناس محبة للشعب العراقي النبيل لأني التجأت إلى العراق عدة سنين فغمروني أخواني العراقيون بلطفهم وحسن وفادتهم – وأخلاقهم مما جعلني مديناً لهم طيلة حياتي. بالإضافة إلى هذا فإنا ممن طالبوا وما زالوا يطالبون بالوحدة العربية الشاملة وبالدمع والدماء والآلام ولكن هذا كله لم يمنعني من معارضة مشروع الاتحاد السوري – العراقي ومحاربته بكل ما أوتيت من قوة لاعتقادي الأكيد بأن هذا المشروع والعراق على حالته الراهنة – مشروع استعماري أرى من ورائه شبح الإنكليز المخيف الذي يريد أن ينقض على استقلال سوريا ليزيله من عالم الوجود.
على أن معارضتي لمشروع الاتحاد هذا خلقت شيئاً من التباعد بيني وبين أصدقائي في الحزبين (الحزب الوطني وحزب الشعب) ومع ذلك فقد بذلت جهدي في سبيل عدم ترك المجال لاستفجال هذا التباعد بما أمكنني من القوة رغبة في دعم الصداقات.
وعندما صدر مرسوم سامي الحناوي القاضي بإجراء انتخابات الجمعية التأسيسية عارضت الفكرة معارضة قوية وطلبت من سامي الحناوي نفسه ومن القائمين على الأمر أن تكون الدعوة لمجلس نيابي ينتقل بالبلاد إلى وضع الاستقرار فوراً وليس إلى جمعية تأسيسية قد تكون سبباً في إبعاد الاستقرار وزيادة اختلاف الآراء ولكن مساعي لم يكتب لها النجاح فأجريت الانتخابات لجمعية تأسيسية بمقاطعة بعض الأحزاب وكثير من الشخصيات السياسية المعروفة في البلاد.
ثم أنصرفت جهدي للعمل على استعجال أمد الجمعية التأسيسية حتى لا يكون أكثر من بضعة أسابيع تنجز خلالها دستوراً يترك القول الفصل فيه للشعب السوري أما بطريق الاستفتاء أو بطريق انتخاب مجلس نيابي يمثل جميع عناصر الأمة.
وإذا بي أجد الواقع يخيب آملي أيضاً فيمتد أمد وضع الدستور عدة أشهر تتطاحن خلالها الأحزاب والهيئات السياسية ويزداد الانحلال الإداري وتفقد سوريا سمعتها الطيبة ويعرض استقلالها للتهديد وقد هالني هذا الأمر وأنا المواطن المخلص لبلادي وأمتي فأخذت ابذل جهدي للتوفيق بين الأحزاب والسلطات الأخرى القائمة في سوريا للوصول إلى تفاهم يرضي الجميع ويكون في صالح الوطن – والمصلحة العامة بالتساوي في قيم الأحزاب.
وعلى هذا اقترحت على الأحزاب طرح الأنانية الحزبية والأساليب الجهرية واسغلال الظروف الذي يتبعونة بفرض حل علي البلاد لا يكون للشعب السوري رأي فيه.
وخلصت من ذلك إلى اقتراح عملي يتلخص بحل الجمعية التأسيسية بعد انجازها للدستور واجراء انتخابات جديدة تتفق الأحزاب على كيفية اجرائها وينبثق عنها مجلس نيابي يمارس حقه في انتخاب رئيس الجمهورية وتطبيق الدستور أو تعديله بحسب مقتضيات البلاد. وسواء كان الوضع الحاضر غير شرعي أو شرعي فهما لاجدال فيه أن سوريا اجتازت خلال الانقلابات أدواراً غير طبيعية مما يحتم على المسؤولين الرجوع إلى الشعب نفسه يسألونه عن الطريق التي يريد السير فيها لأن القضية قضية تقرير مصير والشعب أحق من الأفراد بأن يقرر مصيره كما يريد.
وكدت أوفق هذه المرة بالتأليف بين الأحزاب على هذا المنهاج لولا أنني اصطدمت بمقاومة أقطاب حزب الشعب الذين تحدثت إليهم وقد عارضوا كل حل لا يكون مبنياً على أساس إعطاء الجمعية حق انتخاب رئيس الجمهورية أولاً والإنقلاب إلى مجلس نيابي ثانياً.
وفي هذه الأثناء كانت الأحزاب تأتلف لتشكل جبهة وقد أعدت بيانها الذي نشر مؤخراً في الصحف ولكنها أجلت نشره آنذاك بناء على رجائي ووساطتي آملاً بالحصول على اتفاق بين الأحزاب ولما كان ما يتمسك به حزب الشعب من الحلول لا يمثل باعتقادي رغبة الشعب ولا يرضي الحق ولا يؤمن لسوريا استقرارها الحقيقي المنشود ولا يكون مدعاة للاطمئنان على كرامتها واستقلالها خاصة وأن أقطاب حزب الشعب يعترفون بأن الجمعية التأسيسية فعلاً لا تمثل عناصر وأحزاب الشعب السوري تمثيلاً حقيقياً، أقول بالرغم من كل هذا فقد ظل أقطاب حزب الشعب يعملون جهدهم لمنح هذه الجمعية القدرة على انتخاب رئيس الجمهورية وعلى قلبها إلى مجلس نيابي وهي بهذا العمل تمنح نفسها التصرف بحقين لا يمكن لمن يمثل الشعب السوري تمثيلاً تاماً أن يحققهما أو يدعيهما.
ولكن الحقوقيين في حزب الشعب لم يقفوا عند هذا الحد بل زعموا أن حل الجمعية دون رأيها يعتبر انقلاباً يقره التشريع فتجاه هذه المناقضات كلها والفشل في التوفيق بين الأحزاب لم يسعني إلا الموافقة على ما جاء ببيان الأحزاب المؤتلفة ذلك لأني على يقين من أن بيان الأحزاب المؤتلفة أسلم السبل وأحسنها للعود بالبلاد إلى وضع استقراري شرعي كما أن استفتاء الشعب يعطي لكل ذي حق ولا يعني توقيعي على البيان انتمائي إلى أي حزب أو مخاصمتي لأي حزب أيضاً وإنما هو موقف فرضته علي المصلحة العليا للوطن.
وقد ورد في بض الصحف اسمي مقروناً بلقب نقيب الأطباء تارة وعضو في الحزب الجمهوري تارة أخرى في الوقت الذي وقعت فيه البيان بصفتي الشخصية وباسمي المجرد من كل لقب.
وليكن المواطنون الكرام على يقين من أن هدفي الأول لم يتبدل وهو جمع كلمة الوطنيين والتأليف بين الأحزاب والعاملين في الحقل السياسي واحلال الوئام محل التنافر.
وإنني أناشد كل وطني مخلص صادق أن يعمل في هذا السبيل حتى ندرأ عن سوريا العزيزة المكاره ونجنبها الأسوأ ونحفظ لها سيادتها وكرامتها واستقلالها، فإن كنت أصبت فحسبي ذلك ترضية عما تحملت من الآلم وتكبدت من مشاق، وإذا فشلت فحسبي إنني عملت جهدي بعيداً عن الأغراض ومترفعاً إلا عن غاية واحدة هي إرضاء ضميري وخدمة وطني وأمتي.
دمشق في 16 آب 1950م
الدكتور أمين رويحة
انظر:
بيان لجنة الأحزاب السورية المؤتلفة عام 1950م




المراجع والهوامش:
(1). صحيفة البلد - دمشق، العدد 1002 الصادر في يوم الجمعة 18 آب 1950م
بيان شخصيات من دير الزور حول بيان الأحزاب المؤتلفة في سورية عام 1950م
اليوميات السورية – 12 تشرين الثاني 1949