
صهيب محمد المقداد- التاريخ السوري المعاصر
أصل جوفية “صاح الصايح” وكيف تحولت الجوفية الشعبية، إلى أنشودة ثورية.. قراءة في قصيدة شعبية.
في أواخر القرن التاسع عشر، كان فارس مدينة بصرى الشام، “سعيد المنصور المقداد” على ظهر فرسه، حين سمع أحد الرعيان ينادي ويصرخ طلبا للفزعة.
كان هذا الراعي يرعى إبله عند “وادي الزعتري” جنوب مدينة بصرى الشام، ليقوم مجموعة من قطاعين الطرق او كما اشتهروا قديما باسم “سطايا” بالاعتداء عليه وسلبه إبله، فقام بالصعود على ظهر تلة عالية وبدأ يطالب بالفزعة.
وهنا يقول الشاعر الشعبي واصفا هذه الحادثة:
“صاح الصايح بروس المراقيب”.
والمراقيب: هي التلة العالية، التي صعد الراعي على ظهرها وهو يصيح.
وهنا نرى كيف تحولت القصيدة الشعبية إلى عبارة “صاح الصايح وطب الأسد خوف” تماشيًا مع الثورة عام 2011م.
ثم يكمل الشاعر ابن الصباح صاحب القصيدة في البيت الثاني:
“يا أهل الخيل بالردن يشوحي”
يصف الشاعر الرجل طالب الفزعة، وهو رافعا يديه وكما يقول الحوارنة باللهجة الشعبية “عم يلولح” وهو بذلك يحاول كل جهده أن يسمعه أو يراه أحدهم.
أما في البيت الثالث من القصيد، فيقول الشاعر:
“وين عيال المتهاب المراهيب”
ليقوم الثوار في حوران بتطويع البيت وتحويله إلى:
“وين عيال الي يشفون الغليلا”
وهي صرخة نداء للنخوة والفزعة والكرامة والشهامة.
ومن حض الراعي بأن من فزع له لم يكن أي رجل، بل كان “سعيد المنصور” الفارس الشهير الذي له في تاريخ بصرى وحوران صولات وجولات وكأنه كجده المقداد بن عمرو، رجل بألف رجل.
لم ينتظر فارسنا، حتى يطلب مزيدا من الفزعة، ولعلمه تمامًا أن إستعادة الإبل(الطرش) يجب أن يتم باقصى سرعة وإلا أختفى الغازون ومعهم الطرش.
“طرشنا خذوه من السروحي”
والسروح هو المكان الذي ترعى به الإبل، والطرش هي المجموعة من الإبل.
إنطلق الفارس وهو مسرعا نحو الجنوب، ولأن الفرس من الفارس والخيل من خيالها، استطاع ان يدركهم وأن يجرح العديد منهم، وقد وصفت القصيدة ذلك:
فزعنا وفزع معانا سعيد
جرحنا وغمقنا بالجروحي
ولم يفت صاحب القصيدة، أن يوثق لنا مكان الحادثة (نقع نزال) كما وثق مجرياتها، فجاء البيتين الأخيرين فيها، وصفًا لمكان التقاء الفارس مع الغزاة ووصفًا لاستطاعة “سعيد المنصور” بإعادة الطرش.
لحقنا الطرش عانقع نزال
نفكوا من بعد ما يروحي
ولأن كانت الدول الحديثة تتباهى بسرعة إعادة المنهوبات في حال حدوث السرقة، بأقصى سرعة وبنفس اليوم، فنحن اليوم نتباها بخيّالنا وفارسنا الذي أعاد المسلوب لصاحبه، فورًا ودون تأخير.
ونفخر بأن تصبح “صاح الصايح” عنوانا لثورة استصرخ فيها الشعب السوري ضمير العالم، كما استصرخ الراعي لحقه.
وأن لمنطقة بصرى الشام فارسها، كما للثورة السورية فرسانها.
صهيب محمد المقداد.
