التراث الشفهيمحافظة دمشق
البخيل .. من الحكايات الشعبية الشامية
البخيل .. من الحكايات الشعبية الشامية
توثيق الباحث نزار الأسود
كان ياما كان حتى كان، في قديم الزمان رجل بخيل جداً فإذا أراد أن يأكل حاسب نفسه، وقال: كم سأدفع أنا ثمن الأكل؟ وذات يوم قال لأمه: يا أمي زوجيني!
ولما كانت الأم تعرف طبع ابنها، وبخله، فكرت طويلاً.. وأخيراً هداها تفكيرها إلى خطبة فتاة فقيرة سيئة الحظ، مقطوعة من شجرة، ليس لها قريب، ولا نسيب وصار النصيب وتزوج البخيل.
منذ اليوم الأول قال الرجل البخيل لزوجته: انظري.. إن الله تعالى قد خلقني أنا وأنت والفوّال والخّباز.!
قالت الزوجة: والمعنى.. قال الرجل: المعنى واضح، ليس لك حظاً من الدنيا إلا رغيف خبز، وأحياناً صحن مسبحة، أو فول،.
رضيت الزوجة على الرغم منها، فكان يأتيها الفول يوماً، وصحن المسبحة يوماً، ورغيف من الخبز لابد منه.
وذات يوم صعدت زوجة البخيل إلى السطح لتنشر الغسيل، فرأت الجيران يقلون المقالي وسمعت صوت المقلاة! ثم شمت رائحة الباذنجان المقلي.
تساءلت الزوجة ما الخبر؟ ووجدت في نفسها الشجاعة لتسأل الجيران. قال الجيران: بدهشة هذا باذنجان مقلي. قالت الزوجة: أهذا يؤكل؟؟ فقد نسيت طعم الطعام، واسم أنواع الأكل لطول المدة. قال الجيران: نعم، الباذنجان المقلي يؤكل ومن عجب أنك تسألين؟
قصت الزوجة قصتها على جارتها، فقالت لها الجارة “ولو فعلتُ السبعة وذمتها لن أسكت على مثل بخل هذا الزوج”، قالت الزوجة: أجل سوف أفعل ذلك.
خرجت الزوجة من دارها إلى السوق، وأخذت تتمشى وتتلفت يمنة ويسرة حتى شمت رائحة شواء تفوح من دكان لحام، فوقفت وقفة الجائع المشتهي تتأمل اللحم المشوي.
قال الشواء لزوجة البخيل: مالك؟ وقد لفت نظره جمالها ونظراتها الغريبة..
قصت الزوجة قصتها، والشواء يستمع، إلى أن قالت له: خرجت لأفعل السبعة وذمتها، كي أكل ما أريد، وأشتهي، والزوجة لا تعرف معنى ما تقول، لطول ما مكثت بين حدران البيت.
استغفر الشواء ربه، لدى سماعة حديث الزوجة، وقال: أستغفر الله، ثم دعاها إلى دكانه، وقدم لها أطباق الشواء الشهي، فأكلت حتى شبعت، ثم قال لها الشواء: اذهبي إلى بيتك، واتركي باب الدار مفتوحاً.
عند المساء دهن الشواء وجهه بالفحم الأسود، وغير ملابسه، وحمل عصاً غليظة، وذهب ليعلم الزوج البخيل، الجود والكرم.
دخل الشواء دار الزوج البخيل، فرآه في غرفة الجلوس فانهال عليه ضرباً بالعصا. والزوج يصرخ، ويستغيث بأهل الخير والمروءة، ويناشدهم الذمة والضمير أن يوقفوا هذا الشيطان؟؟
وبعد أن تنهنه الزوج من الضرب، سأل عن سبب ضربه، فقال الشواء: “أنا دب المطبخ..! دخلت المطبخ فاشتهيت نفسي أكلة وشربة فلم أجد، اشتهيت أن أشم رائحة طبخ أو نفخ!! ثم تركه ومضى.
في صباح اليوم التالي، سألت الزوجة زوجها عما أصابه أمس فقال لها: لقد جاءني أمس جنى المطبخ، وضربني ثم مضى، يجب أن يشم الجني رائحة لحم عندنا..! وإني لأخشى عودته، ثم نهض متثاقلاً، واشترى كبشاً من السوق، وقال لزوجته: هذا الكبش لا يؤكل، يجب أن نحافظ عليه كتميمة تحميني من غضب الجني، ثم قطع الكبش قطعاً وعلقه في المطبخ، وظل اللحم معلقاً، لا يؤكل حتى فسد وفاحت رائحته النتنة.
تعجب الجيران من هذا الرجل، ومن فعلته، فشكت الزوجة زوجها إلى الشواء، وحكت له ما فعل، فقال لها: انتظري سوف أربيه الليله وأعلمه الكرم.
وفي المساء أخذ الشواء يضرب الزوج ضرباً موجعاً، أكثر من المرة الأولى.. وهو يقول له، بعد كل ضربة، أنا أريد أن أشمّ رائحة أكل فريكة، أبوات، فاصولية!! ثم تركه منهناً من الضرب ومضى.
وفي صباح اليوم التالي، ذهب الزوج إلى سوق الخضر، فأحضر الباذنجان والكوسا.. وإلى اللحام فاشترى اللحم!!
وهكذا كانت الزوجة تطبخ طبخة جديدة، ولذيذة كل يوم، ثم ذهبت إلى الشواء وشكرته على حسن صنيعه معها، وقالت له: (الله يستر عليك كما سترتني).
انظر:
الحكايات الشعبية في الساحل السوري