مقالات
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (1 / 5)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
امتدت من عام 1919 الى عام 1926
بدأت ثورات الشمال السوري بقيادة صبحي بركات (1889- 1940) على الفرنسيين بمعركة “السويدية” في شهر أيار عام 1919 في نفس الوقت الذي هاجم فيه الأتراك القوات الفرنسية في كيليكيا بعد أن احتلنها تلك القوات.
وبالرغم أن قادة تلك الثورة في لواء اسكندرون كانت أصولهم تركية، ولكن أكثر رجالها كانوا عربا أقحاح، وعند توقيع الهدنة بين الأتراك والفرنسيين بتاريخ 30 اّذار 1920، حاول الذين لهم صلات بتركيا خذلان الثوار، وأنهوا الثورة لصالح تركيا وفرنسا..
وتنادى جميع الثوار العرب للتجمع تحت أمرة الشيخ يوسف السعدون وانتظار الأوامر … وكانت الحكومة العربية في دمشق قد أوعزت الى والي حلب “رشيد طليع (1877- 1926) أن يساهم بالعمل على توسيع بؤر الثورات على المحتل الفرنسي، فاستدعى رئيس ديوانه ابراهيم هنانو ( 1869- 1935) وتباحث معه حول أفضل السبل لإشعال الثورات في المنطقة الشمالية والعمل على امتدادها الى أماكن جديدة من البلاد ..
وبدأ هنانو نشاطه بالأتصال بسبعة رجال أشاوس من أبناء بلدته “كفر تخاريم” وهم : محمد علي جمعة، مصطفى أبو درويش، مصطفى عويد، عبد الرحيم الحاج قدور، علي المغربي، صالح الشغوري، الحاد درغام درة.
وبدأت هذه المجوعة عملياتها ضد القوات الفرنسية بنصب الكمائن ومهاجمة دوريات العدو، فكانت النتائج مبهرة، مع العلم أن تسليح الرجال السبعة المذكورين كان ذاتيا وعلى نفقتهم، وخلال فترة زمنية قياسية أصبح عددهم أربعون مجاهدا، شكلوا أنفسهم بأربعة حضائر كل حضيرة تضم عشرة من المجاهدين، ثم انتخبوا منهم لجنة رباعية أخذت على عاتقها المهام التشريعية والقضائية للثورة.. والأعضاء الأربعة لتلك اللجنة هم : عزت هنانو ، إبراهيم الصرما، محمد درويش كيالي، نجيب عويد.
أما ابراهيم هنانو فقد غادر حلب بعد دخول القوات الفرنسية اليها في نهاية شهر تموز عام 1920 الى بلدته كفر تخاريم، حيث التقى نجيب عويد 1870- 1961 وبدأ الاثنان اعداد الخطط وحساب الامكانيات وتهيئة الأجواء الشعبية وتنظيم المتطوعين على أحسن أساليب حرب العصابات.
لكن استخبارات العدو الفرنسي كانت تترصد أخبار الثورة ورجالاتها، فدخلت القوات الفرنسية بلدة كفر تخاريم وجمعت الأهالي. وطلبت منهم تسليم عشرة من ثوارهم وأعطوهم أسماؤهم وعلى رأسهم نجيب عويد، فرفض الأهالي بحجة عدم معرفة مكانهم، فما كان من الفرنسيين الا أن قبضوا على عشرة من الأهالي البسطاء مكان المطلوبين وأنهم سيبقون قيد الاعتقال حتى تسليم الثوار العشرة.
بعد ذلك شكل ابراهيم هنانو حكومة محلية مدنية في بلدة أرمناز برئاسة القائم مقام علي كامل الجمالي يعاونه الرئيس حسن الجسري، ثم دعا الى اجتماع عام في ادلب لجميع وجهاء وأعيان المنطقة الشمالية في منزل قائم مقام ادلب عمر زكي الأفيوني حضره قائد درك ادلب هاشم بك جمال تم فيه الاتفاق على مقاومة الاحتلال الفرنسي ودعم الثورة بكافة الوسائل المتاحة.
وفي هذا الاجتماع تقرر سفر ابراهيم هنانو مع عدد من رجال الثورة وهم: أخوه عقيل هنانو، مرافقه الملازم إبراهيم الشغوري، نجيب عويد، عقيل الإسقاطي، هزاع أيوب.
سافر هنانو ورفاقه الى تركيا في أواخر شهر اّب 1920، حيث عقد عدة اجتماعات مع ممثل الحكومة التركية الجنرال صلاح الدين عادل وتم الاتفاق على حصول الثورة بعضاً من الدعم العسكري التركي على سبيل الهدية، وتم التوقيع على تلك الاتفاقية بتاريخ 6 ايلول 1920، وقفل الوفد السوري عائدا الى سورية حاملا معه مدفعاً جبلياً وخمسة رشاشات و25 صندوق ذخيرة وعدداً مقبولاً من القنابل اليدوية كدفعة أولى.. وبعد وصول هنانو ورفاقه الى مناطق الثورة في الشمال السوري قام بتقسيم مسرح العمليات الحربية الى أربعة مناطق وهي كالتالي :
1- منطقة القصير (في لواء اسكندرون) تحت قيادة الشيخ يوسف السعدون (1888- 1980) وبأمرته 400 من المتطوعين.
2- منطقة كفر تخاريم تحت قيادة المجاهد نجيب عويد ( 1870 – 1961 ) وبأمرته 250 متطوعاً.
3- منطقة جبل الزاوية تحت قيادة المجاهد مصطفى الحاج حسين (1881- 1951)، وبأمرته 200 من المتطوعين.
4- منطقة جبل صهيون تحت قياد المجاهد عمر البيطار (1888- 1948) وبأمرته 150 متطوعاً.
بعد تلك الاجراءات التي قام بها والتي تدل على ذكاء هنانو وحسن اختياره للبطانة التي حولة وخاصة العسكريين منهم، ثم قام بنشر بيان وطني ثوري على الشعب أواسط شهر ايلول 1920 شرح فيه للجميع دوافع الثورة وفيه حض الجميع على العمل على انجاحها، ثم أعلم جميع قناصل الدول الأجنبية عن دوافع الثورة وطلب منهم المساعدة على ايقاف الجرائم الفرنسية في البلاد السورية ..
وبعد عدة أيام من انتشار بيان هنانو، قدم اليه وفداً مسؤولاً مرسلاً من قائد الثورة الساحلية الشيخ صالح العلي برئاسة السيد ” أنيس أبو فرد ” يطلب من هنانو التعاون والتنسيق بين الثورتين، فرحب هنانو بالفكرة وحمله تحياته الى الشيخ المجاهد صالح العلي، وبأن ثوار الشمال ستكون باكورة تعاونهم مع ثورة الساحل السيطرة على بلدة جسر الشغور لتكون جسر استناد رئيسي للثورتين .
تعريف مختصر بالرئيس الأسبق صبحي بركات الخالدي ( 1889 -1940 )
محبة الوطن لايدرك قيمتها بشكل جدي وحقيقي إلا حينما يكون الإنسان بعيدا عن وطنه في ديار الغربة لأي سبب ، ومن يهتم بالشأن العام ويعمل في السياسة لا بد أن يكون وطنيا بامتياز ..يحب الوطن ويحب أهله ويتفانى في خدمة تلك المحبة ، ويضحي بالغالي والنفيس من أجل إعلاء شأن الوطن وتحقيق ما يلزم من تقدم شعب ذلك الوطن …وعند قرائتنا لتاريخ النضال الوطني السوري نجد نماذج من رجال السياسة السوريين فنحب بعضهم لتضحياتهم العظيمة وصدق توجهاتهم الوطنية ولو أختلفنا معهم في كثير من الأمور السياسية وتفاصيلها …وقد تكلم أحدهم مع الوطني الكبير فخري البارودي فسأله عن رأيه في السياسة ، فأجابه بأنها ” كياسة ونجاسة “.
ويحضرني في هذا المقام معلوماتي المتواضعة عن السياسي السوري المعروف ” صبحي بركات الخالدي ” ( 1889- 1940 ) الذي ولد في انطاكية السورية ودرس فيها ، ثم تابع دراسته العالية في الاّستانة ، ثم قصد حلب منذ عام 1917 م ..ولما أعلن عن قيام المملكة السورية سنة 1919 من قبل المؤتمر السوري العام كان صبحي بركات عضوا في المؤتمر ممثلا لمدينة انطاكية ..ولما رفضت فرنسا قيام هذه المملكة ، وأخرجت الملك فيصل من سورية ثار ابراهيم هنانو عليها في الشمال السوري ، وانضم الى الثورة صبحي بركات في الفترة ما بين أيار 1919 وتموز 1920…وهكذا بدأ بركات حياته السياسية وطنيا ثائرا على المحتلين لبلاده ، وهذا ينطبق على السياسة الوطنية الكيسة ( كياسة )..لكن بعد ذلك تدخل معه المدعو ” محمود الشركسي ” ودعاه الى التعرف على القائد الفرنسي الذي احتل دمشق في 24 تموز 1920 ” الجنرال هنري غورو ، وسافر معه الى بيروت حيث التقى الجنرال المتكبر جدا ، وأنهى بذلك قتاله للفرنسيين وأصبح العدو السياسي للمجاهد ابراهيم هنانو ، وهنا بدأت النجاسة في السياسة …
ولسهولة حكم سورية من قبل المحتلين الفرنسيين قاموا بتقسيمها الى ست دويلات هي : دولة دمشق ..دولة حلب ..دولة العلويين ..دولة لبنان الكبير ..دولة جبل الدروز ..دولة لواء اسكندرون المستقل ..وفي العام 1921 أصبح صبحي بركات حاكما لدولة حلب وبقي حتى عام 1922 ، ولما أعلن الجنرال غورو عن قيام الإتحاد السوري بين دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ، تم تعيين بركات رئيسا لهذا الإتحاد وتمتع بصلاحية الرئيس والحكومة ، وشكل بركات الحكومة التي شغل فيها السيد محمد علي العابد وزارة المالية ..
وتذكر المراجع التاريخية أنه في عهده تم احداث قيادة الدرك السوري وتم وضع ملاكه ، وأيضا أصدر صبحي بركات مرسوما بتأسيس الجامعة السورية وذلك بتاريخ 15 حزيران 1923م ، وكانت نواة هذه الجامعة قد تأسست عام 1903 تحت عنوان ” المدرسة الطبية العثمانية ” .، وأيضا تم في عهد بركات اصدار العملة الورقية السورية وذلك في شهر اّب من عام 1922م …وفي العام 1924قامت الوحدة السورية للمرة الثانية بين دولتي دمشق وحلب عن طريق المفوض السامي الفرنسي ” فيغان ” الذي خلف ” غورو ” وتم تعيين صبحي بركات رئيسا لهذه الدولة ولمدة ثلاث سنوات حسب مرسوم إعلان الدولة السورية .ومع اندلاع الثورة السورية الكبرى وامتدادها من جبل الدروز الى دمشق وحماة وجرود بعلبك ومناطق أخرى قدم صبحي بركات استقالته للفرنسيين مضمنا اياها كثيرا من المطالب الوطنية وعلى رأسها إنهاء الإنتداب
وضم حكومة اللاذقية وجبل الدروز للدولة السورية القائمة ..وهنا تنتقل السياسة مرة أخرى من النجاسة الى الكياسة ..! ويقال في ثنايا بعض المراجع أن الذي كتب لبركات كتاب الإستقالة هو الدكتور نجيب الأرمنازي الذي كانت يداه طاهرة . وفي أواخر عام 1931 وأوائل عام 1932 جرت انتخابات عامة في سورية وفاز صبحي بركات عن أحد مقاعد حلب ، ولما عقدت جلسة البرلمان في 7 حزيران سنة 1932 ( كانت دورة استثنائية ) تم انتخاب صبحي بركات رئيسا للمجلس النيابي السوري …في هذا العام كان طالب كلية الطب في بيروت أكرم الحوراني وزميله الطالب الحمصي في كلية الهندسة عبد الباسط البني قد اتفقا على اغتيال رئيس المجلس النيابي السوري لتعاونه الصريح مع حكومة الإنتداب ، وقد حاول البني إطلاق النار على بركات في مدخل فندق ” رويال ببيروت ، ولكن المحاولة فشلت وتم قتل البني ، ونجا أكرم الحوراني بأعجوبة …وفي العام 1933 بدأ بركات بتغيير مواقفه السياسية وأبدى الميل من جديد نحو الكتلة الوطنية ..ولما قامت الأحداث الوطنية والإضراب الستيني في سورية ، سافر صبحي بركات الى انطاكية واعتكف فيها ينتظر نتائج زيارة الوفد السوري الى باريس …ولما تم فصل …