مقالات
عبد الحميد مشلح: حرفة صناعة الحصر في إدلب
عبد الحميد مشلح- التاريخ السوري المعاصر
هي من أعرق وأقدم الصناعات الحرفية في المنطقة الغربية لولاية حلب وخاصة في أقضية (ادلب – حارم – سرمين)، لقربها من مستنقعات الروج والعمق، التي كانت مصدراً للمادة الأساسية لهذه الحرفة وهي القش حيث كان لها أسواق خاصة بها.
وهي الحرفة الوحيدة التي لا يعمل بها الرجال بل كانت خاصة بالنسوة اللواتي كنّ ينسجن الحصر في منازلهنّ حيث تشير الوثائق أن سعر باقة (الكَلْخَة) القش في ادلب عام (1837م) غرشان ونصف.
وما يؤكد انتشار هذه الحرفة وعراقتها وجود أكثر من عائلة في المنطقة وخاصة في ادلب تكنى بالحصر والحصري وحصرية، وهذه الكنى نسبة إلى تاجر الحصر في المنطقة، بل إن الدليل الآخر على عظمة هذه الحرفة وكمية الحصر التي كانت تنتج فيها هو ما يشير إليه مجلس مشورة حلب بجلسته رقم (379) تاريخ (11جمادى الأولى لسنة 1254هـ) التي تقول ورد حافظة الحصر المأخوذة إلى الجامع الكبير بحلب عن يد السيد (خليل قهرمان) من عهدة الحاج (علي آغا) متسلم ادلب بتاريخ العاشر من شوال سنة (1253هـ-1837م) جملة الحصر عددها (267) فقط مائتان وسبعة وستون حصيراً بلغ قيمتها (2700) غرشاً لاغير، وذلك ثمن ثلاثة آلاف ذراع باعتبار ثمن الذراع ست وثلاثون بارة، ومشروح على الحافظة من نائب ادلب (محمد راغب أفندي) وأيضاً مشروح عليها من الشيخ (عبد الرحمن أفندي الموقت) الناظر على الجامع الشريف بوصول الحصر للجامع، كما حرر أعلاه.
ثم تطالعت هذه الحافظة بالمجلس العالي ومحرر بها ألفان وسبعمائة غرش قيمة (267) حصيرة ادلبية احتياج مفروشات الجامع الكبير الأموي بحلب بما فيه أجرة المشال وذلك ثلاثة آلاف ذراع شطرنجي حساباً عن كلّ ذراع ستة وثلاثون فضة (بارة) بناء على قرار المجلس.
إن هذه الحصر المأخوذة للجامع يعطى ثمنها مثل ما هي مشتراة من أصحابها صوناً لصلوات الناس من حصول الكراهة، وليس كل ذراع بستة وعشرين فضة كسائر الحصر المأخوذة للميري فبموجب ذلك يقتضي قبول هذا المبلغ المحرر في الحافظة وهو (2700) غرش على طرف الديوان ضمن المصروفات وقد تحرر هذا الشرح بناء على القرار السابق ليجري العمل بموجبه في (11 جمادى الأولى لسنة 1254هـ).
هذا إن دلّ إنما يدلّ على الكميات الكبيرة المنتجة من الحصر في ادلب كما يدلّ أيضاً على إنتاجية المرأة في هذه المنطقة ورحم الله جدتي (زلّوخ مشلح) وأنا طفل في الصف الثاني الابتدائي عندما سمعتها تنصح وترشد أمي رحمها الله هي الأخرى وهي تقول لها : (بُنيّتي من المعيب على المرأة أن تطلب من زوجها ثمن (الشيلح) أي ثوب المرأة) وهذا الرشد والنصح كافيان لمعرفة واقع المرأة وعملها وإنتاجها في ادلب فكان لكلّ امرأة حصيرة تبيعها يوم (البازار)( ) ومعروف بازار ادلب هو يوم الأربعاء عرف هذا اليوم منذ أوائل الفترة العثمانية وحتى يومنا هذا، وإنّ ثمن هذه الحصيرة غالباً ما كانت المرأة في ادلب تعين به زوجها فتنفقه على نفسها وأولادها، وهذا أروع مثلٍ على التعاون والتعاضد بين أفراد الأسرة.
ومن الأدوات التي استذكرها في صناعة الحصر والتي قد يكون نسيها الكثيرون من أبناء ادلب هي : (الشاقوقة – المسداية – المدادة – الكلابة) وكثيراً ما كانت الفتيات تساعد أمهاتهن بفتل القش لصناعة هذه الحصر.