أحداثمحافظة حلب
حادثة مدرسة المدفعية
حادثة مدرسة المدفعية
جرت حادثة أو مجزرة مدرسة المدفعية في السادس عشر من حزيران عام 1979م، واتهمت الحكومة السورية جماعة الإخوان المسلمين بالضلوع خلف هذه العملية، بينما تبين لاحقاً أن من قام بها هو تنظيم “الطليعة المقاتلة” القريب من جماعة الإخوان المسلمين.
تزامن تنفيذ الحادثة مع بدء زيارة قام بها الرئيس حافظ الأسد إلى بغداد، والتي استمرت حتى التاسع عشر من حزيران عام 1979م.
موقف جماعة الإخوان المسلمين من الحادثة:
نفى الإخوان المسلمون أي علم أو صلة لهم بحادثة مدرسة المدفعية، وأصدروا بياناً في الرابع والعشرين من حزيران عام 1979م، وحمل عنوان: (بيان من الإخوان المسلمين للواقع والتاريخ حول حادثة مدرسة المدفعية بحلب)، جاء فيه:
(إن الإخوان المسلمين فوجئوا كما فوجئ غيرهم بالحملة التي شنها عليهم عدنان دباغ وزير الداخلية السوري متهماً إياهم بالعمالة والخيانة وغير ذلك، ومحملاً إياهم مسئولية أمور هو أكثر الناس دراية أنهم برآء منها، لقد حملهم مسئولية المذبحة التي حدثت في مدرسة المدفعية كما حملهم مسئولية الاغتيالات التي جرت ولا زالت تجري في سوريا).
صورة لتقرير عن حادثة المدفعية نشر في صحيفة الثورة العدد الصادر في 23 حزيران عام 1979م.
وحول تفاصيل الحادثة ننشر عدة شهادات لشخصيات شاركت أو عاصرت الحدث، ومنها:
أولاً: شهادة عدنان سعد الدين المراقب العام للإخوان المسلمين.
ثانياً: شهادة أيمن الشربجي المسؤول عن تنظيم الطليعة المقاتلة في دمشق.
ثالثاً- رواية النظام السوري التي نشرها ضمن كتاب عن الإخوان المسلمين.
شهدة عدنان سعد الدين المراقب العام للإخوان المسلمين:
وكتب عدنان سعد الدين المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية حول حادثة مدرسة المدفعية ما يلي:
(كانت حادثة المدفعية عملاً كارثياً بالنسبة لتنظيم الاخوان المسلمين، لأنها كانت السبب في تعطيل برامج الجماعة، وعرقلة سيرتها الدعوية، فالجماعة قد وضعت لنفسها خطة التزمت بها، وتقيدت ببنودها ومراحلها ووسائلها.
ولم يكن مضى على إقرار الخطة عدة أشهر حتى وقعت حادثة المدفعية، قبل أن نبدأ بتنفيذ بنود الخطة، ولاسيما فيما له صلة بتطوير القوى، وتكوين القيادات، وإعداد الكوادر، فكانت هذه الحادثة كوقع الفأس على الرأس، لأنها جاءت سبباً موجعاً في تعطيل برامج الجماعة على كل الصعد، ولم نكن نعلم عنها، وعن الذين قاموا بها شيئاً، حتى قرأنا تصريحات عدنان عقلة فيما بعد بنسبها إلى نفسه، وإلى رفيقه في نشأتهما بمدينة الرقة: النقيب إبراهيم اليوسف متباهياً في هذا الأمر، ومفاخراً في انجازه وتنفيذه:
1-سارعت الجماعة إلى الإعلان عن عدم علمها بحادثة المدفعية وبمن قام بتنفيذها، لأنها تتعارض مع تفكير الجماعة كما وردت تفصيلاً في الخطة، وكما أكدت الجماعة النأي بنفسها وبأبنائها عن كل صدام أياً كانت حالة الاستفزاز التي درجت عليها مؤسسات السلطة الأمنية وغيرها من المواطنين.
وقد سمعت الشهيد عبد الستار الزعيم رحمه الله أنه حذر من أي عمل في القتل الجماعي يطول مواطنين أبرياء لا ذنب لهم، وهذا مرفوض ومحرم بالإسلام على إطلاقه، لكن عدنان عقلة الذي نسب نفسه إلى مجموعة مروان حديد رحمه الله الذي يزعم أن مروان قد انشأها، وهذا الزعم لا أصل له البتة، فمروان لم ينشئ ما يسمى بالطليعة المقاتلة، ولم يستخدم هذا المصطلح قط، بل إن عدنان عقلة عندما قابلته لأول مرة في إيطاليا بعد خروجه من سورية، وكان من قبل يخون ويكفر كل من يغادر سورية، وسألته متى كانت آخر مرة قابلت بها مروان؟ فأجاب لم ألتق مروان في حياتي، لم آره قط؟).
عقد عدنان عقلة صلته بالنقيب إبراهيم اليوسف الضابط في الجيش السوري بعد أن تم التعارف بينهما في الرقة أو حلب على ما يذكره البعض، و نجم عن هذه الصداقة حادثة المدفعية في الثكنة العسكرية “الراموسة” في حلب.
2- لم نكن نسمع أو سمعنا عن النقيب إبراهيم اليوسف قبل حادثة المدفعية، فهو لم يكن من الإخوان قط، بل كان بعثياً منذ فترة طويلة، حتى بلغ درجة العضو العامل في الحزب، وعضوية التنظيم العسكري في الجيش.
تساءل كثيرون عن الدوافع الحقيقية لهذا العمل الجرئ والفظيع في مدرسة المدفعية، وذهب ضحاياها العشرات كما قال البيان الرسمي لحكومة الأقلية، فالبعض يذكر أن ما رأه النقيب إبراهيم اليوسف من تحيز طائفي، وملء كوادر الجيش بأبناء الطائفة العلوية، وإن لم يكونوا من ذوي الكفاءة، وإقصاء أبناء الأكثرية السنية، وأبناء الطوائف الأخرى، هو الذي آثار حفيظه وسخطته، وشحنه بالحقد على هذه الفئة الباغية المتسلطة التي كشرت عن أنيابها، وكشفت عن أهدافها بتحويل الجيش السوري من مؤسسة وطنية إلى كتلة طائفية، فأقامت أكبر دورة لسلاح المدفعية شملت حوالي 300 طالب ضابط مدفعي، كان العلويون يشكلون أكثر من 90% منها، وحوالي 10% من أبناء الأكثرية، ومن أبناء الطوائف الأخرى كالمسيحيين والدروز والإسماعيليين، بل إن البعض قد عدد العلويين في الدورة بـ 285 وعدد الآخرين 15، لتكون نسبة الجميع ونسبة العلويين 95% ليكون سلاح المدفعية وقفاً على العلويين، بالإضافة إلى ما شكله الطائفيون، وعلى التحديد والتحري بعض الطائفيين من مليشيات يغلب عليها الطابع الطائفي، مثل سرايا الدفاع، وسرايا الصراع والوحدات الخاصة والحرس الجمهوري.. الخ.
وجد النقيب إبراهيم اليوسف في عدنان عقلة تجاوباً للقيام بتوجيه ضربة قاتلة وفاضحة في هذا التمييز الطائفي المنتن.
كان النقيب إبراهيم هو الضابط المناوب والقائم بإدارة التوجيه المعنوي – السياسي للطلبة من دورة سلاح المدفعية، فاتفق مع عدنان عقلة الذي قدم له عدداً من الذين وافقوه على تنفيذ العملية، وهيأ لذلك كل أسبابها، حيث أدخل مجموعة التنفيذ بسيارة مغطاة لم ير الحرس أحد منهم، وأوكل إليهم العمل التنفيذي مفصلاً، فبدأوا باعتقال الحرس وإبعادهم، وتعطيل غرفة الاتصالات السلكية واللاسلكية، ثم دعا طلاب الدورة إلى اجتماع طارئ وسريع في قاعة المحاضرات، باعتباره ضابط الأمن الذي يمثل السلطة الحزبية، يحضره قائد اللواء ليلقي بهم كلمة مهمة، فتسارع الضباط إلى القاعة، فالتف المنفذون حول القاعة، وأخذ كل واحد منهم موقعه خلف إحدى النوافذ، وشرعوا في إطلاق النار من الرشاشات وإلقاء القنابل اليدوية، حتى قتل أكثر من في القاعة، فغادرت المجموعة المنفذة الثكنة، فكان هذا الحادث كارثة مؤلمة للسلطة الحاكمة، وللطائفيين الطغاة المتسلطين على رقاب المواطنين.
3- لم تعلم السلطات بحادثة المدفعية إلا بعد ساعتين من وقوعها فجن جنونها، وشرعت بإصدار البيانات التي بدا التخبط في كلماتها، فالحادثة وقعت في 16 – 6- 1979، وكان ضحاياها كما جاء قبل قليل من العلويين، فشكل هذا الحادث فضيحة للطائفيين المتسلطين على الحكم، أراد المسؤولون في السلطة الباغية أن يستروا هذه الفضيحة، فأعلن وزير الإعلام: أحمد إسكندر أحمد أن الضحايا من كل الطوائف، وأن بينهم ضحايا مسلمين ومسيحيين، ثم اتهم الوزير الإخوان المسلمين في 22 – 6 -1979 بحادث المدفعية ، وفي تنفيذ الإغتيالات دون أن يكون لديه دليل واحد على اتهامه، أما الإخوان المسلمون فقد سارعوا إلى شجب الحادثة، مؤكدين عدم علمهم بها وبمن نفذها، وبالرغم من مكابرة السلطة وإصرارها على اتهام الإخوان، فإن عدنان عقلة بعد فترة قصيرة، نسب حادثة المدفعية إلى نفسه، وافتخر بتنفيذها مع النقيب إبراهيم اليوسف.
لم يكتف الإخوان بشجب الحادثة وبالتأكيد على عدم صلتهم من قريب أو بعيد بها، بل نشروا ذلك لما يملكونه من وسائل النشر، بل تحدى بيان صادر عن الجماعة أن تثبت أي جهة في العالم بتحقيق حيادي نزيه أن تكون قيادتهم أو عناصرهم قد مارست مثل هذا العمل وأشباهه طيلة عمرها المديد، ثم نشرت ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ذات الشهرة في العالم الإسلامي، ونفت نفياً قاطعاً هذا الحادث في عددها 452 المؤرخ في 3 – 7- 1979م.
عقد وزير الداخلية عدنان دباغ الذي كان إحدى الواجهات للحكم الطائفي مقابل متع رخيصة عُرف بها، مؤتمراً صحفياً في 22 – 6 – 1979 أغلن فيه الحرب على الجماعة واستباحة دماء أبنائها، فاعتصم الإخوان بالله، ثم بالصبر لمواجهة هذا الابتلاء، وتعرضت الجماعة للملاحقة والفتك والقتل في البيوت والشوارع وعلى قارعة الطريق، مما اضطر، بعد ذلك الملاحقين بعد أكثر من ثلاثة، أشهر أن يقرروا الدفاع عن أنفسهم، ليستشهدوا منهم أعداد، وتختفي أعداد، وتغادر أعداد أخرى إلى أرض الله الواسعة.
كان لحادثة المدفعية أثر سلبي وآخر إيجابي، فقد ألحق في الجماعة أضرار كبيرة، وعطل برامجها وتنفيذ خطتها وكل مشروعاتها التي كانت ترمي إلى التغيير السلمي في المجتمع السوري عن طريق التبليغ والنشر والتوجيه والاتصال وتشكيل الأسر.. إلخ – التعريف” والتكوين وتهيئة الكوادر والدعاة وعناصر الاختصاص في كل حقول المعرفة، وما يتطلبه بناء الدولة الحديثة والمجتمع من قيادات فنية وتنفيذية، كما جرأت السلطة على الإسراف في القتل والاغتيال وسفك الدماء. أما الجانب الإيجابي، فهو السياسة الطائفية لحكم الأقلية، إذ كشفت حادثة المدفعية النظام وعرته من آخر ورقة توت كان يحاول أن يستر بها سياسته الطائفية في داخل سورية، وفي المحيط الدولي، فقد ذكر ميشيل سيرو كما نقل عنه المؤلف فان دام، وتقرير الشرق الأوسط أن 282 طالباً عسكرياً من بين 300 طالب كانوا من العلويين، فانقض عليهم بعض رفاقهم من البعثيين – المقصود إبراهيم اليوسف- الذين لم يتحملوا هذا التعصب الطائفي، وأوقعوا مقتلة كبيرة، وأثبتت أيضاً أن هذا الاغتيال لم يكن ذا علاقة بالإسلاميين، وذهب ديفيد هيرست إلى حد القول: إنه ليس البعثيون هم الذين يحكمون البلاد بأي معني من المعاني، بل هم العلويون الذين يحكمون البلاد من خلال الحزب، وعملياً من خلال تضامنهم الخفي، داخل الحزب والمؤسسات الهامة الأخرى، وخلف الواجهة، فإن أفضل مؤهل للسلطة بمقياس حكم الأقلية هو الصلة من خلال العائلة أو العشيرة أو الطائفة أو أبناء المنطقة من العلويين، وصلتهم بالعلوي الأول في البلاد الرئيس حافظ الأسد).
ثانياً: شهادة أيمن الشربجي المسؤول عن تنظيم الطليعة المقاتلة في دمشق.
كتب أيمن الشربجي في مذكراته التي نشرت في عام 2017 حول حادثة مدرسة المدفعية ما يلي:
(مدرسة المدفعية:
شهدت هذه المرحلة تطوراً جديداً على الساحة السورية، إذ قام الإخوة في حلب بضرب عدد من الأهداف التابعة للمخابرات، وأثناء تأدية إحدى العمليات استشهد اثنان من الإخوة المنفذين هما الأخ وليد العطار والأخ عصام مواصلي، فعملت السلطة على توسيع دائرة الاعتقالات، وقامت بإهانة أهالي المواطنين، فقرر الإخوة في حلب تنفيذ العملية التي هزت أركان النظام، ألا وهي عملية مدرسة المدفعية التي خطط لها الأخ الشهيد: النقيب إبراهيم اليوسف ضابط أمن المدرسة والموجه الحزبي فيها، وقد كان يخفي انتماءه للإخوان المسلمين وللتنظيم الجهاد المسلح، وشارك في تنفيذ العملية عدد من الإخوة المجاهدين في حلب، وأسفرت هذه العملية عن قتل أعداد كبيرة من الضباط النصيريين الذين فاق عددهم المئتي ضابط).
بدأت الأخبار تنتشر، والأحاديث تزداد عن حصول عملية ضخمة في مدرسة المدفعية بحلب استهدفت الضباط النصيريين، وقد راودتنا الشكوك حول صحة هذه العملية إلى أن جاءنا الأخ عبد الستار الزعيم بعد ثلاثة أيام، وأخبرنا بصحة الأنباء الواردة عن مدرسة المدفعية، كما أكد لنا أن الإخوة في قيادة حماة لم يكونوا على بينة من أمر العملية، وأنه شخصياً لم يكن يعلم بها، وأن قيادة التنظيم في حلب هي التي اجتهدت باتخاذ القرار، وذلك نتيجة للجرائم المتزايدة التي يقوم بها زبانية النظام في حلب، وقال بالحرف الواحد:
(نسأل الله أن يجعل العواقب إلى خير)، وأصر على عدم تصعيد العمليات قائلاً:
( سنستمر في خطتنا القديمة، وسنقوم بعمليات اغتيال، كما سنضرب عناصر المخابرات بين الفينة والأخرى، على سبيل التأديب فقط، أما معركتنا فهي مع رؤوس النظام، هؤلاء هم المجرمون وهم مسؤولون عن كل ما يحدث، وأما ضربنا لعناصر المخابرات فلكي يشعروا بأنهم لن يفلتوا من العقاب إذا استمروا بالانصياع لأوامر سادتهم المجرمين).
وأكد قائلاً: (إنني أخشى في حالة التصعيد أن نُجَرَّ إلى معركة مكشوفة، في مواجهة غير متكافئة مع السلطة، على غرار ما حدث في مسجد السلطان بحماة عام 1964م، وهذا ما تسعى إليه السلطة بكل ما أوتيت من قوة).
أما السلطة فقد قامت بحملة إعلامية مسعورة، ولأول مرة ظهر المجرم عدنان دباغ على شاشة التلفزيون، وهو يعلن بياناً صادراً عن سلطته المجرمة، أكد فيه ما توارد من أنباء عن مدرسة المدفعية، كما اعترف بثلاثين قتيلاً وثمانين جريحاً، وأعلن أن الأخ إبراهيم اليوسف وإخوانه المجاهدين هم المسؤولون عن هذه العملية، واتهمهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، كما أنه اعترف بمسلسل الاغتيالات دفعة واحدة، وراح يلصق صفاته وصفات أسياده بهؤلاء الإخوة الأبطال، كما أنه ركز اتهاماته على النظام في العراق، وهدد وتوعد “الإخوان المسلمين” بكل فصائلهم بالتصفية والتدمير، وراح يعلن أشد العقوبات على كل من يتستر عليهم من المواطنين.
وأعقب هذا البيان بيان آخر وضعت فيه السلطة صور عدد من الإخوة المجاهدين في حلب، وأعلنت عن جائزة قدرها (100 ألف ل.س) لكل من يساعد في الوصول إلى أحد هؤلاء الإخوة، وأذكر منهم: الأخ عدنان عقلة، والأخ الشهيد إبراهيم اليوسف).
كما تابعت السلطة حملتها الإعلامية في الراديو والتلفزيون والصحف، وراحت تعتقل العلماء وتجبرهم على الظهور أمام شاشة التلفزيون للإدلاء بأقوال كاذبة بغية تشويه صورة تنظيمنا المجاهد، وذهبت السلطة كذلك إلى أدعياء العلم من المنافقين الذين أخذوا يكيلون الفتاوى الغزيرة في تكفير الإخوة المجاهدين، بينما تقوم السلطة وإعلامها بأخذ هذه الأقوال والمتاجرة بها.
إن هذه الحملة الشعواء التي قامت بها السلطة الكاذبة لم تكن لتجعل من الحق باطلاً، ولم تكن لتخدع أبناء الشعب المؤمن الذين عرفوا المجاهدين بتدينهم وصدقهم وتقواهم، كما عرفوا السلطة بكفرها وغدرها وفجورها، وارتد كيد الساحر عليه، وانطلق أبناء الشعب الأعزل يبحثون عن المجاهدين لا لتقديمهم العون فحسب، وإنما للانضمام إلى صفوف المجاهدين.
إن عمليات الاغتيال السابقة التي طالت رؤوس النظام النصيري الطائفي قد أقضت مضاجعهم، وبدا الخوف والرعب ظاهراً عليهم من تلك العمليات، مما أدى إلى هروب الكثير منهم خارج البلاد، وكثرت الخلافات والانشقاقات بين عناصر السلطة، فمنهم من يطالب بمفاوضة الإخوة المجاهدين، ومنهم من يطالب بمضاعفة الإرهاب والقمع وتوسيع دائرة الاعتقالات ضد الأهالي، وكان على رأس هذا الرأي المجرم رفعت أسد، ومنهم من راح يتهم حافظ أسد وبقية أفراد عائلته بأنهم يجلسون في القصور. وحولهم الحمايات الكثيفة، دون أن يهتموا ببقية أفراد الطائفة الذين يتعرضون لرصاص المجاهدين، مما دفع المجرم حافظ الأسد إلى إنشاء أجهزة جديدة لتخريج المرافقين وفرزهم لحماية ضباط السلطة ومجرميها، ولذلك فإن المواجهة المكشوفة مع الإخوة المجاهدين ستتيح للسلطة استخدام الأعداد الكبيرة من العناصر التي تحت أيديها، والتي لم يكن لها عمل بالسابق.
إن باستطاعة السلطة التفوق في مثل هذه المعارك، فهي تملك الإمكانيات والأعداد الكبيرة من العناصر التي لا تتردد أن تزج بهم في المعارك دون أن تخشى على مصيرهم، وبذلك تظل رؤوس أركان النظام بمنأى عن الخطر.
إن التصعيد الذي قامت به السلطة، وملاحقة الأعداد الكبيرة من شباب “الإخوان المسلمين” في مدينة حلب، من جراء الاعتقالات والاعترافات، وانضمام أعداد كبيرة من الشباب الإسلامي إلى التنظيم المسلح زاد في تسارع الأحداث في حلب، وبدا الفرق يتضح بين العمليات في مدينة حلب وبين العمليات في مدينتي حماة ودمشق.
هنا بدأ التوازن الذي كان يسير عليه التنظيم بالاختلال، كما بدأت علامات انعدام التنسيق بالظهور، ونترك تفصيل هذا الأمر للإخوة في حلب، فهم أدرى بعدد العمليات والاشتباكات التي حصلت.
أما الأخ القائد عبد الستار الزعيم رحمه الله، وكما فهمنا منه، فقد كان يصر على عدم التصعيد العسكري لكي لا نقع في منزلق خطير لا نستطيع التنبؤ بأبعاده، وبهذا الوعي تمكن الإخوة بفضل الله من إفشال كافة مخططات السلطة، وقررت القيادة الاستمرار بمسلسل الاغتيالات).
ثالثاً- رواية النظام السوري التي نشرها ضمن كتاب عن الإخوان المسلمين، بعنوان :(الإخوان المسلمون – نشأة مشبوهة وتاريخ أسود).
صدرت رواية النظام السوري عن جريمة مدرسة المدفعية في كتاب : (الإخوان المسلمون – نشأة مشبوهة وتاريخ أسود)، جاء فيه ما يلي:
(وقائع حادثة الإجرام
كانت الساعة السادسة والنصف من مساء 16 حزيران 1979 تشير إلى تحرك النقيب المجرم إبراهيم اليوسف الذي كان مكلفاً باليوم المذكور بمهمة الضابط المناوب في كلية مدفعية الميدان وركوبه بعربة “زيل” عسكرية يقودها العريف عبد الراشد الحسين الذي تم الاتفاق معه مسبقاً ومغادرتهما الكلية إلى مسافة تبعد حوالي الكيلو متر والاجتماع بمجموعة من القتلة والمجرمين المأجورين.
وقد منح النقيب المجرم إبراهيم اليوسف عصابة القتلة الذين شوهوا بإجرامهم سمعة الإسلام لباساً عسكرياً برتب مختلفة ثم أدخلهم إلى الكلية بعد أن زودهم بكلمة السر ووزع الأدوار عليهم ثم تشاور مع المجرم حسني عابو والجاسوس الإسرائيلي عدنان عقلة ضمن قاعة منعزلة داخل الكلية. ثم خرجوا حيث أمر بجمع طلاب دورة الكلية الحربية في الندوة بحجة الاجتماع إلى مدير الكلية.
ماذا حدث في الندوة؟
ولما اطمأن المجرم إلى أن جميع طلاب الكلية البالغ عددهم 300 طالب قد دخلوا مقر الندوة دخل عليهم برفقة كل من المجرمين حسني عابو وعدنان عقلة وأيمن الخطيب في حين كان المجرمان الآخران زهير زقلوطة ورامز عيسى قد أخذا أماكنهما على النوافذ ينتظران أوامر النقيب المجرم إبراهيم اليوسف الذي استطاع لكونه أحد المقربين في الكلية من تغرير بعض العناصر من الطلبة وادخالهم ضمن هذه العصابة الإجرامية التي تعادي الله والوطن حيث تأكد بالدليل القاطع وبعد التحقيق أنه قد سبق له وأن اجتمع مع هذه العناصر المغرر بها قبل ساعات من تنفيذ هذه المجزرة الرهيبة وناقش معهم خطة التنفيذ.
كيف نفذ المجرم جريمته؟
قرأ النقيب المجرم إبراهيم اليوسف أسماء عدد من الطلاب الذين غرر بهم وأخرجهم خارج الندوة مع عدد آخر من الطلبة للتغطية والتمويه وحتى لا ينكشف أمره وأمر هؤلاء الذي جرى الاتفاق معهم قبل ثلاث ساعات من تنفيذ عملية الإجرام. ولما اطمأن إلى خروج المجموعة المتفق معها أعلن للطلاب المتبقين في الندوة أنهم رهائن، وأن الندوة ملغومة من كافة أطرافها ومن يحاول الخروج منهم سيقتل فوراً وبعد برهة وجيزة صاح النقيب المجرم في الطلاب: انتظروا حتفكم.
وينفس الوقت بالذات كان الطرف الآخر من العصابة المجرمة المؤلف من: مصطفى قصار وماهر عطار وعادل دلال يهاجمون مقر الحرس حيث أرادوا الحارس قتيلاً بمسدس حربي إسرائيلي كاتم الصوت ثم اعتقلوا رئيس وعريف الحرس.
وفي اللحظة التي كانت فيها عملية المجرم النقيب تتم داخل الندوة كانت عملية الإجرام الثالثة تتم في مقسم الهاتف من قبل مجموعة أخرى من المجرمين والقتلة، حيث قامت هذه المجموعة بحرق وتفجير المقسم بمن فيه.
وقد استطاعت سلطات الأمن إلقاء القبض على عدد من هؤلاء المجرمين والقتلة وتمكن قسم آخر من الهرب.
من الشهود على الحادثة الضابط عدنان صفاف الذي كان أحد الضباط المناوبين لضابط المناوب.
المراجع والهوامش:
(1). سعد الدين (عدنان)، مذكرات وذكريات - سنوات المجازر المرعبة في سورية من عام 1977 وحتى 1983، مكتبة مدبولي، الطبعة الاولى، القاهرة عام 2010، صـ 76- 83
(2). الشربجي (أيمن أحمد)، على ثرى دمشق، دار آفق للدراسات والنشر، الطبعة الأولى - لندن عام 2017م،صـ112 - 115
(3). الإخوان المسلمون- نشأة مشبوهة وتاريخ أسود (4) وثائق المؤامرة والمواجهة، منشورات مكتب الإعداد في القيادة القطرية لحزب البعث، دمشق عام 1985م، صـ 160-162
