بلدة تلفيتا
تقع بلدة تلفيتا في الهضبة الوسطى على السفوح الشرقية للسلسلة العليا من جبال القلمون ، وعلى الأطراف الغربية من سهل صيدنايا ، وتبعد عن صيدنايا حوالي ٥ كيلومتر ، وشمال مدينة منين حوالي ٧ كيلومتر ، كما تبعد عن دمشق مسافة ٣٠ كيلو متر ، وترتفع عن سطح البحر ١٤٨٠ متر لذا يكون مناخها معتدل صيفا بارد شتاءا ، تتربع مساكنها على تل يدعى ( تل فتى ) ومنه اخذت تسميتها ( تلفيتا ) ، وهي كشأنها من بلدات القلمون قديمة جدا عاصرت شتى العصور التاريخية ، في أحد الكهوف القديمة في البلدة صورة لفتى يحمل مشعلا في يده محفورا في الصخور مما يدل على قدم البلدة واستيطانها منذ عهود غارقة في القدم ، وهناك من يذكر أن اسم تلفيتا جاء من كلمة ( تل الفيء ) لكثرة غاباتها القديمة ، ذكرها الجغرافي (ياقوت الحموي) فقال : هي من قرى جبل سنير من اعمال دمشق .
تلفيتا قرية قديمة العهد بدليل الشواهد الاثرية المتنوعة الموجودة على أرضها ، حيث تقبع منازلها القديمة فوق مغائر وكهوف وقد وجد في بعضها كتابات منقورة في الصخر منذ العهد الروماني ، كمأ انه كان فيها ديرا مسيحيا يدعى ( دير العشايا ) ومنزلا منحوتا في الصخر على شكل مساكن الانباط ، وايضا قبور قديمة محفورة بالصخر ونقشت على بعضها رسوم مختلفة ، كما أنه يوجد حولها عددا من القرى القديمة المندثرة يدعوها الاهالي ( الخرب ) التي كانت سابقا مأهولة بالسكان ولكن العوامل الطبيعية من زلازل وجفاف مياه هجرها سكانها ، وهناك في تلفيتا آثار لمعاصر العنب ومعاصر الزيتون .
ويبدو ان هذه البلدة تعرضت للخراب والدمار بسبب عدة ظروف طبيعية وبشرية ثم أعيد بناؤها اكثر من مرة .
يقال أنه سكنها قديما عائلتان افنوا بعضهم من كثرة الخلاف والاقتتال بينهم ، ودثرت البلدة ثم توارد على الموقع بعض سكان القرى المجاورة واعادوا بناءها ثانية ، يتميز سكان تلفيتا بشدة بأسهم وجلادتهم وكانوا سابقا يعيشون في صراع مع جيرانهم من سكان صيدنايا وخاصة ايام الانتداب الفرنسي الذي كان يشجع على إثارة النعرات الدينية مستغلا الجهل والتخلف ، ولكن بعد رحيل الاستعمار الأجنبي ومع التعليم وتطور الوعي زالت مظاهر الصراع وكأنه لم يكن .
الجدير بالذكرى أن اسم هذه البلدة لمع بشكل كبير واشتهرت شهرة واسعة ، وقد جرى ذكرها على لسان كبار المؤرخين بفضل أحد ابنائها الأشداء ويدعى ( قسام الحارثي ) الذي دخل اسمه التاريخ من اوسع ابوابه بعد أن ساد وحكم مدبنة دمشق لسنين عديدة في العهد الفاطمي ، ومنذ ذلك
العهد لم يجر قلم يذكر تاريخ دمشق إلا وذكر باسمها ( قسام ) وقريته تلفيتا ، وقصة تسيده على دمشق كما ذكرها المؤرخ ( جمال الدين يوسف تغري بردي الذي عاش بين عامي ٨٢٣ – ٨٧٤ هجري / ١٤١٠ – ١٤٦٩ ميلادي ) ، حيث يقول : ( ولما تم أمر العزيز بمصر واستفحل أمره واخذ في تمهيد امور بلاده خرج عليه قسام الحارثي وغلب على دمشق وجبل سنير ، كان قسام ينقل التراب على الحمير وتقلبت به الاحوال حتى صارت له ثروة وأتباع غلب بهم على دمشق حتى لم يبق لنوابها معه أمر ولا نهي ، ودام على ذلك سنين ، فلما ملك العزيز وعظم امره اراد زواله ، فندب إليه جيشا ، ويذكر ياقوت الحموي أن دخول جيش العزيز ملك مصر الفاطمي بقيادة القائد التركي يلتكين كان في محرم ٣٧٦ هجرية / ٩٨٦ ميلادي .
وسار يلتكين إليه وحاربه اياما وصار العزيز يمد يلتكين بالعساكر الى ان ضعف أمر قسام واختفى اياما ، ثم استأمن فقيدوه وحملوه الى العزيز في مصر ) ، وفي مصر عفا عنه الملك العزيز ، وتذكر بعض المصادر ان العزيز عوضه موضعا عاش فيه واحسن صلته به ، وهناك رواية تنسب قرية ( القسيمية ) التي دثرت ونشأت مكانها مدينة التل الى قسام الحارثي وأنه أمضى فيها بقية حياته
يعمل سكان تلفيتا البالغ عددهم حسب إحصاء ١٩٩٧ م ( ٨١٧٠ ) نسمة بالزراعة البعلية ، وتنتج أرضها التين والعنب والحبوب وفيها أنواع مختلفة من الاشجار المثمرة ، كما يعمل البعض في تربية الدواجن وتربية الاغنام ، واشتهرت أرضها بمقالع الحجر الابيض .
ومنذ مطلع الستينات عمل العديد من شبابها بالنقل البري بين سوريا ودول الخليج العربي والسعودية واليمن فنهضت البلدة وتحسنت الاحوال المعيشية وانعكس ذلك على نهضة عمرانية جيدة في البلدة.
المراجع والهوامش:
(1). عقيل (نور الدين)، إستناداً إلى السيد عبدالله من ابناء بلدة تلفيتا- 02.10.2024
المراجع والهوامش:
(1). عقيل (نور الدين)، إستناداً إلى السيد عبدالله من ابناء بلدة تلفيتا- 02.10.2024