أحداث
إضراب القضاة في سورية عام 1954
عقد ممثلو قضاة دمشق صباح يوم الخميس التاسع والعشرين من تموز عام 1954 إجتماعاً في قاعة القصر العدلي تناولوا فيه بالبحث عدم درس قانون تعديل ملاك وزارة العدلية من قبل مجلس النواب، وتأخير تقديمه إلى المجلس من قبل الحكومة.
ووجد القضاة أن إجالة القانون المشار إليه يجب أن تحل بالسرعة اللازمة.
وعلى إثر ذلك اتخذ القضاة القرار التالي: (نحن قضاة دمشق وممثلي قضاة المحافظات السورية المجتمعين في قاعة الاستئناف في صباح يوم الخميس الواقع في التاسع والعشرين من شهر تموز عام 1954 قررنا الإضراب العام والتوقف عن كل عمل حتى تحقق مطاليبنا).
وقد أبلغ هذا القرار إلى مجلس القضاة الأعلى الذي حمله نيابة عنه الأستاذ عبد القادر الأسود إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير العدلية والمراجع المسؤولة.
كما قرر القضاة عدم التعاون مع الحكومة والاشتراك في اللجان الانتخابية، وأصدروا قراراً نصه:
1- عدم التعاون مع الحكومة الحاضرة في الانتخابات.
2- عدم قبول الإعتراض على جداول الانتخابات.
3- عدم اشتراك أي قاضي او نائب عام في اللجان الانتخابية ريثما تتحثث مطاليب القضاة.
وقد ساند محامو دمشق القضاة، ووجهوا إلى مجلس نقابة محامي دمشق الكتاب التالي: (بالنظر لعدم إجابة مطالب الأساتذة القضاة، وهي مطالب حقه، ولما كانت القضية ليست قضية مادية، بل قضية كرامة القضاة، ولما كانت أسرة المحاماة هي شقيقة لأسرة القضاة وكرامة القضاة لها علاقة بكرامة المحاماة، نطالب إعلان الإضراب احتجاجاً على عدم تلبية مطاليب القضاة وتضامناً مع الأساتذة القضاة في إضرابهم.
وقد وقع الكتاب من أكثر من المحامين، وأقر مجلس النقابة هذا الطلب، وبذلك وقف المحامون إلى جانب القضاة في مطالبهم.
إجتماع رئيس الوزراء والرئيس الأتاسي:
قصد رئيس مجلس الوزراء القصر الجمهوري، واجتمع مع الرئيس الأتاسي ساعة من الوقت بحث فيها موضوع إضراب القضاة وكيفية معالجته والحل الواجب اتخاذه لإنهاء الإضراب وعدم تعطيل قضايا المتقاضين.
ثم اجتمع رئيس الوزراء بعدها في مكتبه في مبنى دار الحكومة مع وزير العدل ورئيس محكمة التمييز العليا، وتداولوا موضوع الإضراب مطولاً، وتوصلوا إلى رأي يطالب إلى مجلس القضاة الأعلى أن يعقد إجتماعاً صباح السبت لدراسة إضراب القضاة والسعي معهم للعودة عن إضرابهم.
وقد أجروا اتصالاً مع الأستاذ وجيه الأسطواني الموجود في بلودان لهذه الغاية ليحضر يوم السبت إلى دمشق ويترأس إجتماع القضاة الأعلى.
إجتماع مجلس الوزراء:
وفي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الخميس دعي مجلس الوزراء للإجتماع في دار الحكومة برئاسة رئيس مجلس الوزراء دام إلى الساعة الثانية والدقيقة 45 حضره جميع الوزراء دون أن يتخلف منهم أحداً.
استعرض المجتمعون إضراب القضاة، وطرق معالجته، فأقر موضوع إجتماع مجلس القضاء وتكليفه ببذل مساعيه لدى القضاة ليعودوا عن إضرابهم، ولينقل إليهم وجهة نظر الحكومة.
كما قرر مجلس الوزراء في جلسته هذه و ضع مشروع قانون يقضي بتحسين أوضاع موظفي الدولة والترفيه عنهم بصورة عامة، وفي هذه الحال سوف يشمل القانون القضاة.
وكان نهاد القاسم وزير المعارف والزراعة الذي قدم استقالته قبل الإضراب بيومين أعلن وأصر على دعم الترفيه على جميع المواطنين دون استثناء، وقد شارك في اجتماع مجلس الوزراء وقال أنه متضامن مع الوزراء.
تطبيق القانون اللبناني:
ونقلت صحيفة بردى عن مصادر قضائية أن القضاة رفضوا مشروع الحكومة الذي أعدته للترفيه عنهم، وطلبوا تطبيق القانون اللبناني المطبق على السلطة القضائية في لبنان، وذلك من نواحي الحصانة والراتب والمعاملة.
والمعروف أن راتب القاضي بلبنان يبدأ بـ 540 ليرة لبنانية وينتهي بـ 1400 مع تعويض قدره 150 % كما يحق للقاضي أن يمنح تعويضاً آخر قدره 30 % إذا وظف خارج العاصمة اللبنانية.
شلل الدوائر القضائية:
بتوقف المحاكم عن كل عمل توقف النظر حتى عن رؤية الجرائم الجديدة التي تقع أو التحقيق فيها، وشلت حركة جميع دوائر القضاء، واضطر أصحاب العلاقة والمراجعون إلى العودة من حيث أتو بالنظر لعدم وجود من ينظر في قضاياهم.
وخشيت الحكومة إذا امتد هذا الإضراب أن يشمل الأعمال الانتخابية لأن المحاكم التي ستنظر في اعتراضات الناخبين على الجداول الانتخابية النهائية التي علقت منذ بصفة أيام توقفت عن العمل بسبب إضراب القضاة.
تصريح قضائي:
مع إعلان الإضراب نشرت الصحف تصريح لمصدر قضائي كبير أفاد به أن إضراب القضاة إذا استمر سوف يمنع إجراء انتخابات دستورياً في موعدها المقرر، إذ نص الدستور على أن يرأس لجان فرز الأصوات قضاة صلح المناطق الانتخابية كما أن قانون الانتخابات نص على وجوب تحليق رؤساء اللجان الانتخابية اليمين من قبل القضاة، وقبول الحكام الإعتراضات على سائر أنواع عمليات الانتخابات وسيحول إضراب القضاة دون قبول هذه المعاملات جميعها.
اجتماع لجنة القضاة:
بعد مرور خمسة أيام على إعلان إضراب القضاة دون الوصول إلى حل يرضي القضاة، وخصوصاً مع قلة الإمكانيات المادية لدى الحكومة، ولعدم وجود المدة الكافية لدعوة مجلس النواب لبحث الموضوع نظراً لإنهماك النواب بفضاياهم الانتخابية، ولأن مجلس القضاء الأعلى لم يتوصل إلى نتيجة من النتائج على الرغم من جميع وساطاته.
الإجتماع مع وجيه الأسطواني:
استمر إضراب القضاة دون توصل الحكومة إلى حل، وفي الثالث من آب اجتمع نوري الغزي ومرشد عابدين مع وجيه الأسطواني رئيس المحكمة العليا، وبحث الجميع المخرج اللازم للعودة عن الإضراب، وحفظ كرامة القضاة، وناقشوا إمكانيات الحكومة.
وتقرر في نهاية الإجتماع أن تعقد لجنة القضاة في دمشق إجتماعاً في اليوم التالي الرابع من آب، لعرض الأمر عليها بالتفصيل، وبيان الأسس التي سيحل على أساسها الإضراب.
كما تقرر أنه إذا وافق المجتمعون وأعضاء اللجنة سوف تدعو أعضاء لجان القضاة في المحافظات للاجتماع بلجنة دمشق في الخامس من آب لتعرض عليهم ذلك وإذا لم توافق فسوف يستمر الإضراب.
عقدت لجنة القضاة إجتماعاً يوم الخميس الخامس من آب في إحدى قاعات القصر العدلي استمعت فيه إلى نتائج مساعي وجيه الأسطواني رئيس المحكمة العليا مع الحكومة.
وشرح وجيه الأسطواني لأعضاء اللجنة أبحاثه مع رئيس الوزراء ومدى إمكانياتها في الوقت الحالي، وطلب من اللجنة إمعان النظر في الظرف الذي تجتازه البلاد وفي موقف الحكومة.
وأشار الأسطواني إلى أن العودة عن الإضراب تضحيه في سبيل المصلحة العليا.
استمر إجتماع اللجنة نحو ساعتين، وقد تبادلوا الرأي حول ضرورة وضع المصلحة العامة فوق مصلحتهم على أن تحفظ كرامة القضاة، فقرروا أن يدعى أعضاء لجان القضاة في المحافظات برقياً للإجتماع بهم يوم الجمعة لعرض الموقف، وليدلي كل منهم برأيه لوضع الاقتراحات على التصويت.
إجتماع اللجنة مع لجان المحافظات:
عقدت لجان القضاة الممثلة لجميع القضاة في المحافظات إجتماعاً في إحدى قاعات القصر العدلي، وقد عرضت لجنة قضاة دمشق على ممثلي قضاة المحافظات بنتيجة أبحاثها مع الحكومة عن طريق رئيس المحكمة العليا حول إضراب القضاة والعمل على حله حرصاً على المصلحة العامة في هذه الظروف الانتخابية، على أن يكون حل الإضراب جزئياً ريثما تنتهي الانتخابات.
وبعد نقاش طويل وافق أعضاء اللجان على حل الإضراب ضمن شروط، وهي أن لا ينظر القضاة إلا في القضايا التالية:
1- قضايا الاعتراضات وقضايا اللجان الانتخابية.
2- قضايا الجرائم المشهورة، والموقوفين وإخلاء السبيل في الكفالة.
3- قضايا الأمور المستعجلة.
وتقرر أيضاً أن لا يعود القضاة للإجتماع بعد العيد للبحث في قضية إستمرار الإضراب أو عدمه.
وقد حمل قرار اللجنة القاضي ظافر الموصلي رئيس محكمة الجزاء إلى وجيه الأسطواني الذي حمله بدوره إلى رئيس مجلس الوزراء.
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة بردى - دمشق، العدد 1543 الصادر يوم الجمعة الثلاثين من تموز عام 1954
(2). صحيفة بردى - دمشق، العدد 1547 الصادر في يوم الأربعاء الرابع من آب عام 1954
(3). صحيفة بردى - دمشق، العدد 1548 الصادر في الخامس من آب 1954
(4). صحيفة بردى - دمشق، العدد 1549 الصادر في السادس من آب عام 1954
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة بردى - دمشق، العدد 1543 الصادر يوم الجمعة الثلاثين من تموز عام 1954
(2). صحيفة بردى - دمشق، العدد 1547 الصادر في يوم الأربعاء الرابع من آب عام 1954
(3). صحيفة بردى - دمشق، العدد 1548 الصادر في الخامس من آب 1954
(4). صحيفة بردى - دمشق، العدد 1549 الصادر في السادس من آب عام 1954