التراث اللاماديمحافظة دمشق
مكر النساء.. من الحكايات الشعبية الشامية
مكر النساء.. من الحكايات الشعبية الشامية
من حكايات حي مئذنة الشحم
توثيق الباحث نزار الأسود.
كان ياما كان حتى كان، كان في قديم الزمان شاب، فقال لأمة أريد أن أتزوج. ولكن قبل أن أتزوّج، أريد أن أتعلم مكر النساء، حتى لا تمكر علي زوجتي، فوافقته أمّه على ذلك، وفتحت له دكاناً في سوق النسوان حتى يخالط النساء، ويأخذ منهم ويعطي، ويتعلم مكرهن وحيلهن.
وكان كلما جاءته زبونة قال لها: خذي ما اشتريت بلا ثمن، مقابل أن تحكي له ما عملت في زمانك السالف من مكر وحيل على زوجك.
وهكذا كانت القصص تتوارد عليه. فلانة قالت لزوجها: أنا ذاهبة إلى الطبيب، وتذهب إلى مباركة، وأخرى تقول لزوجها: أنا ذاهبة إلى الخياطة، وتذهب إلى العرس، وثالثة ورابعة.
فكثرت الحكايا عنده، وهو يسجلها في أوراق ويحفظها حتى تم له ما أراد وجمع من فنون الحيل والمكر ما جمع..!!
وأخيراً قال لأمه: زوجيني فزوجته، وفي يوم العرس قال لعروسه: مكر الرجال غلب مكر النساء.
فقالت له: مكر النساء علب مكر الرجال. فغصب وسجن وسجن زوجته في البيت، وأغلق الأبواب والنوافذ حتى لا تخرج وتتصل بأحد.
وحارت الزوجة ماذا تفعل؟ فحفرت حائط البيت، فوجدت بستاناً فدخلت إليه، وقالت للبستاني: أنا أختك بعهد الله، هات سكيناً لنتخاوى. أنا أريد أن أنتقم من عناد زوجي وغبائه.
فأحضر البستاني سكيناً، فجرحت إصبعها وإصبعه. فاختلط الدم، وحصلت الأخوة، ثم سألته أن يعزم زوجها على فنجان قهوة ثم ينادي قائلاً: يا أختي! فتأتي وتقدم القهوة على أنها أخت البستاني.
كذلك حصل. فكلما زار الزوج البستاني، كانت زوجته تقدم له القهوة والزوج يشرب القهوة ويقول: ما أشبه أخت البستاني بزوجتي، ثم يذهب إلى البيت سريعاً، فتكون زوجته قد سبقته وتطاهرت أنها في سابع نومة، تغط غطيطاً وتشخر شخيراً غريباً.. وفعلت الشيئ نفسه مع زوجها عندما أقام البستاني وليمة غذاء، حتى ذهل الزوج مما يجري..! وهو ما يزال يقرأ ويحفظ أوراق مكر النساء التي جمعها عنده.
وذات يوم سأل الزوج زوجته: ما يناسبني من القمصان؟ فقالت : القميص ذو الأكمام الطوال فأحضر لها قمصاناً بأكمام طوال. وبعد الحمام قال لها: هات قميصاً فوجد القمصان بلا أكمام.
وكانت زوجته قد أبدلت القمصان من عند البستاني. فصرخ غاضباً، فقالت له: ما أفعل بعقلك الناقص الذي لا يميز بين قميص وقميص.
وذات يوم قال لها زوجها: أريد أن أعزم أهلي على الكبة، فقالت له، وقد تمددت على السرير وتظاهرت بالمرض: أفعل ما تشاء، فأحضر لها لوازم أكلة الكبة من برغل ولحم وشحم، وعند الغذاء نقلت الزوجة إلى البستان ما أحضره زوجها، وتظاهرت بالنوم. ثم توجعت عندما حضر زوجها والضيوف، وطبعاً لم يجد شيئاً.
كانت الزوجة تقول لزوجها مشككة بقواه العقلية: أنت لم تحضر شيئاً إلى البيت، وأنت واهم وتصر على ذلك. فأحب الزوج أن يعوض أهله عن هذه العزيمة بعزيمة أفضل. فعزمهم في اليوم التالي على خروف. وأحضر الخروف منذ الصباح.
فأخذت الزوجة الخروف إلى البستاني وأحضرت من عنده حماراً صغيراً، وربطته في دارها بدل الخروف. وعندما جاء الضيوف أخذت تبكي وتندب حظها أمامها.
لحظها الأسود من الزوج بابنهم، ومن يعزم الضيوف على حمار! والزوج يحلف أنه قد أحضر خروفاً، فكيف صار حماراً..!!
وفي يوم من الأيام أحضر لها حمل بطيخ، وكان يشدد مراقبتها ويحكم إقفال أبواب البيت وشبابيكه، وقد عزم ضيوفاً على سهرة، فأحضرت الزوجة من عند البستاني بلعطاً “سمكاً صغيراً” ووضعت في كل بطيخة بلعطة، فكان السمك يقفز إلى وجه الضيوف كلما حاول الزوج قطع بطيخة حتى أحمر وجهه خخلاً، وألقى بحمل البطيخ في الزقاق. ويزداد عجبه مما يجري، وهو ما يزال يقرأ في أوراق المكر والحيل.
ثم قالت الزوجة للبستاني: أعزم زوجي على النوم عندك.. وفي الليل تمددت الزوجة إلى جانب زوجها في غرفة النوم عند البستاني، فكار صواب الزوج للشبه بينها وبين زوجته فقص خصلة من شعرها وركض إلى البيت في منتصف الليل، فوجد زوجته وقد سبقته إلى البيت ونثرت شعرها الأسود الفاحم على السرير، وأخفت الشعر المستعار الذي كانت تضعه على رأسها، فذهل الزوج لما يرى. وأخذ يصرخ في الليل، ويكلم نفسه كالمجنون: قضينا الشعر بالليل خلف بالنهار. حئت بالكبة، ما في كية، الخروف في بيتي صار حماراً، البطيخ صار فيه سمك، القمصان ضاع كمها.
فصرخت فيه زوجته: أنت مجنون، مالك أربطني بالحبل إن استطعت. واقرأ كل أوراق المكر لتعلم أني بريئة. ابتعد عني، أنا أريد أمك وأباك، أنا أريد أن أضع همي بين أيديهم، أريد الخلاص منك.
فهدأ زوجها قليلاً ثم خاطبها قائلاً: شعوري يقول لي، أنت التي فعلت كل ذلك، وشعوري وإحساسي لا يكذب أبداً عليّ، ولكن ليس في اليد حيلة. حاولت أن أعرف كيف فعلت ذلك فلم أستطع.
فقالت له: مزق أوراقك، فمزقها، وقال لها: مكر النساء غلب مكر الرجال، وأخذت الزوجة تقص عليه ما فعلت به.
وتوتة توتة خلصت الحتوتة
وكذلك في حكايات اللاذقية، السمك يصبح خياراً، ويقول الزوج في النهاية” ولك در دار، در دار، مكر النساء دردار، يلي جبت السمك، قلب خيار، ولك در دار، دردار مكر النساء دردار، يلي ذبحت جوز الحمام بأيدي رجع عاش وطار، ولك دردار دردار، يلي مسكت الزلمة بإيدي قلب كر حمار”.
انظر:
الحكايات الشعبية في الساحل السوري