وثائق سوريا
كلمة لطفي الحفار في حفل تدشين مشروع مياه الفيجة في دمشق عام 1932
كلمة لطفي الحفار نائب دمشق في حفل تدشين مشروع مياه الفيجة في دمشق عام 1932م.
نص الكلمة:
فخامة الرئيس المعظم ساداتي وإخواني:
إنها لساعة تاريخية هذه التي نجتمع فيها الآن للاحتفال بنجاح وإتمام أول مشروع وطني وأول عمل فني قام في هذه البلاد.
وإني وإخواني رجال مشروع لجنة عين الفيجة لمغتبطون جداً بالقيام بهذه الحفلة تحت رعاية فخامة رئيس جمهوريتنا المحبوب الذي طالما سمعت منه منذ سنين آيات التشجيع والتنشيط في عملنا هذا الذي يقدره حق قدره كما كنا مغتبطين أيضاً باتمام هذا العمل في عهد أول حكومة دستورية، وإذا احتفلنا وسررنا بإتمام هذا العمل الكبير الذي يعود على مدينة دمشق بأعظم الفوائد الصحية والعمرانية والاقتصادية فذلك لأجل ما وفقنا الله إليه من تقوية روح الثقة بالأعمال المشتركة، وإبقاء هذا المشروع وطنياً صرفاً.
هذان العاملان العظيمان كانت من أعظم الدوافع لنا وللرجال الذين يفتخرون بتأسيس هذا المشروع بلجنتيه الأولى المؤسسة والثانية التي قامت بالأعمال الإنشائية.
وإنا لنتذكر عضوين توفاهما الله قبل إتمام العمل وقد كنا من خير العاملين لخدمة هذا المشروع وهما المرحومان الحاج ياسني دياب، والسيد أحمد دياب فلهما الذكر الحسن والرحمة والرضوان.
حينما تقدمنا بهذه الفكرة واندفعنا وراء تحقيقها كان كثير من ضعاف الإيمان يهزؤون بنا ويعتقدن بفشلنا ويقولون أننا لا نستطيع إتمام عمل عام بهذه البلاد، ولكن الاخلاص وحسن النية ومعاونة الرجال العاملين ونقاء العمل نفسه وصفاءه الذي يشبه نقاء مياه الفيجة وصفائها قضى على هذه الدعايات الباطلة وذلك تلكم العقبات والعراقيل التي صادفناها أثناء العمل.
كان تقدير قيمة الكشوف التخمينية لهذا المشروع مئة وخمسين ألف ليرة عثمانية ذهبية وعلى هذا الأساس جعل ثمن المتر الواحد ثلاثين ليرة عثمانية، وذلك لأن تحديد قيمة المتر المكعب من الماء نسيية بعد تقسيم إجمال النفقات على خمسة آلاف والخارج من هذن القسمة هو ثمن المتنر الواحد كما هو نص المادة السادسة من شرائط جمعية ملاكي الماء.
ومع ذلك فإن اللجنة لم تطبق هذه القاعدة كما طلب إليها مؤخراً، ولم تستوف قيمة الأمتار بالنسبة لقيمة الأعمال كلها التي بلغت لإنجاز المشروع 271737 ليرة عثمانية ذهبية ذلك لأن أمل اللجنة كبير جداً في إقبال الأهلين على مشترى حاجتهم من أمتار الفيجة حين انتهاء الأعمال وإسالة المياه إلى دور المشتركين، وهو ما نبدأ به من نهار غد بحول الله، وبذلك تتمكن اللجنة من وفاء الدين الذي عليها لوزارة المالية بمدة وجيزة، فقد اشترك الأهلون بمقدار أربعة آلاف متر بسعر ثلاثين ليرة عثمانية للمتر الواحد، ويوجد من هذه الأمتار مقدار أربعمائة وستين متراً اشتركت بها المساجد والمعابد والكنائس والمتستشفيات وهذه بخصم عنها بحكم امتياز المشروع بالمئة خمسة وعشرون فكان مجموع ما دفع الأهلون مبلغ 116551 ليرة عثمانية ذهبية والباقي أخذته لجنة عين الفيجة من صندوق المصالح المشتركة بتواريخ مختلفة بمثابة قروض وسلف محسوباً على الحكومة السورية.
فالفروض التي تم الإتفاق عليها مع وزارة المالية الجليلة باتفاقات تامة تبلغ قيمتها ثلاثة وتسعين ألف ليرة عثمانية ذهبية اشتركت المالية لقاءها بمقدار ثلاثة آلاف ومئة متر كل متر بسعر ثلاثين ليرة عثمانية على أن تبيعها للأهلين بخمسة وأربعين ليرة عثمانية، وبعد خصم ستة في المئة فائدة لرأس المال توزع الأرباح ثلاثة أثلاث ثلث للحكومة والثلث الثاني للمصرف الزراعي والثلث الثالث لمصلحة المياه لتضاف على حساب الاحتياط، والسلف الأخرى يبلغ مقدارها ثلاثمئة وعشرة آلاف ليرة سورية عقدت اللجنة اتفاقات مؤقتة بشأنها ورهنت لقاءها قيمة شلال الهامة وقيمة المبالغ التي يمكن استردادها من الجمارك لقاء رسوم المواد الأولية التي استعملت في الأعمال الإنشائية للمشروع ولكننا لم نوفق لإيجار الشلال بعد أن أعلنت اللجنة عنه مدة ستة شهور.
ولم يتقدم طالب له ولذلك أصبحت هذه السلف مستحقة الأداء غير أن وزارة المالية الآن تبذل جهدها الصادق لمعاونتنا لأجل تمويل هذه السلف إلى قروض ثابتة يتفق على شرائط أدائها لقاء مشترى أمتار بقيمتها.
ويبقى مقدار خمسة ألف ليرة عثمانية ونيف لتغطية جميع النفقات وهي قيمة التأمينات المحسومة على المتعهدين وستكون مستحقة الأداء بعد سنة من استلام الأشغال الموقت وتسوحيها اللإدارة من واردات الاستثمار.
والأمل كبير جداً أنه سوف لا يمضى خمس سنوات من تاريخ وصول الماء إلى المدينة حتى تبيع المالية الأمتار الموجودة لديها وبذلك توفي جميع ديون المشروع وبعدئذ يرصد قيمة ألف متر كمبلغ احتياطي كما هو نص المادة التاسعة من شرائط جمعية ملاكي الماء وواردات المشروع بعدئذ ترصد لمنافع مدينة دمشق الصحية والعمرانية بعد تغطية نفقات الاستثمار والإصلاح بعد إتمام جميع الأعمال الإنشائية المتتمة بحسب توسع المدينة في عمرانها وما يرى ضرورة لإنشائه في المستقبل كما هو نص المادتين الثامنة والتاسعة من الإتفاقية المعقودة بين وزارة المالية واللجنة بتاريخ 20 أيار سنة 1931 المصادق غليها من المفوض السامي، وهكذا تسير أعمال المشروع من الوجهة المالية من حسن إلى أحسن وستسفيد من موارده ومنشآته الصحية والعمرانية هذه المدينة وأبناؤها مدى الأجيال المقبلة.
وبهذه المناسبة أرى الواجب ينقاضاني لتقديم شكر لجنة الفيجة أمام هذا الملأ إلى جميع الحكومات السورية التي تعاقبت على منصات الحكم منذ تأسيس هذا المشروع إلى الآن لأنها كلها بذلت عنايتها ومعاونتها المالية والفنية في سبيل تحقيق إنجازه وإنشائه وهذه وزارة المالية الآن التي لها كل الحق بمطالبة بقيمة الثلاثمئة والعشرة آلاف ليرة سورية، والتي أصبحت مستحقة الأداء بحسب الاتفاقات المؤقتة تبذل جهدها مع وجود العجز المعروف في ميزانية هذه السنة لتحويل هذه السلف إلى قروض ثابتة لشرائط حسنة خدمة لهذا المشروع العظيم.
وأشكر الذين كانوا عوناً لنا من وطنيين وأجانب في تذليل العقبات المالية والفنية والتي لم يكن تذليلها بالشيئ اليسير في مثل هذه الأزمة الاقتصادية العامة.
كما أني أشكر جميع أصحاب العزائم القوية والضمائر الطاهرة من رجال هذه الأمة وأعضاء اللجنة، وكذلك لابد من كلمة شكر وإعجاب للمهندس القدير خالد سعيد بك الحكيم الذي كان في رئاسته الفنية لهذا المشروع مثال الجد والاستقامة، والمنهندسين الآخرين الذين لهم الخدمات النافعة في هذا المشروع، والشكر أيضاً لأرباب الصحافة الذين عاونوا وبذلوا ما يستطيعون في سبيل هذا العمل الذي نحتفل بإنهائه الآن.
ربما يتسائل بعضكم عن أسباب هذه الزيادة الكبيرة في نفقات المشروع وأرى الواجب في مثل هذا الموقف يدعوني لأن أولي إليكم ببعضها بصورة موجزة لتعلموا أسبابها وعواملها، فقد علمنا الاختبار أنه يصعب جداً تقدير فيمة مثل هذه الأعمال الكبيرة تقديراً تاماً وتعيين مدة انجازها بالنظر لفقدان الوسائط الفنية المكيكانيكة عندما والزمن الذي تحتاجه لجلبها من أوربا.
والحوادث دلتنا أن كثيراً من الأعمال التي في أصغر مشروع جلب مياه عين الفيجة تصاب بمثل ما أصيب به مشروعنا الذي يعد من أعظم المشاريع التي قامت في البلاد من عدم إمكان ضبط تقدير موازنته بالنظر للمفاجآت التي تحصل أثناء العمل ولعدم استكمال الأسباب الفنية الدقيقة.
ومثال ذلك حوض صدور الماء بنبع الفيجة لقد كان مقدراً له 1500 ليرة عثمانية ذهبية فكلف حين التطبيق عشرة أمثال هذه القيمة للقيام بحفر أساسات سدوده العظيمة وجدراته المتينة مع وجود ضغط تدفق المياه وذلك بالاتفاق مع الهيئات الفنية كلها.
كذلك القول بشأن شبكة القساطل داخل المدينة فإن عدم وجود مصور كامل لمدينة دمشق كان سبباً لزيادة كلف وقيمة قساطل شبكة التوزيع في جميع شوارع وأزقة ومنافذ المدينة في المئة خمسين عن التقدير السابق، وكمية القساطل والأدوات التي استهلكت ووضعت في الطرق العديدة والجادات الجديدة كانت أضعاف ما كان مقدراً لها من قبل ذلك لتأمين توزيع الماء حين وصوله إلى جميع المكتتبين في جميع أحياء المدينة.
وكذلك القول بشأن المفاجآت المزعجة التي لم تكن محسوبة في داخل الانفاق مثل الانهيارات وصعوبة الحفر في الأرض الصخرية الصلبة التي اضطرت الإدارة بعد أبحاث طويلة وبالاتفاق مع وزارة الأشغال العامة لعقد اتفاق خاص مع المتعهد وبطريقة التحكيم المتفق عليه قبلاً، وكانت نتيجة ذلك أن اللجنة اضطرت لدفع قيمة هذه الوسائط التي لا يمكن حفر الانفاق الصلبة بدونها مقدار عشرين ألف ليرة عثمانية ذهبية زيادة عما كان مقدراً لها من قبل.
وكذلك القول بشأن تفجر المياه ببعض الانفاق بجبال الهامة والقيام بحفر خنادق لأجل تصريفها وتنظيفها بصورة دائمة وقد استغرق هذا العمل وقتاً طويلاً بالرغم من اشتغال الورشات ليلاً ونهاراً وكذلك القول ببناء الانفاق كلها بالبتون المسلح بصورة جيدة تعيش أحقاباً متطاولة.
وقد كان يظن من قبل أنه يكتفي ببناء القسم الواقع في الأراضي غير الصلبة التي حفرت بالوسائط الميكانيكية فقد كان تقدير الهيئة الفنية الأولى أنه يكتفي بطلائها بورقة من السمنت بدون بناء، ولكنها حينما تعرضت للهواء وقبل أن تتعرض لرطوبة الماء ظهر فيها بعض الانهيارات المتتابعة ولذلك قرر بالاتفاق مع وزارة الاشغال العامة بناؤها كلها بالاسمنت المسلح، وتقدر الزيادة التي صرفت في هذا السبيل بمقدار خمسين ألف ليرة عثمانية ذهبية.
كل ذلك اقتضى مصاريف طائلة ووقتاً طويلاً لا يستطيع أحد مهما بالغ في تقديراته أن يعين لها قيمتها ومدة عملها، وهذا هو السبب الذي اضطر اللجنة لطلب معونة الحكومة بإقراضها مبالغ متتابعة بحسب تقدم العمل والحاجة الماسة للأموال.
وأخيراً لابد من القول أن الأعمال الإنشائية جميعها قد طبقت على أحسن وجه وأقوم مثال وإني أعلن هنا أنه لولا الجهود المبذولة والأوقات الإضافية التي يعمل بها موظفو مصلحة المياه سواء كان في الإدارة أو المحاسبة أو في الهيئة الفنية كانت نفقات العمل العام ضعفي ما هي عليه الآن، ولقد كانت لجنة عين الفيجة ومازلت تقوم بعملها بضع سنين بمنتهى درجات العناية والإخلاص بدون أدنى مقابل، وهذه نفقات المشروع العامة كلها منذ تأسيسه سنة 1924 إلى الآن لم تتجاوز في المئة سبعة ونصف من مجموع قيمة الأعمال وذلك بالنسبة للدرس الفني وإدارة المشروع ومحاسبته ومراقبته، وهذه النسبة تكون لدى جميع الإدارات والشركات حول العشرين في المئة، وأكثر كما هو معلوم، وإنني أعلن هذا الآن جهاراً نهاراً أمام هذا الحفل الكبير ويثبت ذلك أرقاماً حسابات المشروع المدققة والتي تسير على اضبط نظام وأوضح بيان والتي كانت ومازالت موضع اعجاب المفتشين والمحاسبين.
أقول هذا دحضاً لدعايات أرباب النية السيئة والأنانيين الذين يسوؤهم نجاح الأعمال الوطنية والذين لا يلذ لهم إلا مقاومة الفضيلة ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره وللباطل جولة ثم يضمحل وهذه أعمال المشروع وحساباته وإدارته التي تخضع لقانونه وأنظمته تعلن عن أعماله بأجلى بيان والسلام.
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة النداء- بيروت، العدد الصادر في الخامس من آب 1932
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة النداء- بيروت، العدد الصادر في الخامس من آب 1932