وثائق سوريا
كلمة الشيخ صالح العلي في عيد الجلاء الأول عام 1946
كلمة الشيخ صالح العلي في عيد الجلاء الأول الذي جرى في دمشق في السابع عشر من نيسان عام 1946م.
نص الكلمة:
السلام عليكم يا إخواني الأحرار المجاهدين.
السلام عليك يا مهد العروبة النقية يا دمشق.
السلام على كل عربي صادق مخلص.
قال الله تعالى : (وما جعله الله إلا بشرى لكم . ولتطمئن قلوبكم به . وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) . ” آل عمران/126 ”
أيها السادة : إن ضجة هذا العيد السعيد،و روعة هذا الاحتفال المهيب، وعظمة هذا النصر المبين. لتغرقني في ضجيج من الذكريات. أتمثل فيها سني الثلاث والنصف في نضالها الدائم ومعاركها المستمرة. وهي معارك لم يتعرف قطر ثائر على أشد منها فتكا ولا أروع هولا. ولا أطول مدة. ولا أكبر ضحايا. فالحمد لله الذي أحياني حتى رأيت نتائج جهاد الأمة، وحتى رأيت الشعب يقطف ثمرات جهاده الطويل.
وإني لأتمثل الآن إخواني الأبطال الذين سقطوا صرعى في ميادين الشرف والجهاد. أولئك البواسل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فما تراخت لهم عزيمة. وما فترت لهم همة. وما ضعفت في نفوسهم حدة القتال. ولا خمدت فيها جذوة النضال. (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فمنهم من قضى نحبه. ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) ” الأحزاب 23 ” .
فأما الذين قضوا ففي سبيل الله والوطن. وأما الذين ينتظرون فهم يعتقدون إن إنكار الذات، والبعد عن التبجح. والنفرة عن المظاهر، إن هو إلا نوع من أنواع الجهاد، بل ومن أقدس واجبات الجهاد . والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
أيها السادة :
إن الاستقلال الذي نتمتع به الآن طليقاً من كل قيد. نقياً من كل شائبة. إن هو إلا ثمرة جهاد طويل أريقت فيه دماء ذكية.
واستشهد فيه أناس كثيرون. (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ” فصلت 35 ” وإن هذا اليوم الضاحك الطروب الذي تنفست فيه أنجاد سوريا ووهادها الصعداء لهو الحلم الهانيء الذي أغمض عليه الشهداء أعينهم تحت أزيز الرصاص ودوي المدافع. وهو اليوم الذي سفكت من أجله دماء الأبطال في جبال العلويين، والدروز والزاوية. وفي كل بقعة من بقاع هذا الوطن العزيز. إنه اليوم الفصل الذي كنتم توعدون.
فتحية العروبة والجهاد نهديها إلى أولئك المجاهدين الذين ما انفكوا يضربون بسيف عقيدتهم الراسخة. ويطعنون بسنان إيمانهم الصادق. أكباد السياسة الخائنة التي عاثت فساداً بحظائر هذا الوطن. حتى أذهب الله عنه رجس الاستعمار. وطهره تطهيرا.
الحمد لله الذين صدقنا وعده، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله .” البقره 249″
ولكن المجاهدين السوريين لا يعتبرون أن واجبهم في الجهاد قد انتهى ما لم تجل الجيوش الأجنبية عن كافة الأقطار العربية.
أيها السادة :
أحب أن لا تقعد بكم سلافة الفوز عن القيام بالواجبات المفروضة على كل منكم تجاه أمته وبلاده، وهي واجبات جسيمة تتطلب منكم السهر والحذر. والعمل بلا إبطاء، والجد بلا تهاون. فالبلاد الآن بأمس الحاجة إلى جهود أبنائها العاملين. ورجالها المخلصين. لإصلاح ما أفسده المستعمر. وللقضاء على طائفية بغيضة. ورجعية مقيتة. فنحن لا نزال في صميم الجهاد. ولقد انتهينا من جهاد أصغر، إلى جهاد أكبر. ونحن أحوج من نكون إلى التكاتف والتضامن، والى الإخاء والتعاون. وان أي انحلال في الصفوف من شانه أن يؤثر على سفينة الإصلاح.
وقد قال الله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ” الأنفال46 ” وإن إيثار الصالح العام، على الصالح الخاص، هو فرض واجب على كل وطني مخلص. وإن الأمور لا تستقيم ولا تستقر إلا إذا عرف كل واحد من الأمة واجبه فقام به خير قيام . (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) “التوبه 105”. وإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) النحل 128″ .
حيوا معي هذا العلم المفدى. واهتفوا باسم سوريا الحبيبة، وباسم فخامة السيد شكري القوتلي قائد نهضتها الجبارة المظفرة.
والسلام عليكم
من مفكرة الشيخ محمد عيسى محمد آل الشيخ إبراهيم حول مشاركة الشيخ صالح العلي في احتفال عيد الجلاء الأول عام 1946:
في يوم الأحد 14نيسان 1946 استقبل الشيخ صالح العلي من أتى للقائه قبل ذهابه إلى دمشق ومن بينهم السادة : الشيخ كامل الخطيب والشيخ محمود سليمان الخطيب و السيد علي الخطيب والسيد صالح علي الخطيب .وآخرين . وفي يوم الاثنين 15 نيسان انطلق الشيخ من دارته في قرية الرستي – أحد أحياء مدينة الشيخ بدر حاليا – لحضور عيد الجلاء برفقة صهره – زوج ابنته الكبرى حفيظه – الشيخ محمد عيسى محمد آل الشيخ إبراهيم .قرية بتمانا جبله . و الشيخ إبراهيم يوسف آل الشيخ علي عيد . قرية بشراغي جبله . إلى مدينة صافيتا – البرج – حيث تغدى الشيخ مع مرافقيه في منزل النائب الأسبق في البرلمان السوري الدكتور عبد اللطيف اليونس. . ثم مضى الشيخ بصحبة صهره الشيخ محمد , والشيخ إبراهيم والسيد عبد اللطيف , وحارسه الشخصي إلى مدينة طرابلس الشام ومن ثم وصلوا ليلا إلى مدينة حمص حيث قام الشيخ ومرافقيه بزيارة فخامة الرئيس هاشم الأتاسي في دارته . ثم غادر إلى دمشق حيث نزل في يوم الثلاثاء 16 نيسان مع مرافقيه أوتيل” أوريان بالاس” الشرق حاليا جانب محطة الحجاز . وفي يوم الأربعاء 17نيسان 1946 ألقى الشيخ كلمته في عيد الجلاء الأول على مدرج الجامعة السورية بحضور رئيس الجمهورية السورية فخامة الرئيس شكري القوتلي وحضور بقية المسؤولين السوريين والوفود من العالم العربي المشاركة بالاحتفال , و في يوم الخميس 18 نيسان حضر الشيخ مع المحتفلين عند النصب التذكاري للجلاء في شارع الملك فاروق ومن ثم في الجامعة السورية حيث أقيمت خطابات الجمهور . وبعد ذلك يدعو فخامة رئيس الجمهورية شكري القوتلي الشيخ ومرافقيه إلى الغداء في مزرعته بقرية ” بالا ” غوطة دمشق , وفي يوم الجمعة 19 نيسان بعد لقاءات ودية و رسمية الشيخ بصحبة صهره الشيخ محمد إلى حمص ومن ثم إلى طرابلس الشام حيث وصلا ليلا وناما بها وبقيا طيلة يوم السبت 20 نيسان في طرابلس الشام حيث قاما ببعض الزيارات الودية , وفي يوم الأحد 21 نيسان الشيخ يغادر طرابلس الشام بصحبة صهره الشيخ محمد إلى مدينة اللاذقية حيث ناما فيها ورجعا معا يوم الاثنين 22 نيسان ظهرا إلى دارة الشيخ صالح العلي في مزرعة بيت النبع – قرية كاف الجاع – قدموس .يوم الثلاثاء 23 نيسان يرتاح الشيخ من عناء السفر . في يوم الأربعاء 24 نيسان يبدأ الشيخ باستقبال المهنئين بعيد الجلاء , ومنهم : – الشيخ صالح محمد آل الشيخ إبراهيم من قرية بتمانا جبله . الشيخ محمود سليمان الخطيب . والشيخ كامل الخطيب . والسيد علي الخطيب . والسيد صالح علي الخطيب . وآخرين .
* من ” مفكرة جيب ” لأبي : الشيخ محمد عيسى محمد آل الشيخ إبراهيم . ع .إ .