عام
محاولة إغتيال الكولونيل ستيرلينغ في دمشق عام 1949
محاولة إغتيال الكولونيل ستيرلينغ في دمشق عام 1949
كان الكولونيل ستيرلينغ ضابط مخابرات بريطاني أمضى حياته في الدول العربية، وعمل تحت غطاء مراسل لصحيفة “التايمز” البريطانية في دمشق.
تعرض الكولونيل ستيرلينغ إلى محاولة إغتيال في مساء السادس من تشرين الثاني عام 1949 في مكان إقامته في دمشق.
أصيب الكولونيل جراء محاولة الاغتيال بجروح طفيفة، وأصيب معه خادمه بجروح خطيرة، كما جرح شرطي كان يقف أمام المنزل.
يقول محمد معروف : ( أن الصحافة السورية صورت الكولونيل ستيرلينغ بأنه من عملاء بريطانيا الخطيرين، وأن محاولة إغتياله ما هي إلا سلسة من المحاولات لخلق جو من الفوضى والاضطراب في البلاد).
ويضيف : (كثرت التكهنات والاستنتاجات في هذا الموضوع، وقد اعتقل المكتب الثاني فيما بعد اثنين من الذين قاموا بالعملية ، أحدهما ارتبط اسمه بمصر والآخر بالسفارة السعودية، وثبت في النهاية أن وراء محاولة اغتيال الكولونيل ستيرلينغ ومحاولات أخرى جرت في سورية -مثل ضرب الكنيس اليهودي، تفجير مكتب الأونروا، محاولة الاعتداء على السفارتين البريطانية والأميركية، وفيما بعد محاولة إغتيال الشيشكلي- هي من أعمال منظمة تدعى “كتيبة الخلاص العربي” أسسها القوميون العرب، وكان من أعضائها البارزين جورج حبش، هاني الهندي،جهاد ضاحي، وقد ترأس الفرقة التنفيذية لهذه المنظمة كل من حسين توفيق وعبد القادر أمير من مصر وغيرهم.
ثم تطورت هذه المنظمة كثيراً فيما بعد وحصلت من بعض الدول العربية على السلاح والمال الوفير.
وقد اُتهم كل من وزير الدفاع السابق أحمد الشرباتي، والدكتور أمين رويحة ونشأت شيخ الأرض وغيرهم بالتورط بأعمال هذه المنظمة.
تفاصيل حادثة الاعتداء بحسب رواية مراسل صحيفة ألف باء:
نشرت صحيفة ألف باء تفاصيل عن حادثة الاعتداء على الكولونيل ستيرلينغ، فيما يلي تقرير مراسل الصحيفة:
في الساعة التاسعة من ليل يوم الأحد طرق ثلاثة أشخاص باب الكولونيل ستيرلينغ الكائن في زقاق الصخر ففتح لهم الطاهي المدعو علي بن مصطفى أبو اللبن الفلسطيني التبعة.
فسألوه عن الكولونيل فقال لهم أنه موجود في مكتبه فطلبوا منه إخباره بأنهم يريدون مقابلته لأمر خاص ، فصعد الطاهي إليه وكان عنده بعض الضيوف، بينهم أحد موظفي المفوضية الأميركية وزوجته، والدكتور الطونيان من مدينة حلب وزوجته، وبعض الشخصيات البريطانية فأبلغه نبأ الضيوف، فطلب إليه إبلاغهم أن يقابلوه في اليوم التالي لانشغاله مع ضيوفه.
فعاد الطاهي وأبلغهم جواب سيده، فقالوا له أن يبلغ سيده أنهم قادمون من الجزيرة، وأنهم من أتباع أدهم باشا ويريدون مقابلته لأمر خاص.
فعاد الطاهي إلى سيده وأبلغه ثانية بذلك، فآذن لهم بالدخول، واعتذر من جلساته مؤقتاً وخرج إلى بهو الدار.
دخول الجناة الدار
فدخل الشبان الثلاثة الدار وكانوا يرتدون الألبسة الأوربية، فاستقبلهم الكولونيل في مكتبه بالترحاب، وجلس أحدهم على مقعد بينما جلس الآخران على “شازلونغ”.
أما الكولونيل فكان جالساً وراء منضدته، وهمّ الكولونيل بتقديم سيغارة، وأخذ يشعلها، في هذه الأثناء شهر الشخص الجالس على المقعد مسدساً من جيبه وأطلق منه ثلاث عيارات أصاب أحدهما الكولونيل في يده اليمنى والثاني في معدته، والثالث في رقبته.
مجئ الخادم
وعلى أثر إطلاق الرصاص هرع الطاهي إلى مكتب الكولونيل فبادره أحد الثلاثة بعدة طلقات نارية أصابته في جسمه، وخرج الثلاثة من البهو وفي صحن الدار وأطلقوا عدة طلقات أخرى.
فسارع من في الدار وسار الشخص الذي أطلق النار في المقدمة وبيده المسدس.
ينضم إليهم اثنان:
وسار الثلاثة مجتازين زقاق الصخر، وعند وصولهم إلى مفرق كنيسة الفرنسيسكان انضم إليهم شخصان آخران، وتابع الخمسة سيرهم وهم تارة يمشون الهوينا وأخرى يهرولون لاجتياز شارع الشعلان إلى أن وصلوا مكتب حزب البعث.
وهنا تصدى لهم أحد المارة وحارس الحي المدعو محمود بن محمود مهراب فبادروا الحارس بطلقين ناريين أصاباه في وجهه ثم واصلوا سيرهم من شارع السبكي فشارع الصالحية فحارة دك الباب فالمزرعة حيث ضاع أثرهم هناك.
مجئ رجال الأمن:
ولم يمض على وقوع الحادث سوى برهة وجيزة حتى حضر إلى دار الكولونيل عدد من رجال الشرطة على سيارات جيب ولحقوا بالمعتدين .
وحضر أيضاً إلى الدار مدير الشرطة ومفوض التحري ، ورئيس دائرة الأمن العام ورئيس شرطة الجيش ورئيس المكتب الثاني وباشروا في التحقيق.
ستيرلينغ لا يعرف الجناة
وكان الكولونيل ستيرلينغ منكباً على طاولة فنقلوه في الحال إلى مستشفى السادات القريب من منزله، ونقل الطاهي والحارس إلى المستشفى الوطني.
وكانمدير الشرطة والأمن العام قد سأل الكولونيل قبل نقله عما إذا كان يعرف أو يشتبه بأحد من المعتدين، فأجاب بأنه لا يعرفهم ، وإنما قالوا بأنهم من الجزيرة، وهنا غاب الكولونيل عن وعيه.
عمليات إيقاف النزيف
وقد أجريت للكولونيل ستيرلينغ في الحال عملية جراحية لإيقاف النزيف الذي أصيبت به الكبد، وقد أجرى العملية بنجاح الدكتور توماس مدير مستشفى فكتوريا الإنكليزي في القصاع ، وساعدهما أيضا الدكتور منير السادات الري عمل قام بعملية التخدير.
اللواء الحناوي يصدر أوامره المشددة
وحوالي الساعة الحادي عشرة ليلا وصل إلى منا سيكون ستيرلينغ . عطوفة اللواء ناظم القدسي يرافقه الدكتور وأسعد طلس الأمين العام لوزارة الخارجية متفقداً مكان الحادث، وأصدر اللواء أوامر مشددة بوجوب معرفة الفاعلين واعتقالهم مهما كلف الأمر.
تحريات واسعة والقبض على المشبوهين:
وعلى الأثر صدرت الأوامر إلى جميع مخافر الحدود السورية بوجوب تحري كل سيارة ومعرفة هوية ركابها.
وجرت تحريات واسعة طيلة الليل في عدد من أحياء المدينة وأوقف على أثرها 12 شخصاً من المشتبه بهم.
وقد حضر إلى دائرة الشرطة في الليل قاضي التحقيق الأستاذ رشدي الحامد، وبدأ التحقيق مع شهود الحادث، وقد استمر التحقيق مساء أمس “7 تشرين الثاني”.
حرصاً على سلامة التحقيق
وظهر أمس قابل مدير الشرطة والأمن العام معالي وزير الداخلية بالوكالة وأطلعه على تفاصيل الحادث وعلى المعلومات الأولية التي توصل إليها المحققون وعلى التدابير التي اتخذت للاهتداء إلى المعتدين وإلقاء القبض عليهم.
ولما سئل المدير بعد خروجه عن سير التحقيق أجاب بأنه يجري بسرعة وأبى أن يدلي بتصريح عما وصل إليه التحقيق حفظاً على سلامته.
وكان متوقعاً أن يصل مساء أمس قادماً من بيروت الدكتور كسربتشانغ أستاذ الجراحة في جامعة بيروت الأميركية لمعاينة الكولونيل والأشراف على حالته.
حالة الكولونيل مرضية
وقد علمنا من مستشفى السادات ليل أمس أن حالة الكولونيل وإن تكن حرجة ولكن مرضية. وأن الخطر مايزال ماثلاً بنسبة خمسين بالمئة وحتى كتابة هذه السطور ما يزال فاقد الوعي لا يتمكن من الأداء بأي شئ لرجال التحقيق.
من هو الكولونيل ستير لينغ:
جاء الكولونيل ستير لينغ إلى سورية أثناء الحرب العالمية الثانية ، وكان يشغل وظيفة ضابط ارتباط بين القيادة البريطانية وبين رجال القبائل السورية، وهو معروف في البلاد العربية منذ الحرب العالمية الأولى فقد رافق حملة اللنبي إلى البلاد العربية ، وعين حاكماً عسكرياً المدينة يافا، وله عدد من أصدقاء بين زعماء وساسة العرب.
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية فضل جنابه البقاء في سورية حيث أخذ يراسل صحف “التايمز” اللندنية الكبرى، كما أخذ وكالة بعض مصانع الدراجات البريطانية.
صحيفة ألف باء- دمشق، العدد 8166 الصدر يوم الثلاثاء في 22 تشرين الثاني 1970
المراجع والهوامش:
(1). محمد (معروف)، أيام عشتها 1949- 1969، الانقلابات العسكرية وأسرارها في سورية، دار رياض الريس، الطبعة الأولى، تشرين الثاني 2003، ص 171.
المراجع والهوامش:
(1). محمد (معروف)، أيام عشتها 1949- 1969، الانقلابات العسكرية وأسرارها في سورية، دار رياض الريس، الطبعة الأولى، تشرين الثاني 2003، ص 171.