نسيب عريضة
النشأة والدراسة:
ولد نسيب عريضة في حي بستان الديوان بحمص يوم 17 آب 1888م.
والده أسعد عريضة، ووالدته سليمة حدّاد.
تلقّى تعليمه الأساسي في المدرسة الأرثوذوكسية بحمص وتخرّج منها بتفوق، وكان قد تأثر بالأستاذ داوود قسطنطين الخوري، أما علوم اللغة العربية فقد كان الأستاذ يوسف شاهين يعنى به عناية خاصة وهو في الثالثة عشرة من عمره.
ثم ابتعث إلى الناصرة في فلسطين ليدرس في المدرسة الروسية الداخلية على حساب الجمعية الفلسطينية الروسية الإمبراطورية، ودرس المرحلة الثانوية في دار المعلمين، وتخرج منها بتفوق، كما أتقن اللغة الروسية بشكل تام، فرشّح لإيفادة إلى روسيا من أجل متابعة دراسته العليا، ولكن نشوب الحرب الروسية اليابانية عام 1905م حال دون ذلك، فقضى سنة إضافية في الناصرة، لتصبح مدة مكوثه فيها خمس سنوات، وهناك التقى بصديق عمره الأديب ميخائيل نعيمة.
بدايات العمل الأدبي في المغترب: مطبعة الأتلنتيك ومجلة الفنون:
هاجر نسيب عريضة إلى نيويورك عام 1905م فعمل في مصنع نسيج يخصّ أقرباءه لسبع سنوات، حيث عمل كاتبًا تجاريًا.
ثم انصرف إلى الشعر والأدب، فقد أغرم بالقراءة والأدب منذ صغره، فأخذ ينشر مقالاته وأشعاره في جرائد المهجر، وأسس في نيويورك مطبعة “الأتلنتيك” عام 1912م، وكانت تقع في شارع واشنطن 104. وقد كتب مؤسسها نبذة عنها بعد حوالي عام:
“مطبعتنا على حداثة عهدها قد اكتسبت شهرة لإتقانها ودقة ضبطها مطبوعاتها وكلّ ما يطلب منها من الأشغال. وهي أفضل محلّ تحصل فيه على إتقان مطبوعاتك العربية والإنكليزية”.
بعد عام من تأسيس مطبعة الأتلنتيك، قام بإصدار مجلة “الفنون” الأدبية الشهرية في نيسان 1913م، بالتعاون مع نظمي نسيم. وقد كانت “المحاولة الأولى لمجلة ثقافية وفنية ضمن مجتمع المهجر العربي في نيويورك”. واقد اتخذت مقرّ المطبعة موقعًا لها، فأعطاها كامل وقته وجهده، وقال فيها:
“سوف نقدّم لقرائنا أحسن الكتابات العربية. هدفنا الأكبر هو أن نترجم إلى العربية أجمل ما في اللغات الأخرى”.
وأضحى لتلك المجلة مكانة مهمة في أميركا والوطن العربي، وساهم في الكتابة بها خيرة أدباء العرب في المهجر، كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي ورشيد أيوب وعبد المسيح حداد و وليم كتسفليس وندرة الحداد. وفي هذا الشأن أرسل نسيب عريضة إلى صديقه ميخائيل نعيمة رسالة كتب فيها:
“عندي من الآمال ما يجعلني أثق بأنها ستبقى ثابتة بعد أن تناضل وتفتح لها طريقًا جديدًا بين خرابات العالم الأدبي العربي”.
ولكن لسوء حظ نسيب؛ توقّفت المجلة ثلاث مرات لضائقة مالية وعدم مساهمة المشتركين بتسديد اشتراكاتهم لكنها احتجبت عام 1914م بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى بعد أن صدر منها تسعة أعداد، ثم عادت واستأنفت الصدور في حزيران من عام 1916م، وكانت قد اتخذت مديرًا لأعمالها السيد راغب متراج، والشهير نجيب هواويني خطاطًا لها، وتغيّر مقرّها فأصبح في شارع 55 برودوي (Broadway) في نيويورك، فأصدرت 16 عددًا حتى تشرين 1917م. ثم توقّفت وعادت إلى الظهور مرة أخيرة فصدر منها أربعة أعداد، إلى أن توقفت نهائيًا عام 1918م، وكان مجموع أعدادها 29 عددًا.
وقد كان توقف المجلة صدمة عنيفة لنسيب، حيث أرسل لصديقه ميخائيل نعيمة رسالة قال فيها:
“لقد خسرت معركتني وسقطت آمالي حولي، والآن وقد فرغ مالي وبخل عليّ المشتركون بما عليهم، فليس لي إلا أن أقف وقد وقفت، ولا أدري أتتحرك قدماي أم تيبسان إلى الأبد”.
أثناء الحرب العالمية الأولى؛ كان نسيب عريضة عضوًا في اللجنة الإغاثية السورية اللبنانية، التي تأسست لإرسال المساعدات الإنسانية لسورية ولبنان التي كانت تعاني من المجاعة أثناء الحرب. كما انضمّ عام 1917م إلى لجنة المتطوعين السوريين اللبنانيين، والتي كان هدفها تشجيع التجنيد الطوعي للسوريين الأميركيين إلى جانب قوات التحالف لمحاربة الأتراك العثمانيين في الأراضي العربية.
الرابطة القلمية ومتابعة النشاط الأدبي:
يذكر ميخائيل نعيمة أن فكرة الرابطة القلمية تعود إلى عام 1916م، وأصل تلك الفكرة كان عبر الحمصيين نسيب عريضة وعبد المسيح حداد، ويبدو أن ذلك كان واضحًا عبر المشاركة المستمرة لجبران خليل جبران ونعيمة في مجلة الفنون. أما التأسيس الرسمي لها فكان ليلة الثامن والعشرين من نيسان 1920م، في لقاء جمع أعضاءها في منزل جبران الذي انتخب رئيسًا لها. أما نسيب عريضة فكان من أركانها الأربعة التي ضمّت كذلك مواطنه الحمصي عبد المسيح حداد.
وعبر الرابطة تابع نسيب عريضة نشاطه الأدبي عبر جريدة “السائح” لعبد المسيح حداد، وذلك بعد أن ترك التجارة التي عمل بها لفترة مع أبناء عمه. وعرف عنه في تلك الفترة اعتياده على التوقيع بأسماء مستعارة، مثل “أ”، مَلِك، الغريب الساكت.
ثم تولّى رئاسة تحرير جريدة “مرآة الغرب” لصاحبها نجيب دياب، وانتقل عام 1937م إلى رئاسة تحرير جريدة “الهدى” لصاحبها نعيم مكرزل. وأثناء الحرب العالمية الثانية عيّن محررًا بالقسم العربي في مكتب الاستعلامات الحربية الأميركية لمدة عامين، ثم اعتزل بسبب مرض أصابه في الكبد والقلب، فعكف على جمع قصائده وطباعتها في ديوان. وكان قد دفع بالفعل قصائده إلى المطبعة، إلا أن المنية عاجلته حينما كان ديوانه قيد التجليد، وذلك في 25 آذار 1946م.
وقد نقل رفاته إلى ضريح جديد بمقبرة غرينوود في بروكلين عام 1954م وأقيمت له حفلة تأبين كبرى، أزيح فيها الستار عن الشاهدة الرخامية التذكارية، التي حفر عليها رسمٌ يحاكي الأبيات التالية، التي نقشت كذلك على القبر:
أقيموا على قبري من الصخر دميةً … بها رمزُ عيشتي بعد موتي يعرضُ
يدان بلا جسمٍ تُمدّان في الفضا … تُمدّان من صخرٍ على القبر يربضُ
فيمناها مبسوطةٌ تشحذُ الجدا … لتشبعَ جوعَ النفس والجوعُ يرفضُ
ويسراها فيها فؤادٌ مضرّجٌ … تقدّمه للناس والناسُ تُعرضُ
أقام المركز الثقافي العربي في حمص بتاريخ 11 نيسان 1963م مهرجانًا حمل عنوان “فقيد الشعر العربي نسيب عريضة”، تحت رعاية وزير الثقافة د. سامي الجندي، في قاعة نادي الرابطة الأرثوذوكسية، شارك فيه كل من الأدباء: د. سامي الجندي، عبد المسيح حداد، عدنان الداعوق، نظير زيتون، ميخائيل نعيمة، شكري هلال، وعبد المعين الملوحي مدير المركز. ولاحقًا سمّيت مدرسة في حي الحميدية بحمص باسمه.
كان قد اقترن عام 1923م بالسيدة نجيبة حداد (1886-1976)، أخت صديقيه عبد المسيحي وندرة حداد، ولم يعقب، لكنهما ربّيا نورة حداد (1914-2001)؛ ابنة شقيق زوجته عبد المجيد حداد بعد وفاة والدتها، فكانت بمثابة ابنتهما.
وصفه صديقه ميخائيل نعيمة فقال فيه: “كان ممتازًا بأخلاقه فهو وديع، لطيف، خجول، دافئ اللسان، لا يغتاب ولا ينمّ، وهذه الصفات رافقته حتى آخر حياته.
آثاره الأدبية:
تنوّعت آثار نسيب عريضة بين الشعر والنثر والقصة والترجمة. ففي الترجمة له كتاب “أسرار البلاط الروسي”، وهي رواية مترجمة عن الروسية طبعت عام 1933م بمطبعة الهدى في نيويورك، وكان قد نشر الفصل الأول منها في مجلة الفنون عام 1913م.
وفي القصة؛ فله القصتان التاريخيتان “ديك الجن الحمصي” و”الصمصامة” المنشورتان في مجموعة الرابطة القلمية، بالإضافة إلى مقالات وفصول ونثريات مختلفة نشرت في بعض دوريات المهجر.
أما المجال الذي اشتهر به وتميّز فهو الشعر، فكان له الديوان الشهير “الأرواح الحائرة”، الصادر عن مطبعة جريدة الأخلاق في نيويورك عام 1946م. وهو في نحو 285 صفحة من القطع الكبير ويحتوي على 95 قصيدة، منها مطوّلتان: على طريق إرم (236 بيتًا)، واحتضار أبي فراس (72 بيتًا). وهذه الأخيرة نشرها أدهم الجندي في كتابه كاملة. وهي بحسب صالح الرزوق “أول دراما شعرية مكتملة الأركان بعد مسرحية المروءة والوفاء لخليل اليازجي عام 1876م”.
ويضمّ هذا الديوان مجموعة متنوعة من الموضوعات الوجودية، أهم محاورها رحلته في البحث عن المعرفة الحقيقية، فوصف بشعار الحيرة المتشككة. وغلب على شعره التأمل وشكوى الحياة والبؤس، كما ظهرت فيه خيوط إنسانية قوية، واقتربت بعض قصائده من الشكل الملحمي.
صدر هذا الديوان مؤخرًا بطبعة جديدة من مكتبة بيسان في بيروت عام 2018م، بتقديم من ميشال جحا.
انظر:
أربعة من أعلام الأدب المهجري الذين شاركوا في تأسيس الرابطة القلمية
المراجع والهوامش:
(1). رغم أن كل المصادر تذكر تاريخ الميلاد هو العام 1887م، إلا أن أدهم الجندي هو الوحيد الذي قال أنه عام 1888م، وتدعم ذلك شاهدة قبره في مقبرة غرينوود في بروكلين، نيويورك.
(2). زيتون، (نظير)، نسيب عريضة: شاعر الغربتين (مقالة)، مجلّة الأديب - العدد: 8، 1 آب 1963م
(3). أبو حنا، (حنا)، طلائع النهضة في فلسطين: خريجو المدارس الروسية 1862-1914، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
(4). زيتون، (نظير)، نسيب عريضة: شاعر الغربتين (مقالة)، مجلّة الأديب - العدد: 8، 1 آب 1963م
(5). Bushrui, (Suheil), Kahlil Gibran of Lebanon (1987)
(6). متري، (كنان)، البحث عن المجهول عند نسيب عريضة، (مقالة)، 20 آب 2008م، موقع eSyria
(7). الأحمد، (خالد عواد)، معالم وأعلام من حمص، 182
(8). وقيل عشرة، حسب بوابة الشعراء. والأصحّ بالحساب تسعة.
(9). متري، (كنان)، البحث عن المجهول عند نسيب عريضة، (مقالة)، 20 آب 2008م، موقع eSyria
(10). الأحمد، (خالد عواد)، معالم وأعلام من حمص، 183
(11). Medici, (Francesco), Naseeb Arida, un poeta siriano tra New York e Iram, Istituto euroarabo di Mazara del Vallo (istitutoeuroarabo.it), Dialoghi Mediterranei, n. 47, gennaio 2021
(12). Medici, Dialoghi Mediterranei, n. 47, gennaio 2021
(13). Medici, Dialoghi Mediterranei, n. 47, gennaio 2021
(14). صحيفة الإصلاح، 8 كانون الأول 1954م
(15). صحيفة الإصلاح، 1 كانون الأول 1954م
(16). متري، (كنان)، البحث عن المجهول عند نسيب عريضة
(17). الجندي، (أدهم)، أعلام الأدب والفن (1/106)
(18). الرزوق، (صالح)، اليوتوبيا المفقودة: قراءة في «الأرواح الحائرة» لنسيب عريضة، صحيفة القدس العربي، 2 أيار 2021م
(19). بوابة الشعراء، نسيب عريضة.
المراجع والهوامش:
(1). رغم أن كل المصادر تذكر تاريخ الميلاد هو العام 1887م، إلا أن أدهم الجندي هو الوحيد الذي قال أنه عام 1888م، وتدعم ذلك شاهدة قبره في مقبرة غرينوود في بروكلين، نيويورك.
(2). زيتون، (نظير)، نسيب عريضة: شاعر الغربتين (مقالة)، مجلّة الأديب - العدد: 8، 1 آب 1963م
(3). أبو حنا، (حنا)، طلائع النهضة في فلسطين: خريجو المدارس الروسية 1862-1914، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
(4). زيتون، (نظير)، نسيب عريضة: شاعر الغربتين (مقالة)، مجلّة الأديب - العدد: 8، 1 آب 1963م
(5). Bushrui, (Suheil), Kahlil Gibran of Lebanon (1987)
(6). متري، (كنان)، البحث عن المجهول عند نسيب عريضة، (مقالة)، 20 آب 2008م، موقع eSyria
(7). الأحمد، (خالد عواد)، معالم وأعلام من حمص، 182
(8). وقيل عشرة، حسب بوابة الشعراء. والأصحّ بالحساب تسعة.
(9). متري، (كنان)، البحث عن المجهول عند نسيب عريضة، (مقالة)، 20 آب 2008م، موقع eSyria
(10). الأحمد، (خالد عواد)، معالم وأعلام من حمص، 183
(11). Medici, (Francesco), Naseeb Arida, un poeta siriano tra New York e Iram, Istituto euroarabo di Mazara del Vallo (istitutoeuroarabo.it), Dialoghi Mediterranei, n. 47, gennaio 2021
(12). Medici, Dialoghi Mediterranei, n. 47, gennaio 2021
(13). Medici, Dialoghi Mediterranei, n. 47, gennaio 2021
(14). صحيفة الإصلاح، 8 كانون الأول 1954م
(15). صحيفة الإصلاح، 1 كانون الأول 1954م
(16). متري، (كنان)، البحث عن المجهول عند نسيب عريضة
(17). الجندي، (أدهم)، أعلام الأدب والفن (1/106)
(18). الرزوق، (صالح)، اليوتوبيا المفقودة: قراءة في «الأرواح الحائرة» لنسيب عريضة، صحيفة القدس العربي، 2 أيار 2021م
(19). بوابة الشعراء، نسيب عريضة.