هاشم الأتاسي حياته – عصره ..
الفصل الأول – البيئة والعائلة
عرفت عائلة الأتاسي في حمص منذ ما يزيد عن ستة قرون، واشتهر أبناؤها بالعلم والتقوى، فتبؤوا أعلى المناصب في القضاء والإفتاء في هذه المدينة وفي غيرها من المدن الشامية مثل طرابلس الشام، وذلك موثق في السجلات الدينية والقضائية والإدارية وعلى شواهد القبور في حمص منذ بدايات القرن الخامس عشر الميلادي.
وإذا كانوا معروفين بشكل موثق كعلماء دين وقضاة ووجهاء بحمص في تلك الفترة، فمن المرجح أنه كان مضى على وجودهم في هذه المدينة قبل ذلك زمن ليس بالقصير ولا يمكن تحديده لانعدام وجود الوثائق. وبالتالي لا يمكن بشكل مؤكد تحديد الجهة التي كانوا أتو منها إلى حمص.
بعض الباحثين في أصل العائلة البعيد يستنتج، من تشابه تركيبة كلمة أتاسي، كما تلفظ اليوم مع بعض الكلمات التركية، ومن أن بعض أهالي حمص هم من أصل تركماني، إن أصلهم تركي أو تركماني.
ويذهب البعض الآخر إلى أن اسم أتاسي هو عطاسي وهو عائلة عربية من أشراف المدينة المنورة لها تفرعات في جنوب اليمن وأندونيسيا. كما إن القبائل العربية شرقي حمص كانت ومازالت تسمي العائلة : العطاسي.
ومهما كان الأصل البعيد للعائلة فهي حمصية منذ ما يزيد عن ستة قرون بشكل أكيد وكان مركزها الأساسي في حي الباب المسدود قرب القلعة. ويمكن إذاً اعتبارها ذات أصل حمصي فقط.
كان إبراهيم (1710 -1782) جدّ جدّ هاشم الأتاسي مفتياً على حمص، اختلف ودخل في جدال حاد مع والي الشام أسعد باشا العظم. شكاه هذا إلى الصدر الأعظم في اسطنبول فعُزل إبراهيم من منصب الإفتاء في حمص وسافر إلى اسطنبول حيث مكث فيها فترة من الزمن ثم عُين مفتياً على طرابلس الشام. في هذه المدينة تزوُج من جديد فتاة طرابلسية أنجب منها ابنه عبد الستار.
توفي إبراهيم في طرابلس، وبعد فترة عاد ابنه عبد الستار (توفي عام 1829) إلى حمص حيث عُين مفتياً عليها. وينتسب قسم كبير من أفراد عائلة الأتاسي الآن إلى فرع عبد الستار. أنجب عبد الستار ثلاثة أبناء، سعيد، محمد، وأمين، استلم سعيد (ولد عام 1799) منصب الإفتاء بعد أبيه، ثم عزل عن منصبه وتوفي عام 1859.
تلاه في منصب الإفتاء أخوه محمد الذي عمّر طويلاً، (ولد عام 1801) وبقي مفتياً حتى وفاته عام 1882، وأثناء توليه منصب الإفتاء وقعت الفتنة الطائفية في جبل لبنان، وانتشرت إلى دمشق، وقد تجنبها في حمص مع إخوته العلماء، فلم تقع أية حادثة طائفية فيها، وبالتالي توقف انتشارها إلى مناطق أخرى. وقد زاره في حمص عام 1861 الأمير عبد القادر الجزائري، وعام 1878 والي الشام مدحت باشا، الذي كان قبل ذلك الصدر الأعظم في اسطنبول.
استلم الإفتاء بعد محمد ابنه خالد (1837- 1908) وهو الد هاشم الأتاسي. كان خالد ذا شخصية قوية متعددة النشاطات والاهتمامات، فبالإضافة لاختصاصه الأصلي بالعلوم الدينية والقانونية كان شاعراً مجيداً، ويهتم كثيراً بالعمران وبالعلوم الحديثة.
اُنتخب نائباً في مجلس المبعوثان عن ولاية سوريا (الشام) عام 1876. كان متسامحاً دينياً، وصديقاً لأبناء الطوائف المسيحية، سمح للكنائس في حمص بأن تدق أجراسها، فذهب وفد من المغالين في التعصب الديني وشكوه باسطنبول إلى السلطات العليا، وتم عزله عن منصب الإفتاء بسبب ذلك، ثم مالبث أن توفي عام 1908م.
كان خالد يدرك أن المستقبل هو للعلوم العصرية فعمل على أن يدرس أبناؤه الثمانية بأحسن المدارس والمعاهد.
وهكذا أرسل ابنه هاشم للدراسة الثانوية في معهد الحكمة في بيروت منذ كان في الحادية عشر من عمره، ثم أرسله بعدها للدراسة في المدرسة الملكية العليا للإدارة في اسطنبول.
وبقي طوال حياته متابعاً للتطورات العلمية، ما جعله يحافظ على نضارته الذهبية حتى آخر يوم في حياته.
إذاً نشأ هاشم في بيئة إسلامية، وفي بيت سياسي حيث انتُخب والده نائباً في مجلس المبعوثان حين كان هاشم طفلاً صغيراً، وتلقى تعليماً دينياً في طفولته الأولى.
أثناء دراسته الثانوية في بيروت بدأت علاقاته مع أقرانه من التلاميذ اللبنانيين والتي توسعت وتعمقت فيما بعد حين عاد إلى هذه المدينة في أول وظيفة إدارية عُين فيها بعد إنتهاء دراسته. وبقي كل حياته المديدة صديقاً محباً للبنان واللبنانيين.
في السادس عشرة من عمره (1889) انتقل إلى اسطنبول لمتابعة دراسته العالية في المدرسة الملكية العليا للإدارة. وهناك توسع أفقه أكثر حيث تعرّف وأقام علاقات صداقة مع كثير من الشباب العرب، وخاصة من بلاد الشام والعراق والحجاز. وبدأ نشاطه السياسي الوطني في هذه المدينة.
من الشخصيات المهمة التي تعرف عليها في هذه المدينة كامل دوّامة (1842- 1901) وهو شخصية حمصية مقيمة في اسطنبول، ويشغل منصباً كبيراً في الدولة “رئيس كتاب المابين”. كان صديقاً مقرباً للسلطان عبد الحميد، ويجوز على ثقته الكاملة. فوضه السلطان في كثير من المهمات الرسمية العالية المستوى: عند قيصر روسيا، في الصين، في أوربا، وغير ذلك..
اهتم كامل دوامة بهاشم وبأموره الدراسية والحياتية ورعاه شخصياًن حتى إنه دعاه ليخطب ويتزوج ابنته، لكن هاشماً اعتذر بلباقة وكياسة عن ذلك بسبب ارتباطه في حمص قبل سفره إلى اسطنبول بخطبة ابنه عمّه وردة التي تزوجها حالما أنهى دراسته العالية.
انظر:
هاشم الأتاسي حياته – عصره .. مقدمه
المراجع والهوامش:
(1). استلم منصب الإفتاء في حمص 17 مفتي من عائلة الأتاسي وفي طرابلس مفتي واحد.
(2). العطاسي: هناك فرع من عائلة الأتاسي في حمص مازال يسمى العطاسي، ومركز سكنه الأصلي حي باب تدمر، شرقي حمص.
المراجع والهوامش:
(1). استلم منصب الإفتاء في حمص 17 مفتي من عائلة الأتاسي وفي طرابلس مفتي واحد.
(2). العطاسي: هناك فرع من عائلة الأتاسي في حمص مازال يسمى العطاسي، ومركز سكنه الأصلي حي باب تدمر، شرقي حمص.