عبد الحميد مشلح: رمضان وليلة القدر في ادلب

عبد الحميد مشلح- التاريخ السوري المعاصر

رمضان وليلة القدر في ادلب

هذا الشّهر هو من أفضل الشهور عند الله، لأنّه أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. هذا الشهر شهر المكرمات، والخيرات، والبر، تنعكس فيه روحانية خاصة على الحياة العامة، فيترفع القوم عن ملاهي الحياة، وينصرفون إلى الطاعات، وارتياد المساجد، ويتحلّقون فيه حول العلماء، والأئمة والوعاظ.

يتفقهون شؤون دينهم ويتبارك الناس برمضان, وإذا ما التقى إنسان بإنسان آخر يقول له: (مباركة طاعتك), فيجيبه الثاني:(الله يبارك فيك). وغالباً ما يبدأ ذلك الأصغر سناً.أما الصبية, فلهم حياة خاصّة في رمضان، ولهم ألعابهم المحبّبة أيضاً، وإذا رأى أحدهم مفطراً فإنهم يتحلقون حوله، ويقولون له ساخرين:

يا مفطر يابمْ

يا دلاء الدمْ

دمك دم الفارْ

براني على النارْ

ويقولون أيضاً:

يا مفطر ياهلأ

يا جربوع معلأ

دمك دم الفارْ

براني على النارْ

أما الصائمون منهم، فينشدون لبعضهم هذا القول :

ياصايم ياهلأ

ويادهب معلأ

دمك دم الحنة

براني على الجنة

وفي المساجد وقبيل آذان العشاء تنشد القصائد ترحيباً برمضان، أذكر منها قصيدة:

روِّح فؤادك قد أتى رمضان

وفي المنازل والبيوت يتقدم الأبناء نحو آبائهم وأمهاتهم ليباركوا لهم بقدوم شهر رمضان المبارك بقولهم: (مباركة طاعتكم) مع تقبيل أيديهم, فيجيب الأبوان: (الله يبارك فيكم، إن شاء الله بتبقوا سالمين إلنا، ولأهل بيتكم)، إن كانوا متزوجين, ومن المفيد هنا أن نذكر أهم الحلويات الشعبية التي لابد منها بعد الإفطار مثل التين بعجين والحلاوة المقبطة وأقراص اللبى, وتقدم هذه الحلويات للضيوف والزائرين المباركين برمضان حيث يتم تبادل الزيارات، وتقام السهرات الطويلة بين الأقارب في رمضان. أما موائد طعام الإفطار في إدلب فهناك أكلات تقليدية يحافظ عليها الناس، ويحرصون على وجودها على موائدهم وقت الإفطار هي الكبة النيئة والشوربة والفتوش والزعتر الأخضر الأشواني والتمر, ويتبادل الناس الأطعمه في هذا الشهر الكريم، فترى الموائد عامرة بالأطعمة اللذيذة، ونصفها يكون عبارة عن سكب الجيران.

أما الصبية فيتواعدون, لينشدوا بعد الإفطار لزملائهم الأناشيد المعروفة في إدلب, وهاهم يتفقون على أن ينشدوا نشيد(حليليي مليليي) لزميلهم خالد، ونشيد (أول ما نبدا سلّم سلّم) لزميلهم محمد، ونشيد (من العادة) سينشدونه لزميلهم علي.

وكان اللقاء باب دار خالد أول من ينشد له، ومع بدء الصبية بالنشيد يخرج أبو خالد ليدخلهم.

أبو خالد: هيا يا أولاد ادخلوا إلى الدار.

الصبية: يدخلون إلى باحة الدار، ويكملون نشيدهم حليليي مليليي:

حليلي مليلي

وبعد انتهاء الصبية من النشيد يهمس أحدهم في أذن خالد سننشد لزميلنا محمد.

تضع أم خالد الحلويّات (أقراص بلبى) وهي تقول: تفضّلوا يا أولاد لايمكنكم الخروج قبل تناول الحلويات .

يجلس الصبية إلى المائدة, وينالون ماينالون من الحلويات, ويخرجون بعدها الى منزل زميلهم محمد ومعهم خالد،

هذا هو حال الصبية في رمضان، فما حال كبار السن؟

يذهب الكبار بعد الإفطار إلى المساجد ليصلوا العشاء والتراويح، ثم يقوم الأقارب بزيارة بعضهم بعضاً للمباركة برمضان والمسامرة بالأحاديث، أما فترة السَحَر من شهر رمضان, فلها طعم خاص، إذ يخرج المسحّرون, وهم يحملون الطبل منطلقين في الأزقّة والحارات، يقرعون الأبواب، ويرددون بأصواتهم عبارات رمضان التقليديّة:

(قوموا على سحوركم أجا النبي يزوركم ـ يانايم وحّد الدايم ـ يانايم وحّد الله).

وينادي المسحِّر بأسماء أصحاب البيوت التي يمرّ بها: أبو خالد وحّد الله،  أبو محمد, أبو علي, ويستمر في نشيده : (قوموا على سحوركم، إجا النبي يزوركم). وغالباً ما يخرج الناس لإعطاء المسحّر بعض الطعام, ليقتات به في يومه التالي، وفي الأيام الأخيرة من رمضان يمرّ المسحّر على الإحياء والأزقّة التي كان يوقظ أهلها، ليأخذ منهم صدقة الفطر.

وفي الأيام السبعة الأخيرة من رمضان تبدأ المساجد بوداع رمضان، وقبيل أذان العشاء يومياً تنطلق القصائد بوداع هذا الشهر المبارك، ومنها:

ياشهرنا هذا عليك السلام

وفي ليلة السّابع والعشرين من رمضان يبدأ الاحتفال بعد صلاة العشاء, وصلاة التراويح في معظم المساجد في إدلب, ويحيي هذه الليلة العلماء ومشايخ الطرق الصوفية، وتقدّم وجبة طعام السّحر من قبل أهل الحيّ المجاور للمسجد, أو أحد وجهاء الحيّ بمفرده لجميع المتواجدين في المسجد.

ومن المفيد أن أذكر للقارئ الكريم أن خطيب المسجد أو من يعينه هو يكون عريفاً لهذا الحفل، ثم تبدأ فرق الإنشاد الصوفية في تقديم القصائد النبوية الخاصة بهذا الاحتفال، أذكر منها (يا ليلة حازت التعظيم والشرفا) و (شرف الزمان بليلة الإسراء) و (لما سرى الهادي) .

يا ليلة حازت التعظيم والشرفا

وبعد انتهائهم من القصيدة يتقدم الشيخ صطوف وفرقته لأداء قصيدة:

لمَّا سَرىَ الهادي

وبعد الإنتهاء من الإنشاد يتقدّم عريف الحفل, ليدعو خطيب المسجد ليلقي الكلمة الأخيرة في الاحتفال, وهو دعاء يخص ليلة الإسراء والمعراج.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الإسراء والمعراج معجزة لهذا النبي الأمين, ورفعَ مقامه إلى أعلى عليين. فأراه من آياته الكبرى ما يعجز عنها الوصف, ولا تحيط بها العقول, وخصّه بالآيات الباهرات, والمعجزات الواضحات, رفعاً لشأنه وتكريماً, وحشر له الأنبياء، فصلَّوا خلفه, فكان لهم إماماً. فيا لها من كرامة عظمى! وخصوصية كبرى لهذا النبيّ الكريم الذي اصطفاه الله، وأرسله للناس أجمعين بشيراً ونذيراً. أسرى به الله ليلاً وعرج به إلى السموات العلا, فكان كما هو في الأرض السراج المنير, والمصطفى المجتبى, وأطلعه على عجائب الملك, وأسرار الكون, ورقى به إلى حيث سمع صرير الأقلام, فصلاة الله وسلامُهُ على هذا النبيُّ العظيم, والمرشد الأمين, والمبعوث رحمة للعالمين. وبعد ذلك يدعو جميعَ الحضور لتناول طعام السحور المعد في رواق المسجد من قبل أهل الحي أو أحد وجهاء الحي الذي يكون فيه المسجد.

انظر:

عبد الحميد مشلح: صناعة الصابون في منطقة إدلب في القرن السابع عشر

عبد الحميد مشلح: صناعة الصابون في منطقة إدلب 1700 – 1900