وثائق سوريا
البيان الوزاري الذي قدمته وزارة الدكتور بشير العظمة عام 1962
الجمهورية العربية السورية
المديرية العامة للأنباء
شعبة النشر
تاريخ 21 / 4/ 1962
الرقم:
نشرة الأنباء الداخلية
البيان الوزاري الذي قدمته وزارة الدكتور بشير العظمة
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها بلادنا ويجتازها العالم العربي، أقدمت الحكومة على الاضطلاع بمسؤوليات الحكم الجسام، تلبية لنداء الواجب القومي.
الكل يعلم أن الحين حين تعبئة كاملة لطاقات الشعب والحكومة، في إطار منسجم قوي، يجقق الاستقرار ويضمن أهداف الأمة في الوحدة والتطور والتحرر السياسي والإجتماعي.
أيها المواطنون،
لقد اضطلعت الحكومة بأعبائها في ظروف حرجة، وبعد سلسلة من التقلبات والأزمات إيماناً منها بتصميم الشعب وقدرته على أن يضع أهدافه موضع التنفيذ، ويقيناً منها بأن الذي يقلب الأزمات قوى بناءة، هو القدرة على الخروج منها، العزيمة على استخلاص الدروس الذي ترشد إليه.
إن سورية العربية التي أعدتها الظروف الغامضة المختلفة، لتكون في مقدمة الطليعة العربية، أدركت منذ بداية نضالها ضد الحكم العثماني والاحتلال الأجنبي، إن أدوار الأمة العربية كلها ترتد إلى ثلاثة كبرى هي: (الاستعمار والتجزئة والتخلف)، إن هذه الأدوار مترابطة لا سبيل إلى التغلب على واحد منها، دون مغالبة الآخر في الوقت نفسه.
ولقد تبدى لسورية خلال تجاوبها الحقة، أن الوجود السليم الأصيل لأي بلد عربي، هو الكيل العربي الموحد، المتحرر المتسلط سياسياً واقتصادياً وإجتماعياً، وأخذ شعبنا يشق طريقه نحو هذه الغاية، يعزيمة وتصميم، وكان يتعثر حيناً وتخونه الظروف أحياناً، ولكنه كان يمضي دائماً في طريقه أشد قوة وأصلب عقيدة.
وكانت المأساة التي انتهت إليها فلسطين، عاملاً من عوامل انطلاقه في عزم أكبر من أجل تحقيق مثله، وأهدافه، ومن خلال هذه النظرة أخذ يناضل من أجل تحقيق نواة أولى للوحدة العربية الشاملة، حين رأى أن أوضاع مصر الشقيقة نقاط التقاء كثيرة مع أهدافه الكبرى، وقامت وحدة سورية ومصر محاولة أولى لتطبيق الهدف الأسمى بين أهداف العرب الأساسية.
وارتجى الشعب من هذه الوحدة أن تكون نقطة إنطلاق حقيقية نحو الوحدة الكبرى ونحو الكيان العربي الموحد، والقادر على حماية أهداف الأمة العربية، والقضاء على مكائد الاستعمار، ومحاربة قوى الصهيونية الشريرة المتمثلة في إسرائيل.
وانتكسب تجربة الوحدة لأسباب كثيرة، تقع المسؤولية فيها على العديد من العوامل، و كانت وراء انتكاستها حوادث ومواقف ليس المهم أن نتهمها، بل المهم أن نعرفها ونفيد من دروسها، ولم تقف سورية العربية من هذه الانتكاسة موقف المتفرج والمتألم، ولاسيما بعد أن رأت محاولات الرجعية ومؤامرات الاستعمار، وتعمل جاهدة من أجل تكريس الانفصال وتخليده، وإبعاد سورية عن رسالتها العربية الاشتراكية، بل مضت تستجمع قواها كلها من أجل الخروج من الانتكاسة ومن أجل العمل الجديد، ضمن إطار جديد في سبيل وحدة أثبت وأبقى، ولم تصدر في هذا العزم الجديد عن حاجة أو وهن، وإنما انطلقت من إيمانها القومي العربي الأصيل الذي عبرت عنه خلال تاريخها الطويل وكفاحها العنيد.
وجاءت هذه الحكومة الانتقالية لتستجيب لهذه الآراء الشعبية الحرة الأصيلة، التي تهدف إلى إقامة وحدة عربية وفق أسس مدروسة تضمن لهذه الوحدة البقاء والنماء، وإلى تحقيق سياسة إشتراكية تخدم جماهير الشعب، وإلى تثبيت دعائم الحياة الديمقراطية في أوسع معانيها. وترى الحكومة في هذه الأهداف مجتمعة السبيل إلى تحقيق الاستقرار المنشود، وبلوغ المثل العليا التي تتطلبها إرادة الشعب العربي في كل مكان.
أيها المواطنون،
إن حكومتنا تنطلق في سياستها من حقيقة كبرى، هي أن الطريق الصحيح للاستقرار الذي نريد لا يكون إلا بأن يتحقق التجاوب والاتصال الكامل بين رغبات الشعب بين الحكم الذي يعمل بأسمه، وبأن يكون الحكم ترجماناً لإرادة الشعب العميقة التي عبر عنها في مراحل نضاله المختلفة.
والحكومة تدرك أشد الإدراك أن الحكم الذي تنتظره البلاد ما هو حكم طبقة أو فئة، ولا هو الحكم الذي يخدم مصالح طبقات محدودة وفئات معينة، وإنما هو الحكم الذي يعبر عن مطالب الجمهرة الكبرى من الشعب، ورغبات القوى الحية الفعالة، قوى الجماهير الغفيرة التي تكمن فيها طاقات الإنتاج الحقة.
1- ولهذا ستمضي الحكومة في اتخاذ خطوة جادة من أجل العمل لتحقيق الوحدة العربية، وستباشر فوراً بدراسة الأسس الصحيحة لتحقيق هذه الوحدة ذات الأهداف والمحتوى السياسي الإجتماعي والمتجاوبة مع إرادة شعبنا العربي في كل أقطاره.
وترى أن الوحدة المتكافئة، والتي تستند إلى قواعد مدروسة، تعبر عن ظروف الواقع العربي، وتوفر لكل بلد يسهم فيها كرامته وإرادته، هي السبيل إلى إزالة الفوارق بين البلاد العربية، وهي الطريق الوحيد إلى بقاء الوحدة ونمائها.
ومن أجل هذه الغاية ستبادر الحكومة دون تأخير بالتعرف على وجهات النظر المختلفة، عن طريق اللجان والمؤتمرات والصحافة والإذاعة، وبالاتصال مع الحكومات العربية المتحررة مبتدئة بمصر الشقيقة،لتطرح بعد ذلك على الاستفتاء الشعبي مشروعاً مدروساً ومتفقاً عليه ليقول الشعب كلمته فيه.
إن مبدأ الوحدة العربية الذي نؤمن به، والذي ينبثق من وحدة المصير العربي ووحدة التاريخ والآلام والآمال، يجعلنا نعتبر معركة التحرير العربي، في أي جزء من أرض العرب معرفتنا. وأن قيام إسرائيل في قلب الأمة العربية، ممزقة وحدتها شاطرة أرضها يجعل من أهم واجبات سورية، وواجبات العرب عامة، إقامة قوة عبيةمتماسكة تشكل حصناً منيعاً ضد عدوان إسرائيل وتضع إمكانياتها من أجل تحرير الأرض العربية في فلسطين.
ولابد لهذه الغاية من تنظيم الأخوة من أبناء فلسطين تنظيماً يستهدف تعبئة قواهم الفكرية والإجتماعية، ووضعهم أمام مسؤولياتهم تجاه هذه القضية العربية الكبرى.
كذلك يملي الإيمان بوحدة الكفاح العربي أن نتجاوب ونتفاعل مع جميع الحركات التحريرية السياسية والإجتماعية في جميع أنحاء بناء هذا الجزءمن الوط العربي ليقوم بدره في حركة النضال العربي الشامل .
كما تأمل الحكومة أن تكون جامعة الدول العربية على مستوى الأحداث التي تعيشها الأمة العربية.
أيها الشعب الكريم:
2- إن الحكومة تؤمن أعمق الإيمان بالديمقراطية وبدورها البناء في تحقيق أهداف الأمة، وعلى رأسها هدف الوحدة، وترى أن السد المنيع ضد أي انحراف في الحكم وضد أي تنكر لرغبات الشعب هو جو الحرية.
ولهذا ستعمل الحكومة على تنظيم الحريات العامة وإطلاقها، وفق أسس تجعلها بناءة منتجة وتحول دون فقدان الثقة بها من جديد. وهي ترى أن صراع الفكر في النور لا في الظلام هو السبيل إلى الوحدة الوطنية المرجوة، وإلى تقريب وجهات النظر، وتكوين الرأي العام الموحد.
ولهذا ستتخذ الإجراءات السريعة من أجل تنظيم الحريات العامة من سياسية وحزبية ونقابية، ومن أجل صيانة حرية التعبير والتفكير، وستعنى لهذه الغاية عناية خاصة بإعادة بناء الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة، لتجعل منها أدوات حرة للرأي الحر، لا أدوات مسخرة لأغراض تعمل في الظلام وتخرب من وراء الستار، ورائدها في تنظيمها المرجو للحريات العامة، وخاصة حريات الصحافة، الاعتقاد بأن الإطار الذي يمكن أن تقوم فيه الحرية هو الإطار الذي يحمي الأهداف الوطنية والقومية.
ولابد للدولة ، إذا أرادت الإبقاء على الديمقرقراطية وحمايتها من التزييف والفشل، وأن تقوم بحماية الأهداف القومية يمكن إطارها.
ولهذا فهي ستقف موقف الحزم والشدة من كل محاولة تخريبية يقصد بها المساس بالأهداف الكبرى التي يجمع عليها الشعب وتمثلها.
وعلى رأس الحريات التي ستعني الحكومة بدراسة الاسس اللازمة لتنظيمها حرية الشعب في اختيار ممثليه في الحكم الديمقراطي أو في المجالس البلدية والقروية.
ولهذا ستعمل على وضع قانون للانتخابات يجعل التمثيل الانتخابي تمثيلاً لإرادة الشعب بكامله لا لإرادة طبقات معينة أو فئة حاكمة، يضمن تحرير الناخب من كل ما يزيف إرادته، ويوفر التمثيل الشامل لمختلف القوى الفعالة في المجتمع.
وواضح أن الحرية التي ننشدها والتحرير الذي نريده لإرادة المواطن لا يتوفران إلا إذا سارت الديمقراطية الاقتصادية والإجتماعية، جنباً إلى جنب مع الديمقراطية السياسية، بحيث يتحرر المواطن من الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية السيئة التي تغله وتحول قدرته على التعبير عن إرادته.
3- ولهذا كان الاتجاه الثالث الكبير الذي ستأخذ به الحكومة هو الاتجاه الاشتراكي الذي ينطلق من نخطيط اقتصادي، يضمن التنمية الاقتصادية وزيادة الثروة القومية وتوفير الخدمات كما يضمن أيضاً العدالة الإجتماعية التي لا تقوم تنمية حقة بدونها.
والحكومة تدرك في هذا المجال أن مرحلتنا هي مرحلة التنمية واستخراج ثروات البلاد، وترى أن هذه الغاية لا تتحقق إلا إذا تم دعم رأس المال الوطني من جهة بحيث يتمكن من التطور والازدهار في مجال الصناعة والزراعة والتجارة وسائر مجالات الإنتاج، وإلا إذا قامت من جهة ثانية عدالة التوزيع، تمتع تمركز رأس المال ونشوء الاحتكارات، وتحول دون استغلال فئة قليلة لجهود الجمهرة الكبرى من المواطنين.
وهي تؤمن في هذا المجال، بأن أول واجباتها في معركة البناء والتنمية التي تعتزم خوضها، تشجيع رأس المال الوطني الخاص، وحمايته وضمان حصوله على ثمرات جهوده، ومساعدته بشتى الوسائل المملكنة وعلى أن يوظف في المشاريع الإنتاجية والخدمات وتأمين الأسواق لتصريف المنتجات الزراعة والصناعية.
والحكومة إدراكاً منها للدور التجاري الذي يقوم به السوريون ستعمل على تنشيط التجارة ودعمها وتقديم التسهيلات اللازمة لها في نطاق السياسة الاقتصادية.
وهي إذ ترى تشجيع رؤوس الأموال الوطنية هدفاً يفيد منه الشعب في جميع فئاته ويعود بالخير على المواطنين جميعهم، وترى في الوقت نفسه أن تشجيع رؤوس الأموال يشترط بعدها عن الاستغلال والاحتكار والتسلط على الحكم.
وتقبل الحكومة دخول رؤوس الأموال العربية والأجنبية ضمن إطار الخطة الاقتصادية، على أن تبقى منزهة عن الغرض السياسي.
أما بالنسبة للمصارف وشركات التأمين فستدرس الحكومة بعناية وبسرعة موضوعها وفق مقتضيات الاقتصاد القومي.
وسياستنا الاقتصادية عامة تهدف إلى تحقيق الانسجام بين القطاع العام والقطاع الخاص ضمن إطار المصلحة وما يفرضه الواقع الاقتصادي في سورية وما تستلزمه ضرورات التنمية.
والطريقة لهذا كله أن تقوم ثورة حقيقية في ميدان التخطيط الاقتصادي تضع أسساً لنظام اقتصادي فعال يتمتع بدعم جميع المواطنين، وتؤيده سواعد وعقول العدد الأكبر من أبناء الشعب، ويستند إلى دراسة علمية لإمكانيات البلاد المختلفة وطاقاتها ووسائل تحسين إنتاجها.
والحكومة تؤمن بأن تنمية الاقتصاد والقومي وزيادة حجم الإنتاج العام لن تتحققا إلا إذا نظم الاقتصاد القومي وفق خطة مرسومة تتبع فيها أحدث أساليب التخطيط العلمي البعيد المدى، ويتم عن طريقها تنسيق العمل بين شتى المجالات تنسيقاً ومدروساً ومنتجاً.
وسيكون شعار هذه المرحلة في الإنتاج تصميماً أكيداً على ضرورة دفع عملية الإنتاج باستثمار ثروات البلاد الدفينة، من معدنية وبترولية، وغيرها، وبالعناية الخاصة بالمشروعات الإنتاجية الكبرى وعلى راسها مشروع سد الفرات والذي ستجعل الحكومة من إنجازه الهدف الأكبر الذي تجند له كل ما تستطيع من إمكانيات.
ص 491
انظر: