وثائق سوريا
بيان ناظم القدسي حول تراجعه عن الاستقالة عام 1962
الجمهورية العربية السورية
المديرية العامة للأنباء
شعبة النشرة
رقم /91 /
مساء يوم السبت 14/ 4 / 1962
بيان السيد رئيس الجمهورية
الدكتور ناظم القدسي
أيها الشعب الكريم
مواطني الأعزاء
في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها بلادنا، في هذه المرحلة التي نمر بها في سبيلنا إلى أعز ما ننشده لبلدنا، وللوطن العربي من عزة ووحدة واستقرار.
في هذه الفترة من تاريخ كفاحنا المستمر من أجل الحرية حرية الشعب وسلامة الكيان الوطني ضد كل مايحيط بنا من مخاطر ومكائد يدبرها الاستعمار والصهيونية وتنصبها لنا الحرب الباردة والمصالح البترولية.
في هذه الأيام حيث يتطلع المواطنون جميعهم، في الجيش والعمل، والحقوق والمصنع، والمكتب، والمدرسة إلى وحدة وطنية راسخة تصدر عنها كل إرادة الشعب وقوته، وتنطلق منها إلى تحقيق المبادئ الرفيعة والأماني العربية الكبرى، ونبلغ بها جميعنا ما نطمح إليه من حياة عزيزة كريمة – أعود إل مخاطبتكم كمواطن قدر له أن يكون بينكم في موقف المسؤوليات الجسام ولا سبيل له إلا أن يلبي نداء الواجب ويستجيب إلى صوت الضمير.
وببساطة أقول لكم أني أخاطبكم اليوم كأب وأخ ومواطن يشعر بشعور كل فرد أباً وابناً وأخاً ومواطناً لكم جميعاً، وبدون تمييز، ولا استثناء وينحني بمثل هذا الشعور الإنساني والقومي أمام ما يفرضه عليه الواجب الأسمى.
أيها الأخوة الأعزاء
في هذا الخطاب الذي أتوجه به إليكم، لا مجال لأن أبسط معكم في الأحداث التي مرت بها البلاد خلال الفترة الأخيرة، وفي اعتقادي أن هذه الأحداث بجوهرها وبما ترمز إليه، ليس الدافع إليها سوى اختلاف في الاجتهاد حول الطرق الموصلة إلى أماني كل عربي سوري في الوحدة والحياة الديمقراطية والاشتراكية البناءة.
ومهما قيل في تفسير الأحداث وتأويل الحقائق،فإننا نحمد الله على أن الاختلاف كان من أجل الوصول إلى مثل عليا رفعنا بها الرأس عالياً في المستقبل لأن أقدار التاريخ وضعت على كاهل العربي في سورية، أن يحمل المثل العليا لثمانين مليون عربي غير هياب ولا آبه بما تحمل هذه المثل من تبعات وصعاب ومهالك وسنبقى فخورين معتزي بالتضحيات التي بذلناها والتي سنبذلها من أجل تحقيق هذه المثل لأنفسنا وللعرب قاطبة. لأن وجودنا مرتبط بهذه المثل، ومنها غذاء كياننا، واستمرار تطورنا وتقدمنا.
على هذه المبادئ والمفاهيم التي غدت واضحة في الأذهان والضمائر، لأنها تنبع بالواقع من شعور الشعب وإرادته، ترجمت قيادة الجيش العربي السوري في بيانها الذي أعلنته يوم أمس شعور الشعب بهذه المبادئ، ورغبته الملحة في رسم الخطط الواضحة والطرق الناجحة لتنفيذها ووضعها قيد الحياة والنمو والتطور السريع.
وأرادت القيادة العامة للجيش بالبيان الذي استقر عليه الرأي ، وانعقدت حوله السواعد على أن تضع على عاتقي مسؤولية كبرى في تنظيم الكيان الوطني، وتوطيد أسباب الاستقرار المنشود.
كذلك في الوقت نفسه تقدم إلي أكثرية السادة النواب باستقالتهم من المجلس التأسيسي والنيابي وفوضوني باختيار حكومة انتقالية تتمتع معي بحق التنظيم والتشريع وإرساء الأسس الديمقراطية لحياتنا المقبلة.
وعلى ذلك فإني أرجو بالعمل الصادق المنزه، أن أؤدي الأمانة المنوطة بعنقي ممكناً بذلك جيشنا الباسل من تنفيذ إجماع وحداته وعناصره بالابتعاد عن الحكم والسياسة ليدافع عن الحمى، ويذود عن الحدود، ويضمن سلامة الوطن بأرضه وأهدافه، شاكراً لجيشنا الباسل ولقيادته الساهرة، إجماع وحداته على هذه السياسة الحكيمة وترجمته إرادة الشعب وأهدافه القومية والاجتماعية والسياسية بوضوح وإخلاص.
كما أشكر السادة النواب الذين قدروا الواقع بحقيقته، فدفعهم اخلاصهم لسلامة هذه الأرض العربية ووحدة شعبها إلى أن يقفوا الموقف الذي يصون مصلحة البلاد العليا.
مواطني الأعزاء:
في هذه المرحلة الجديدة التي نبدأها اليوم متعاونين متكاتفين، أمام أهداف واضحة، فإن كل الذي استطيع أن أؤكده لكم أنني والحكومة التي تتألف للفترة الانتقالية، سنبذل كل ما في وسعنا من مجهود ممكن لإرساء حياة دستورية ديمقراطية سليمة.
ومباشرة العمل من أجل الوحدة، مع البلاد العربية مبتدئين بمصر العزيزة على أسس واضحة مستمدة من التجارب وتكفل لسورية كيانها وكرامتها وتكفل لها الحياة والنمو استقطاب البلاد العربية الأخرى، كل ذلك ببيان واضح واستقامة، وأسس تطرح للتصويت في استفتاء شعبي حر نزيه، ولمن نسلك في هذا السبيل، والأساليب الغامضة أو الملتوية، وسيكون رائدنا الإيمان والصدق والصراحة.
ولا يخامرني أي شك في أن مبادئ العدالة الإجتماعية والاشتراكية البناءة التي تتناسب مع أوضاعنا الاقتصادية في المدينة في المدينة والريف على السواء، هي المبادئ التي يجب أن تسود في سبيل الالتقاء بحكم عادل رشيد، تتحقق به مصالح المواطنين بأكثريتهم العظمى بعيداً عن التنازع الطبقي وعن الاستقلال، وتحكم الاحتكار والمصالح الخاصة.
وإنه لجدير بي أن أكرر ما سبق أن قلته غداة انتخابي لرئاسة الجمهورية من أن كل سياسة إجتماعية واقتصادية لا تستهدف في المقام الأول معالجة مشكلة المواطن الفرد من أبناء هذا الشعب العربي في غذائه وكسائه ومسكنه وصحته وتعليمه وتعليم أولاده، وطرح شبه البطالة عنه، وتأمين مستقبله لا يمكن أن تكون سياسة مثمرة مهما تكن واجهتها الظاهرة، ولا يمكن أن توطد في نفوس أبناء الشعب ثقتهم بولاة أمورهم.
ومن أجل ذلك، وبعض ذلك ستقوم الحكومة الانتقالية بمعرفة الخبراء، وفي أقرب وقت ممكن بالنظر في قوانين التأميم والإصلاح الزراعي، وفي مدة لا تفسح المجال لبلبلة الوضع الاقتصادي.
كذلك ستمضي الحكومة الانتقالية بما أمكن من سرعة باتخاذ التشريعات اللازمة لتأمين الحريات العامة، وتنظيمها، وتمكين الأفراد من ممارسة هذه الحريات في حدود المصلحة القومية، وستهيئ الحكومة ما يلزم لوضع دستور يأتلف مع أوضاعنا وأمانينا ويعرض على الرأي العام ليناقشه بكل حرية وطمأنينة ثم يطرح للاستفتاء ليرى الشعب رأيه فيه كما أنه ستجري انتخابات حرة نزيهة توصل إلى مقاعد النيابة من يثق الشعب بأخلاقهم وكفاءتهم وإخلاصهم لتحقيق أهدافها وآمالها، وفي خلال هذه الفترة ستسهر الحكومة على ضمان حرية الفرد وطمأنينته فلا يفلت مذنب من عقاب، ولا يصار برئ بحريته وأمنه، وسيكون توضيح الخطط العملية السريعة الموصلة إلى هذه الأهداف، من أول مهام الحكومة الانتقالية في بيانها إلى الشعب وهو البيان الذي تضع فيه خطط سيرها ومنهاج عملها.
وإني لآمل أن أوفق لتأليف حكومة انتقالية قوية نزيهة حازمة في تطبيق القانون، واجتثاث الفساد أياً كان مصدره وفاعله، ساهرة على حفظ النظام وسيادة العدل، واضعة نفسها في خدمة المصالح العليا قبل كل شيئ وفوق كل هدف.
ولست آتياً بجديد إذا أكدت أن تجارب الماضي دفعت جميع الاتجاهات في بلادنا إلى تقرير سياسة عدم الانحياز في المعترك الدولي المتلاطم من أجل تجنيب بلادنا ويلات الصراع بين الدول ولقناعتنا بأن هذه السياسة هي دعم للسلام العالمي ولأمنه، كما هي سبيلنا أيضاً إلى تحقيق أعز الأهداف واجتياز المراحل السريعة نحو الكيان العربي الموحد.
وغني عن البيان أن سياستنا الخارجية بوجه عام إنما تستمد مبادئها من ميثاق الأمم المتحدة الذي وجد لتنظيم العلاقات بين جميع الدول الأعضاء في المنظمة الواحدة دون تفريق أو تمييز مستهدفين أبداً مصلحتنا القومية، واقتصادياتنا السليمة.
إن جميع هذه المثل العليا والأهداف القومية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية أيها المواطنون الأعزاء – لا يمكن السير في سبيل تحقيقها بدون استقرار مرتكز على وحدة الكلمة وتجاوب مختلف السلطات مع الشعب، ونبذ الشكوك والأوهام، لأنكم تعلمون أن أساس المخطط الصهيوني في البلاد العربية هو إثارة الشكوك والريب بين الأشخاص والهيئات حتى تضيع أوقاتها في الدفاع عن نفسها. ورد التهم الموجهة إليها، فتنصرف عن الإنتاج المثمر والتطور المستمر في ميادين الاقتصاد والعمران والثقافة والدفاع والإنتاج وتقف من قضاياها الحيوية مجمدة النشاط مغلولة الأيدي.
وأخيراً، مواطني الأعزاء. فمثلما دعوت نفسي إلى تلبية نداء الواجب والضمير، وأنا واحد منكم ومواطن مثلكم، أدعو كل فرد منكم في هذا الوطن إلى تلبية هذا النداء، وإلى الصدق في أداء فروضه وملزماته، كل ضمن حدود عمله ونشاطه.
والله العلي القدير نسأل أن يجعلنا بعنايته ويسدد خطانا في سبيل مرضاته، ويلهمها طريق الحق والرشاد إنه سميع مجيد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.