وثائق سوريا
بيان عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش حول عودة ناظم القدسي لرئاسة الجمهورية عام 1962
بيان اللواء عبد الكريم زهر الدين القائد العام للجيش والقوات المسلحة الذي أصدره في الثالث عشر من شهر نيسان عام 1962م، والذي أعلن فيه موقف الجيش السوري من عودة الرئيس ناظم القدسي مجدداً إلى رئاسة الجمهورية.
مساء يوم الجمعة 13 / 4 / 1962
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الشعب السوري النبيل
في هذه الساعة الحاسمة من تاريخ سورية العربية، وبعد أن تمكنت القيادة الجديدة لجيشك الباسل من أن تعيد الحق إلى نصابه بفضل وعيك وإيمانك وتصميمك، يود الجيش أن يعرب لك أيها الشعب العظيم عن عميق شكره فلك تحية الجيش وحبه.
في سبيل أهدافك القومية العليا سهره، وتضحيته، ولن تستطيع الأحداث أن تنال من وطن يقف جيشه وشعبه صفاً واحداً في طريق الزحف نحو العزة والكرامة والمجد، ومن حقك أيها الشعب العربي النبيل أن تكشف لك القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة عن الجهود الوطنية الكبيرة التي لم تنم لحظة خلال الأسبوعين الماضيين حتى تمكنت السواعد المؤمنة أن تقود سفينة الوطن إلى شاطئ السلامة من جديد وأن تسير بها في الاتجاه السليم الذي يرضيك، ويحقق لك أمانيك ورغباتك ويمنحك الاستقرار والطمأنينة ويمهد لخطواتك السبيل نحو التقدم والازدهار.
أيها المواطنون:
منذ تألفت الهيئة الجديدة للقيادة انصرفت إلى دراسة الوضع في البلاد من جميع جهاته واضعة نصب عينيها تحقيق إرادت الشعب تغلبت المصلحة القومية العليا والحفاظ على وحدة الجيش والشعب، وقد انتهت القيادة بعد هذه الدراسة إلى هذه الحقائق الكبيرة.
أولاً- الجيش بجميع وحداته وعناصره مجمع كل الإجماع على الإبتعاد عن الحكم والسياسة، ومصر كل الإصرار بأن يعود إلى ثكناته بعد أن يضمن للوطن حكماً نظيفاً حراً لينصرف إلى مهماته الأساسية انصرافاً كاملاً.
ثانياً- الجيش لم يهدف من حركته إلى التدخل في الحكم والسياسة، ولكنه ملزم بحماية الأهداف القومية العليا التي تتمثل في السعي لإقامة وحدة عربية سليمة مع الدول العربية المتحررة، وفي طليعتها مصر بشروط مدروسة تحفظ لسورية كرامتها وكيانها وتجنبها أخطاء الماضي وعثراته على أن تؤلف بأسرع ما يمكن اللجان التي تضع أسس هذه الوحدة المنشودة لتعرض في استفتاء شعبي حر قادم كما تتمثل الأهداف القومية في تحقيق عدالة إجتماعية تسير بالشعب نحو الاشتراكية العادلة، والتنمية الاقتصادية اللازمة وتحفظ للطبقة العاملة في الأرض والمصنع حياة كريمة وعيشاً لائقاً.
ثالثاً- الجيش مؤمن بأن تشكيل وزارة انتقالية للبلاد قبل إعادة الحياة الدستورية يخالف مبدأه التقليدي في الإبتعاد عن السياسة لأن الحكومة الانتقالية ستكون مسؤولة أمامه عن سياستها وأعمالها، ومعنى هذا أن يكون الجيش مسؤولاً أمام الشعب عن الحكم والسياسة عن الحكم والسياسة، وهو يأبى ذلك ويصر على الإبتعاد عنها، والانصراف إلى تأدية رسالته الكبرى في حماية الوطن وحراسة حدوده.
رابعاً- الجيش مدرك كل الإدراك حاجة الوطن إلى الاستقرار فبالاستقرار وحده يوالي الشعب تقدمه البناء لتحقيق الازدهار واستغلال خيرات الأرض وتنمية الحركة الاقتصادية، وبالاستقرار وحده يتمكن الجيش من دعم قوته وصفوفه لينهض عند الحدود كالبنيان الصامد المرصوص الذي تتحطم عند أقدامه جميع مؤامرات الصهيونية والاستعمار وأعوانهما.
خامساً- الاستقرار المنشود لا يمكن أن يتحقق لوطننا الحبيب بدون قيام حكم دستوري ديمقراطي قوي يستمد طاقاته من سلطة شرعية حقيقية تمثل إرادة الشعب وتجسم أهدافه دون تزييف أو تحوير لأنها تنبثق عن اجماعه في تصويت نزيه حر وبرلمان قادم عنيد يجنب الوطن مآسي الفرقة.
والجيش مؤمن بأن الشعب لن يمنح قيادته للأيدي الملوثة وللضمائر الرخيصة التي تنهار مقاومتها أمام المغريات والرشوات فتبيع الوطن ومكاسب الشعب بالمال الحرام وعلى القضاء الحر النزيه وحده أن يفضح للشعب جرائم هذه الأيدي، ويكشف الستار عن عفونة تلك الضمائر لينصرف الشعب عنها ويوليها كل بغضه واحتقاره.
أمام هذه الحقائق الخمس الكبيرة سهرت هيئة القيادة الجيدة ليالي الأسبوعين الماضيين، وانتهت بعد الدراسة إلى أن وحدة الجيش والشعب تتجه بالثقة والأمل نحو شخصية وطنية كبيرة تجمع الإخلاص العميق والخبرة الطويلة والعلم والكفاءة، وهي شخصية السيد الدكتور ناظم القدسي رئيس الجمهورية العربية السورية.
عند ذلك أجمعت كلمة الجيش العربي السوري على أن مصلحة الوطنية العليا تفرض عليه أن يعلن رفض الجيش والشعب لاستقالة رئيس الجمهورية، وأن يدعوه باسم الجيش والشعب إلى العودة عن استقالته ليحمل من جديد عبء الرسالة القومية الكبرى التي ألقاها الشعب على كتفيه، والذي تستطيع القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أن تؤكده هو أن الرجل الكبير لم يصم أذنيه عن نداء الوطن فمد يده ليحمل الأمانة الكبرى ويقود عجلة الوطن في طريق الأمن والاستقرار والازدهار والوحدة المنشودة على هدى المصلحة القومية العليا، والأسس الراسخة التي أجمع عليها الوطن شعباً وجيشاً.
إن الوطن بجميع هيئاته الشعبية وبإجماع من الجيش حامي العرين يبارك عودة رئيس الجمهورية الدكتور ناظم القدسي لتسلم سدة الرئاسة ويعلق على قيادته الحكيمة وحزمه وصموده كل الآمال ففي ظلال رئاسته سينال الشعب حقوقه وتتحقق له آماله في الاستقرار والوحدة السليمة والعدالة الإجتماعية ورعاية اليد العاملة، وحفظ مكاسب العمال والفلاحين، وضمان الحريات العامة، وفي ظلال حكمه وإخلاصه وسهره ستنعم البلاد بحكم نزيه على أساس ديمقراطي حر وسيتخلص الوطن من كل من يدينه القضاء من سماسرة الحكم والسياسة.
أخذ الله بيد الرئيس الجليل وأعانه على حمل مسؤولياته وأمده بعونه وتأييده.
أيها الشعب العربي السوري، إن الجيش قد وفى لك بعهوده، وهو دائماً عند كلمته لك ففي سبيلك ثار، ومن أجل كرامتك وتحقيق إرادتك ترك ثكناته بالأمس، وهو اليوم يعود إليها رضي الضمير فائزاً بثقتك وحبك بعد أن حقق إرادتك وضمن لك القيادة الرشيدة وأبعد عنك المستغلين، والمنحرفين والمتآمرين.
أيها الشعب النبيل. إن إرادتك هي العليا لأنها من إرادة الله، والجيش سيظل دائماً عينك الساهرة وحارسك الأمين فهو درعك الحصين وأنت قلبه وإيمانه وصموده.
عاشت وحدة الشعب والجيش. وعاش القائد الأعلى للجيش، وحقق الله لوطننا الصغير آماله، والله أكبر والمجد للعروبة.
المراجع والهوامش:
(1). عبد الكريم (أحمد)،حصاد سنين خصبة وثمار مرة، دار بيسان، الطبعة الأولى، دمشق عام 1994م،ص 498- 500
المراجع والهوامش:
(1). عبد الكريم (أحمد)،حصاد سنين خصبة وثمار مرة، دار بيسان، الطبعة الأولى، دمشق عام 1994م،ص 498- 500