حمصي فرحان الحمادة – التاريخ السوري المعاصر
كتب الأستاذ مهند القاطع:
بعد دخول القوات الفرنسية مدينة حلب، شكل الجنرال دي لاموث- قائد الفرقة الثانية المتمركزة في حلب – رتلاً عسكرياً بحجم صغير لإنشاء بعثة فرنسية في دير الزور، وتم تكليف الضابط المترجم ترنكا بتنفيذ هذه المهمة، يرافقه الشيخ مجحم بن مهيد الذي سيكون الواجهة لتنفيذ السياسة الفرنسية، وتشير إحدى الوثائق الفرنسية السرية إلى التعليمات التي كان دي لاموث أعطاها في نهاية أيلول عام 1920 للضابط ترنكا فيما يتعلق بمهمته في المنطقة قبل توجه البعثة إلى دير الزور.
وقد طلب الجنرال في تعليماته : “إرشاد وقيادة مجحم بك، بما يتوافق مع مصلحة فرنسا السياسية، وضرورة إعلامه بسرعة وبدقة عن الأحداث في المنطقة الشرقية، وإرسال جرد عن المنطقة من الناحية السياسية والإجتماعية والأثنية والاقتصادية والجغرافية”.
كما تضمنت الوثيقة تعليمات أخرى خطيرة تبين سياسة فرنسا باستعمال نفوذ العشائر إذ تقول :”يجب ألا يتم اعتبار مجحم بك كأمير مستقل، وكأنه قد وقع اتفاقية على قدم المساواة معنا، بل يجب اعتباره زعيماً، منصّباَ من قبلنا، يمارس قيادته بتفويض من سلطتنا ذات السيادة ، وضمن الحدود التي نحددها له (… الخ) يجب عدم إغفال أن لنا مصلحة في استغلال الاختلاف على النفوذ بين المتخاصمين عند البدو، وذلك من أجل استعماله في إعادة التوازنات بينهم، يجب عليكم إذن المناورة بطريقة تراعونهم فيها، وتستخدمونهم عند اللزوم، يجب أن يخضع مجحم دون شرط، أو يجب أن يختفي”.
وقد دخلت القوات الفرنسية مع قوات العشائر رسمياً، في 13 تشرين الأول عام 1920 إلى دير الزور، ترافقها قوات مجحم بن مهيد.
وذكر الأستاذ محمد عبد الحميد:
في شباط عام 1921 أرسل الجنرال “ديلامونت” إلى الشيخ “حاجم بن مهيد” رسولاً كي يلاقيه في “حلب”، وأن يتخلى عن مناصرة الأتراك مقابل مئة ألف ليرة ذهبية، وراتباً شهرياً مدى الحياة، لكن “حاجم” رفض العرض قائلاً: “الفلوس والناموس لا يجتمعان”، واستمر “حاجم” بالمقاومة بالمليشيا التي أطلق عليها “زكرت حاجم”، وهاجم القوات الفرنسية في منطقة “الحص” جنوبي شرقي “حلب”، وأسقط المتطوع “جاسم المحمد الحمد الدللي” من عشيرة “البياطرة” طائرة فرنسية، وأسر طيارها، وأخذ منه سيفه وبدلته وأهديت إلى “حاجم”، ولكن قوات “حاجم” الضعيفة أمام تسليح دولة قوية انهارات وتراجعت إلى ما وراء نهر “الفرات”، وقد مرت القوات الفرنسية بقيادة الكابتن “ترانجيه”، يرافقه الشيخ “مجحم بن مهيد”، الذي قبل بالإنتداب الفرنسي، ومضوا إلى “دير الزور”، ثم هاجموا “الرقة”، وفي السادس عشر من كانون الثاني عام 1921 انفرط عصيان “حاجم”، بعد تمرد دام 15 شهراً، وفي السابع عشر من كانون الأول عام 1921 توجه “حاجم” نحو منطقة “طوال العبا” في أرض الجزيرة”، وبعد محاكمة عسكرية أعفي عنه بعد أن وعد ألا يتعرض لدولة الانتداب، وتوفي في “عين عيسى” شمال “الرقة” بنحو 50 كم في عام 1927 ودفن فيها.
وذكر حمصي فرحان الحماة:
وبعد دخول القوات الفرنسية إلى الرقة قامت بتشيد (الثكنة العسكرية) التي تظهر في الصورة، وحالياً أقيم مكانها (حي الثكنة)، وأحيطت بسور عال وسميك من اللبن وأحيط السور بالأسلاك الشائكة، وبعد إنشاء جيش الشرق الفرنسي فتح باب التطوع للسوريين وبلغ عدده أكثر من ستة عشر ألفاً من المتطوعين من كافة الرتب العسكرية، وتطوع الكثير من أهل قضاء الرقة في هذا الجيش الذي أصبح بعد جلاء الفرنسيين عن سورية نواة الجيش السوري.
وبقي الكابتن ترانكة رئيساً للمخابرات الفرنسية بالرقة حتى انسحابها من الرقة بعد الاستقلال.
وكان القائمقام وموظفو الحكومة من السوريين، وكذلك قائد الدرك والدرك، كما كان رئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي من أبناء الرقة.
كما أنشأت عام 1923 مدرسة نموذج الرقة التي كانت تدرس على المنهج الغربي، والتي أصبحت بعد الجلاء مدرسة الرشيد الابتدائية.
وسكن المستشار الفرنسي في منزل لآل الكعكه جي يقع جنوب الجامع الحميدي. وتعرف أهل الرقة على لعبة كرة القدم وشاهدوا الدراجات النارية والدراجات الهوائية، ودخلت بعض مظاهر الحضارة الأخرى كالتصوير الشمسي والكازوز وغيرها.
واعتبر أهالي الرقة عام 1922 تقويماً رقياً باسم (سنة دخول الفرنساوي) أو (سنة دخول فرنسا).
انظر:
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1917 ..سنة الجوع .. سنة الغلا.. سنة الحميضة
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1918 ..سنة سقوط العصملي – سنة الوجع
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1919 .. سنة الشريف
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1920 .. سنة حاجم – سنة زكرت حاجم
المراجع والهوامش:
(1). حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 - 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م، 134-137
المراجع والهوامش:
(1). حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 - 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م، 134-137