من الصحافة
صحيفة 1927- أسباب الخلاف بين السوريين في مصر
تصاعد الخلاف والسجال مابين أنصار حزب الاستقلال والذي يعد كامل القصاب وشكري القوتلي من أبرز قياداته، وما بين أنصار حزب الشعب الذي أسسه وترأسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر.
في خضم التطورات التي جرت في سورية في عشرينيات القرن العشرين انتقل عدد من أنصار الحزبين إلى مصر واستقروا فيها ومارسوا نشاطهم السياسي منها.
صحيقة فلسطين نشرت تقريراً مفصلاً عن الخلاف الذي نشبت بين أنصار الحزبين في مصر.
عنوان الخبر:
أسباب الخلاف بين السوريين في مصر .. معلومات هامة لم تنشر بعد
نص الخبر:
لا نذيع سراً إذا قلنا أن ما يجري الآن بين السوريين في مصر يفوق في خطورته ما جرى مؤخراً في فلسطين، خصوصاً متى علمنا أن هنالك الأمير ميشيل لطف الله رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني والزعيم الأكبر الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وغيرهم من صميم الوطنيين المخلصين كحسن بك الحكيم والأستاذ نسيم صيبعة والأستاذ توفيق اليازجي.
وقد حمل إلينا بريد مصر مؤخراً الرسالة الهامة التالية التي يطلع عليها القراء فيما يلي، وهي تفصل أسباب الخلاف الذي استفحل أمره بين المشتغلين في القضية السورية ومنه يرى الناس أن الاستقلالين سبب كل هذه المشكلة، فهم كما قضوا على الحركة الثورية في سوريا نفسها يريدون أن يقضوا عليها في الخارج.
سيدي صاحب جريدة فلسطين الغراء
(للخلاف الذي أشتد أمره بين السوريين في القطر المصري اليوم أسباب عديدة أهمها ما أنا ملخصه لقراء جريدتكم الغراء.
اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني
تشكلت هذه اللجنة على أثر انعقاد المؤتمر السوري الفلسطيني من سعادة الأمير ميشيل لطف الله رئيساً والشيخ رشيد رضا نائب رئيس وقد دخلها بصفته مندوباً عن جميعة الاتحاد السوري التي تشكلت في مصر منذ سنوات، ولم يبق منها الآن غير الأسم، والسيد أسعد داغر مندوباً عن حزب الاستقلال والسيد توفيق اليازجي مندوباً عن السوريين في المهاجر الأميركية.
وقد كانت هذه اللجنة سائرة في أعمالها دون أن تجد مقاومة لنشاطها في بث الدعاية السورية وركون المجاهدين إليها إبان الثورة أما نفقاتها الباهظة فقد كان يقوم بها الأمير ميشيل لطف الله، وعندما هبط بعض الثوار القطر المصري، وأخذوا يترددون عليها كف الاستقلاليون عن الحضور لسخط الثوار عليهم.
الأمير شكيب واللجنة التنفيذية:
وقد ترامى إلى بعض المشتغلين بالقضية السورية أن الأمير شكيب أرسلان أخذ يقدم البيانات ويفاوض الأفرنسيين باسم اللجنة التنفيذية على غير القواعد التي فوضته اللجنة بالمفاوضة على أسسها فأبرقت اللجنة إليه، وإلى زملائه أعضاء الوفد تمنعه من إجراء أي عمل أو تقديم أي بيان بدون استشارتها، فلم يكن من الأمير شكيب إلا أن أبرق للجنة بأنه لا يقبل بهذا الطلب ولا يعتبر نفسه مفوضاً من اللجنة بل مندوباً عن الأحزاب الاستقلالية، ولذلك لا يمكنه الانصياع لأوامرها. قلم تر اللجنة حينئذ بداً من إعلان فصل الأمير شكيب عنها، وأنها تسحب ثقتها منه، وتكلفه بأن لا يقدم باسمها أي بيان.
وفد فوق العادة لأوربا:
وفكر عند ذلك فريق من السوريين في مصر بإرسال وفد آخر لأوربا باسم اللجنة التنفيذية ولا تزال هذه الفكرة قيد الدرس رغم أن الاستقلاليون في مصر أخذوا يبثون الدعاية ضد هذا الوفد ويصفونه في صحفهم البيروتية أنه “شهوة سفر من بعضهم لا غير”.
الاستقلاليون يقاومون اللجنة التنفيذية:
وقد سبق أن قلنا عن وصول بعض زعماء المجاهدين لمصر وإعلان استيائهم من الاستقلاليين، وفضح أعمالهم سبب مقاطعة الاستقلاليين للجنة فلم يعودوا يجسرون على الحضور لناديها خوف مقابلة المجاهدين هناك، فعندما سحبت اللجنة ثقتها من الأمير شكيب رأى الاستقلاليون أن يؤلفوا لجنة غيرها فسعوا لإبراز هذه الفكرة وداروا على السوريين في مصر واحداً واحداً يسألونهم الانضمام إلى هذه اللجنة فلم يلب طلبهم أحد.
الاستقلاليون والأمير ميشيل لطف الله
ويعلم الخاص والعام أن عدو الاستقلاليين الوحيد هو الزعيم الشهبندر وهو الوحيد الذي يخشون شره لأنه مطلع على دخائل أمورهم المخزية، فلذلك أخذوا يعملون على إضعاف مركز الدكتور وذهبوا إلى الإسكندرية حيث قابلوا الأمير ميشيل لطف الله وعرضوا عليه الإتفاق معهم على الأسس التي يريدها هو ووعدوه بأن يكونوا هم من رجاله على شرط أن يتخلى عن الدكتور شهبندر، فكان جواب الأمير ميشيل أنه مع الشعب والشهبندر زعيم الشعب فلا يتخلى عنه مطلقاً.
الاستقلاليون والشهبندر
في الوقت الذي كان فيه بعض الاستقلاليين يفاوضون الأمير ميشيل بما سبق كاان بعضهم يسعى مع الشهبندر لإيغار صدره على الأمير ميشيل وإفساده عنه بطريقة شيطانية، نشرحها فيما يلي:
القصاب وخالد الحكيم في مصر
عاد الاستقلاليون لمصر من فلسطين، وأظهروا استغرابهم التام من إستياء الوطنيين لترتيباتهم الأخيرة، ومنها نقل لجنة الإعانة من القدس إلى القريات، وقالوا أنهم ظنوا بأن عملهم هذا ينال رضى الجميع، أما والأمر على العكس فإنهم مستعدون للنزول على إرادة بقية إخوانهم ثم كلفوا الشيخ كامل القصاب وخالد الحكيم “اللذين وصلاً مؤخراً من الحجاز حيث كانا موظفين لدى ابن السعود واخرجهما من خدمته” بأن يفاوضا الدكتور شهبندر.
فجاء القصاب لمنزل الشهبندر وتناول طعام الغذاء على مائدته ولما شرح له الشهبندر أعمال الاستقلاليين ودسائسهم حتى أوصلوا الثورة إلى جالتها الجاضرة اقتنع القصاب بأقواله وأجابه بأنه” “أصبح يعتقد بأن الاستقلاليين جناة”، ولكنه يقترح بناء على تكليفهم أن يجتمع الشهبندر معهم”.
وقد قبل الدكتور بذلك وجرى الإجتماع في دار الشيخ رشيد رضا وهناك تكلم شكري بك القوتلي ونفى عنه وعن جماعته الأعمال الحزبية فأجابه الشهبندر بأن ذلك غير صحيح، وذكره بأنهم قالوا أنهم لا يودون البحث في الماضي.
أما أن يعودوا إلى الماضي وينكروا الحقائق ويطلبوا منه، ومن جماعته السكوت فهذا غير ممكن خصوصاً وأنه معتقد بأن أعمالهم حزبية، وفي منتهى الحزبية،وإذا أرادوا أن يتثبتوا من كلامه فهو يحيلهم إلى نزيه المؤيد ليطلعهم على رسالة المرحوم رشيد طليع.
وهنا حمى وطيس الجدل بين الاثنين وعاب القوتلي بحق نزيه المؤيد وقد كان غائباً فدافع عنه الشهبندر، وانفض الإجتماع على هذه النتيجة، ولم يكن هناك شيئ مما أدعاه القصاب في بيانه الملفق من أن الإجتماع انفقض “بسبب تعنت الشهبندر”.
وغير ذلك قطع الاستغلاليون كل أمل في التفريق بين الأمير ميشيل والشهبندر، ولم يبق لهم إلا أن يخرجوا فكرتهم إلى حيز العمل، وهي تأسيس لجنة تنفيذية خاصة بهم.
المؤتمر السوري العام
وعلم الوطنيون المخلصون أن المؤتمر السوري العام الذي كان ينوي البعض عقده في دمشق سوف لا تكون نتيجة أعمال قراراته في مصلحة البلاد لأسباب منها:
أولاً- أنه لو فرض أن المؤتمرين سيكونون من المعروفين بالإخلاص فإن الفرنسويين لا يسمحون لهم بالاجتماع وثانياً- أن الساعي لعقد المؤتمر كان بعض الاستقلاليين في سوريا ومنهم السيد عفيف الصلح وأن الأمير شكيب هو الذي اقتراح عقد هذا المؤتمر.
ولذلك كتب للرجال المخلصين في سوريا أن لا يقبلوا بالاشتراك في هذا المؤتمر إلا بعد أن يستوثقوا من غايته فكان من نتيجة نوايا هؤلاء أن رفضوا الإشتراك به لأنهم تأكدوا من سوء نوايا الساعين إلى عقده.
وهكذا حبطت فكرة المؤتمر حبوطاً تاماً.
الصحف الاستقلالية
ولابد أن كثيرين من القراء قد أطلعوا على الدعايات الكاذبة التي أخذ يبثها الاستقلاليون ضد هذا وذاك في صحفهم ولاسيما جريدة العهد الجديد البيروتية التي كان لها القدح المعلى في نشر الأكاذيب والمشاغبة على الرجال العاملين والزعماء الأحرار أمثال الأمراء ميشيل وحبيب وجورج لطف الله، والدكتور الشهبندر ونزيه المؤيد وخاصة ما نشرته وتنشره لمراسلها الاستقلالي في مصر سامي السراج ضد الصحف المخلصة وضد ما تنشره جريدة فلسطين لزعماء كبار لاشك في صدقهم ووطنيتهم.
ويعتبر ما تنشره العهد الجديد سلسلة مغالطات وأكاذيب لا موضع لها من الصحة خصوصاً وأن صاحبها السيد خير الدين الأحدب استقلالي معروف وشريكه فيها رياض بك الصلح شريك الأمير شكيب أرسلان في العمل ضد اللجنة التنفيذية بمصر وضد أماني السوريين الأحرار في سوريا وفي الخارج.
الأمير شكيب وإحسان بك الجابري
وليس الاختلاف بجديد بين إحسان بك والأمير شكيب، وإنما يرجع تاريخه إلى بدأ المفاوضات حيث عارض إحسان بك برنامج الأمير شكيب الذي يحتوى القبول بإلحاق بلاد العلويين بلبنان وكانت حجة الأمير شكيب في ذلك أنه إذا ألحقت بلاد العلويين بلبنان كان ذلك خير للوطن إذ لا تعود هناك أكثرية مارونية في الحكومة اللبنانية!
وكان من ضمن برنامجه أيضاً أن تتعهد سوريا بتقديم الجنود للدفاع عن فرنسا ومستعمراتها إذا كان من موجب لذلك في مقابل ذلك تتعهد فرنسا بالدفاع عن سوريا.. إلى غير ذلك مما سنفصله في فرصة أخرى، ولذلك كانت المشادة دائمة بين المندوبين إلى المدة الأخيرة حيث تشاجر إحسان بك مع الأمير شكيب وغادر أوربا قاصداً مصر ففلسطين.
الجمعية الوطنية السورية
وأخيراً رأى معظم الوطنيين في مصر أن من الضرورة تأليف جمعية وطنية، وبالفعل تألفت هذه الجمعية للوقوف أمام مساعي الاستقلاليين المتواصلة لهدم اللجنة التنفيذية، ومن أجل هذه الغاية دعى عموم السوريين إلى إجتماع عام عقد بدار اللجنة التنفيذية، وصادقوا على برنامجها، وهو السعي وراء تحقيق “البرنامج الوزاري المعدل” الذي وضع في ميدان الثورة وقبلت به جميع الأحزاب، ومنها حزب الاستقلال، وكان أساساً للمفاوضات في أوربا وهو الذي تدعوه الصحف “الميثاق القومي”.
وكان تأليف هذه الجمعية ضربة قاسية على الاستقلاليين فهاج هائجهم وأرسلوا شيخهم رشيد رضا لدار اللجنة التنفيذية مستفيدين من عدم وجود أحد فيها في الصباح فطرد الشيخ رشيد الخادم، وحمل بعض أوراق اللجنة الهامة، وأغلق الأبواب وأخذ معه المفاتيح، ثم أعلن أن ذلك كان بقرار من اللجنة وأنها قررت غير ذلك أيضاً، ومنه طرد حسن بك الحكيم من وظيفة مدير مكاتب اللجنة وقبول جمال الحسيني عضواً قيها إلى غير ذلك من الأعمال المخزية.
وقد كان ذلك كله في غياب الأمير ميشيل بالإسكندرية وغياب توفيق اليازجي.
وقد أبرق بكل ذلك للأمير ميشيل، وطلب إليه الحضور للقاهرة ليتلافى ما حدث باعتباره رئيس اللجنة والشخص الوحيد الذي يحق له البت في مثل هذه الأمور لأنه يقوم بجميع نفقات اللجنة من جيبه الخاص دون أن يشاركه الشيخ رشيد بفلس واحد، ولم يكن عمل الاستقلاليين هذا إلا لقتل اللجنة التنفيذية، والتمكن من إعلان تشكيل لجنتهم التي دعوها باسم “اللجنة التنفيذية الوطنية” والتي أصدر الشيخ كامل القصاب باسمها بيانه الأخير ووزعه على الصحف الاستقلالية.
هذه هي حقيقة ما هنالك ولاشك في أن القراء الآن يقدرون عظم جناية الاستقلاليين وصحفهم على القضية السورية لا وفقهم الله في ما يريدون.
القاهرة
“مطلع”).
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة فلسطين - يافا، العدد 1026-74 الصادر في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من تشرين الأول عام 1927م.
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة فلسطين - يافا، العدد 1026-74 الصادر في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من تشرين الأول عام 1927م.