مقالات
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1919 .. سنة الشريف
حمصي فرحان الحمادة – التاريخ السوري المعاصر
يقصد بالشريف (الشريف الحسين بن علي) أمير مكة المكرمة، الذي أعلن – بتأييد ومعاونة الإنجليز – بدء ثورته ضد الحكم العثماني، وذلك بإطلاق طلقة من بندقيته، في العاشر من حزيران 1916م.
وفي السادس والعشرين من أيلول عام 1918 كان الوالي العثماني وجنوده قد غادروا دمشق إيذاناً بزوال الحكم العثماني نهائياً من بلاد الشام.
ودخلت قوات الشريف حسين بقيادة ولده الأمير فيصل مدينة دمشق في الثلاثين من أيلول عام 1918م.
وفي السادس والعشرين من تشرين الأول عام 1918 دخلت قواته مدينة حلب.
وأرسل الأمير فيصل من حلب بشهر تشرين الأول من عام 1919 عدة رسائل إلى شيوخ الجزيرة الفراتية، ومنهم شيوخ عشائر قضاء الرقة، يدعوهم فيها إلى مؤازرة الحاكم العسكري لمنطقة الرقة والخابور والفرات (القائمقام رمضان باشا الشلاش) ومهرها بختم وتوقيع (ابن ملك العرب فيصل الحسين).
وهذا مقالة بعنوان (الرقة في عهد الحكومة الفيصلية)، للأستاذ عبد القادر العياش يرحمه الله، من كتابه (الرقة كبرى المدن الفراتية):
في عهد الحكومة الفيصلية ارتبطت الرقة بدير الزور، ولما احتلت السلطة البريطانية دير الزور في كانون الثاني 1919 ألحق قضاء الرقة بحلب التي كانت بيد الحكومة العربية الفيصلية وعين الضابط (رمضان شلاش) وهو من عشيرة البوسرايا القاطنة في القرى الغربية من دير الزور حاكماً للرقة وقد أراد الضباط العراقيون في دمشق أن يجعلوا من الرقة مكان انطلاق لاحتلال دير الزور وإخراج البريطانيين منها والتمهيد للثورة في عشائر العراق، وقد جاء رمضان الشلاش من الرقة مع جموع من عشائر الرقة إلى عشيرته البوسرايا واستعان برجالها وبأبناء دير الزور وانسحب البريطانيون منها، ولكنهم عسكروا في منطقة أبو كمال بقصد استعادة دير الزور حتى لا يكون تحررها مشجعاً لثورة العشائر العربية في جنوب العراق ولقد سبقت ثورة دير الزور الثورة العراقية سنة 1920 بستة أشهر وقدر المؤرخون العراقيون لثورة دير الزور فضلها في رفع معنويات العشائر العراقية وهو ما كان البريطانيون يخشونه.
لقد أراد الأتراك أن يفيدوا من خلق مصاعب للفرنسيين الذين احتلوا حلب. وأصدر الجنرال غورو قراراً رقم 367 المؤرخ في 31 أيلول 1920 عين فيه تخوم حكومة حلب وجعل حدودها الخط الحديدي في الشمال ونهر الخابور في الشرق ما يشمل منطقة الرقة ودير الزور وهكذا بالاتفاق مع بريطانيا.
وكان الأتراك يخوضون ضد الجيش الفرنسي معارك ضارية في كيليكيا فأرادوا إشغال الفرنسيين بخلق حركة يعلمون عقمها واستغلال هذه الحركة لمفاوضة الفرنسيين وكسب ما يمكن كسبه. هذا من جهة ومن جهة أخرى أرادوا من خلق حركة في الرقة ضرب عشيرة الملية الكردية التي تتاخم حدودهم في أعالي الخابور وويران شهر فاتصلوا بأحد شيوخ عشيرة الفدعان العشيرة البدوية العنزية.. هو حاجم بن مهيد والذي كان يقيم في موقع طوال العبا فجعلوه حاكماً للرقة وأحاطوه بأشخاص من أبناء الرقة من صنائعهم بصفة لجنة وأطمعوه بأن يجعلوا منه أميراً على منطقة يحدها شرقاً الخابور، وغرباً جرابلس، شمالاً الخط الحديدي.. ومهمته الأولى المحافظة على هذه الحدود حتى لا يستولى عليها الفرنسيون أعداء الإسلام والعرب. والثانية هي ألا يناصر العشائر الملية التي انضمت إلى الفرنسيين وألا يقبل دخالتهم إذا التجؤوا إليه.. وجاءت سرية تركية من أورفة إلى الرقة لمساعدة الحاكم العربي حاجم بن مهيد وكان أمياً لا يفقه من السياسة والإدارة والثورة والوطنية شيئاً وبقيت هذه السرية أشهراً في الرقة وكان من وراء هذه الحركة محمد نهاد باشا القائد التركي لمنطقة ما بين النهرين.
وكانت الحكومة العربية في دمشق قد نحت رمضان الشلاش وأرسلت مولود مخلص الضابط العراقي حاكماً لدير الزور فانضم رمضان الشلاش إلى حاجم والأتراك في الرقة وجاءت سرية يقودها ضباط أتراك ومعهم رمضان الشلاش من الرقة وعبرت الفرات من الضفة الشرقية المواجهة لمنازل عشيرة البو سرايا على الضفة الغربية وتقدمت إلى دير الزور بقصد احتلالها وكانت دير الزور بيد الفرنسيين وقذفت دير الزور بعدة قنابل من مدافعها. وقد صدها وهزمها مجحم بن مهيد أحد شيوخ عشائر الفدعان العنزية بجيشه المؤلف من العربان وكان في خدمة الفرنسيين في حلب وفي الفرات وهو ابن عم حاجم بن مهيد.
وفي شباط 1921 أرسل الجنرال دولاموت القائد الفرنسي في حلب رسولاً يدعو حاجم إلى التخلي عن مناصرة الأتراك وكان حاجم يقيم في موقع طوال العبا مقابل راتب لحماية الحدود السورية مع منحة مستعجلة قدرها مئة ألف ليرة عثمانية ذهب وكان حاجم قد طلب إلى الفرنسيين أن يعينوه حاكماً أو آمراً على الرقة مقابل انضمامه إليهم.
وفي أيلول 1921 توجهت من حلب حملة فرنسية بقيادة الكولونيل ترانكة وقد انضمت إليها قوة من البادية برئاسة مجحم بن مهيد لإخضاع منطقة الفرات وعسكرت على ضفة الفرات الجنوبية مقابل الرقة وأرسل قائد الحملة رسائل إلى أشخاص بارزين من الرقة يحذرهم ويطلب إليهم أن يطردوا المعتدين استعداداً لدخول القوات الفرنسية.
وتشربت أخبار هذه الرسائل إلى سكان الرقة وقد رأوا خيام الجيش الفرنسي وانهارت أعصابهم وهم يعلمون قلة الأتراك ووجهت رسائل منهم إلى الكولونيل توانكه بالترحيب وأنهم يطلبون مهلة أسبوع لجمع السلاح من الأهلين، وفي الوقت نفسه أرسلوا رسائل إلى كنعان بل قائد الفرقة الخامسة للجيش التركي في أورفة وفيها إنذار ترانكه وطلب إمداد سريع لتتمكن البلدة من المقاومة وجاءت قوة تركية مؤلفة من مئتين وخمسين جندياً مع مدفعين كبيرين وتبادل الأتراك والفرنسيون قذائف المدافع.
ووجه الأتراك حاجم للسير إلى حلب بحجة احتلالها وقطع تموين الحملة الفرنسية في الفرات ولم يكن الأتراك جادين في عملهم هذا ولكنهم أرادوا أن يبرهنوا للفرنسيين قدرتهم على تدخلاتهم وما إن سار حاجم حتى عاد إلى الرقة في تشرين الأول 1921 وأخذ الأتراك يفاوضون الفرنسيين المعسكرين أمام الرقة دون الالتفات إلى حاجم وجماعته من أبناء الرقة بناء على الاتفاقات المبرمة بين القيادتين الحربيتين التركية والفرنسية واتفاق أنقرة.
وانفرط حكم حاجم الصوري في السادس عشر من كانون الأول عام 1921، وكان يد ابتدأ في العاشر من آب عام 1920م.
انظر:
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1917 ..سنة الجوع .. سنة الغلا.. سنة الحميضة
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1918 ..سنة سقوط العصملي – سنة الوجع
المراجع والهوامش:
(1). حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 - 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م، 119-125
المراجع والهوامش:
(1). حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 - 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م، 119-125