قضايا
انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية عام 1936
عاد الوفد السوري في مطلع تشرين الأول 1936 ووصل حلب حيث استقبل استقبالاً شعبياً حافلاً أعدته له “الكتلة الوطنية” واشترك فيه المفوض السامي دي مارتيل الذي حضر من بيروت لاستقبال الوفد.
هذا وقد أصدر المفوض السامي قراراً بتعيين موعد الانتخابات النيابية في البلاد يوم 30 تشرين الثاني 1936 لانتخاب مائة وأربعة نواب.
في التاسع من كانون الأول 1936م، صدر مرسوم جمهوري بإعلان أسماء الفائزين في الانتخابات حيث سجلت “الكتلة الوطنية” ومؤيديها انتصاراً ساحقاً، وطلب أعضاء الكتلة من الدكتور نجيب الأرمنازي أمين عام القصر الجمهوري، إبلاغ رئيس الجمهورية محمد علي بك العابد ضرورة الاستقالة لإفساح المجال أمام الكتلة لإتمام مهمتها الوطنية، فوافق على الاستقالة.
كذلك استقالت حكومة عطا بك الأيوبي في الحادي والعشرين من كانون الأول 1936م36، واجتمع المجلس النيابي وانتخب السيد فارس الخوري رئيساً له، وحصرت نيابتا الرئيس ومراكز مكتب المجلس بأعضاء الكتلة الوطنية.
جرت انتخابات رئاسة الجمهورية في الحادي والعشرين من كانون الأول ففاز بالأغلبية الساحقة هاشم بك الأتاسي رئيس الكتلة الوطنية، وحصل على 74 صوتاً من أصل 82 صوتاً.
وفي الحادي والعشرين من كانون الأول 1936م، أيضاً أصدر هاشم الأتاسي مرسوماً بتأليف الوزارة الجديدة برئاسة جميل بك مردم بك الأولى، الذي أحدث ولأول مرة منذ الانتداب الفرنسي وزارتين جديدتين الأولى للخارجية والثانية للدفاع الوطني، كمؤشر على رغبة زعماء الكتلة في التأكيد على استقلال البلاد داخلياً وخارجياً).
الموقف من الانتخاب:
رحبت الحكومة المصرية بانتخاب الأتاسي رئيساً للجمهورية، وأرسل طلعت حرب رئيس الحكومة برقية تهنئة إلى الرئيس هاشم الأتاسي يبارك فيها انتخابه رئيساً لسورية، ويتمنى له النجاح في عمله.
كما أرسل الحاج أمين الحسيني مفتي القدس برقية إلى هاشم الأتاسي برقية بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية السورية، هذا نصها:
(أهنئ برياستكم الجليلة سورية المجاهدة، أملاً أن تستقبل الأمة العربية عهداً جديداً مباركاً تحت لوائكم الميمون وزعامتكم المخلصة الحكيمة).
كما أرسل الحسيني البرقية التالية إلى وزراء الدولة السورية مهنئاً، وهذا نصها:
(دولة رئيس الوزراء السيد جميل مردم بك، معالي السيد سعد الله الجابري، معالي السيد شكري القوتلي، معالي الدكتور عبد الرحمن الكيالي: دمشق
أهنئكم بما حزتم من ثقة الأمة، وأهنئ البلاد العربية بعهد وزارتكم السعيد
أمين الحسيني).
كتب يوسف الحكيم:
افتتح المجلس النيابي في الحادي والعشرين من كانون الأول عام 1936 وانتخب فارس الخوري رئيساً للمجلس، ثم تلي كتاب رئيس الجمهورية محمد علي العابد الذي يتضمن استقالته من الرئاسة بناء على أسباب صحية تقبلها المجلس النيابي فوراً، وبوشر بانتخاب خلف له، ففاز بشبه إجماع النواب رئيس الكتلة الوطنية هاشم الأتاسي نائب حمص وختمت الجلسة النيابية الأولى بين الهتاف.
وحول استقالة العابد، كتب الحكيم:
(لم تكن استقالة العابد من رئاسة الجمهورية مفاجأة للناس الذين شاهدوا أركان الكتلة الوطنية بعد عودة الوفد من فرنسا يسخطون على العابد لبقائه في الحكم بعد انسحاب الوزراء الوطنيين ولتعاونه مع الموالين للانتداب المنافسين للكتلة الوطنية، مع أن معظم زعمائها كانوا على اتصال مستمر عبر كبير أمنائه نجيب الأرمنازي عديل جميل مردم بك بالقرابة العائلية،ناعمين بعطفه الرئيسي والتردد إليه حتى إعلان بضرورة الاستقالة من الرئاسة، ولم يبق له من مدتها سوى ستة أشهر، فنزل عند اشارتهم رغبة منه في إفساح المجال لإكمال مهمتهم التي خطت الخطوة الأولى بالتفاهم مع الوزارة الفرنسية، وبنى استقالته على أسباب صحية رغم تمتعه بصحة جيدة بستطيع معها المثابرة على عمله.
ان انسحابه من رئاسة الجمهورية على الوجه السالف الذكر لم يحل دون استمرار الشعب، على اختلاف طبقاته، في محبته وتقدير مزاياه، والتحدث بنزاهته وواسع علمه ومكارم أخلاقه).
تعليق صحيفة فلسطين
في تعليق لصحيفة فلسطين حول انتخاب هاشم الأتاسي عام 1936، ذكرت: (لقد كان دولة هاشم بك الأتاسي منذ جلاء الترك عن البلاد السورية مثالاً قيماً للزعامة النزيهة، وكان ومقره حمص- لا يبالي بتجشم السفر دوماً إلى دمشق وحلب للإشراف بنفسه على كل حركة وطنية تقام لمكافحة رجال الحكم البائد أو لصد حركة أفرنسية تريد الوقيعة بالبلاد، وكان يدير دفة العمل بحنكة ودهاء وقد يكون لوجوده قائمقاماً في العهد العثماني مدة طويلة تأثير بين علي خطته هذه أضف إلى ذلك تأثير اختباراته عندما ترأس الحكم في أواخر عهد جلالة المغفور له الملك فيصل في الديار السورية.
وأذكر أني اجتمعت إلى دولته في داره بحمص في عهد الوزارة التاجية الأولى ودار الحديث بيننا حول أعمال هذه الوزارة وماكان يتمتع به فخامة الشيخ محمد تاج الدين الحسني رئيس الوزارة من ثقة الأفرنسيين فقال دولته بصوت ينم عما تنطوي عليه نفسه العفيفة الزاهدة في الحكم :”ليس يابني للشيخ ما يحسد عليه، فرجال السلطة الأفرنسية قوم لا يضعون ثقتهم في مثل هذه العناصر إلا لآجال وأسباب معلومة، والأمة السورية لا يفوتها مثل هذه الثقة وأسبابها وعواملها ومهما طال الزمن فإن الكلمة العليا للحق”.
وقد كان دولة الأتاسي بك طيلة أيام حياته عف اللسان في نقد خصومه السياسيين، دمث الأخلاق إلى حد بعيد، ولكنه كثيراً ما كان يتصلب في آرائه في الشؤون الوطنية، ولو صدرت القرارات وأتت بإجماع آراء الكتلة الوطنية التي هو رئيسيها.
وأستطيع أن أجزم هنا أن دولته لو أراد إعتلاء منصب رئاسة الجمهورية على أسس تفضل بكثير الأسس التي أوصلت رجال الحكم الماضي إلى مناصب السلطة لما استطاع أحد مزاحمته، ولكنه كان شديد الثقة بانتصار الحق على الباطل، فحقق الله آماله).
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة فلسطين -يافا، العدد 221- 3412 الصادر يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من كانون الأول عام 1936م
(2). جميل مردم بك وانتخاب الرئيس هاشم الأتاسي عام 1936
(3). صحيفة الدفاع -يافا، العدد 765 الصادر في الرابع والعشرين من كانون الأول عام 1936م.
(4). الحكيم (يوسف) سورية والانتداب الفرنسي، دار النهار، الطبعة الثانية، بيروت 1991م، صـ 269
(5). صحيفة فلسطين- يافا، العدد 222 -3413 الصادر يوم الأربعاء الثالث والعشرين من كانون الأول عام 1936
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة فلسطين -يافا، العدد 221- 3412 الصادر يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من كانون الأول عام 1936م
(2). جميل مردم بك وانتخاب الرئيس هاشم الأتاسي عام 1936
(3). صحيفة الدفاع -يافا، العدد 765 الصادر في الرابع والعشرين من كانون الأول عام 1936م.
(4). الحكيم (يوسف) سورية والانتداب الفرنسي، دار النهار، الطبعة الثانية، بيروت 1991م، صـ 269
(5). صحيفة فلسطين- يافا، العدد 222 -3413 الصادر يوم الأربعاء الثالث والعشرين من كانون الأول عام 1936