مقالات
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (6)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
أخبار من ثورة استقلال سورية في حماة خلال شهر أيار 1945، الحلقة (6)
أخبار نواب حماة
توطئة : قبل الحديث عن مواقف نواب حماة في ذلك الزمان، لا بد من العودة الى بعض ماجرى في حماة قبل انتخابات عام 1943 والتي جرت في عموم سورية …..
فمن المعروف أن زعيم حماة ورئيس الكتلة الوطنية فيها الدكتور توفيق الشيشكلي قد توفاه الله يوم 3 / 10 / 1940م فخلفه في رئاسة الكتلة الوطنية المحامي رئيف الملقي، وأيضا كان حزب الشباب قد تأسس خلال عامي 1937 و 1938 من قبل الأستاذ عثمان الحوراني وثلة من رفاقه، والذين انشقوا عن الكتلة الوطنية، وكان مركزهم الأول عبارة عن غرفة في بيت الأمة الذي هو منزل الدكتور توفيق الشيشكلي.
وهكذا أصبح قبيل انتخابات عام 1943 ثلاث قوى سياسية كبيرة في حماة وهي : الكتلة الوطنية يقودها المحامي رئيف الملقي ( 1903–1988 ) ، وحزب الشباب يقوده الأستاذ عثمان الحوراني ( 1898 –1958 ) ، وتجمع العائلات الكبيرة متمثلة بوجيه عائلة العظم فريد بك العظم ( 1873– 1952 ) ووجيه عائلة الكيلاني عبد القادر الكيلاني ( 1873– 1948 ) ، ووجيه عائلة البرازي نجيب اّغا البرازي ( 1877–1967 ) ووجيه عائلة ” طيفور ” فريد طيفور ( 1898–1972 ) وعائلات أخرى أفرادها كثيرون مثل البارودي والعلواني والسفاف وغيرهم ….
وعندما اقترب موعد الانتخابات في شهر تموز 1943 جرى صراع شديد بين التجمعات السياسية السابقة الذكر ، وكادت تحدث صدامات دموية فسارعت الرجال الوطنية الى تشكيل لجنة تم تسميتها بلجنة الاصلاح وهي مكونة من السادة : مفتي حماة الشيخ محمد سعيد النعسان ، ومطران حماة أغناطيوس حريكة ، والشيخ محمود الشقفة ، والحاج محمد الأشقر عدي ، والحاج محمد نور عدي ، والحاج محمد نور حميدان ، ….
وبدأت تلك اللجنة باجتماعاتها المتكررة في مدرسة دار العلم والتربية بقصر العظم الشهير ، أصدرت قرارا تاريخيا كان مثالا حيا على تكريس الوحدة الوطنية ، وأيضا كان عظيما بقبول أهل السياسة به جميعا مما دلّ على التصرف السياسي الوطني الحكيم من مختلف القيادات المتصارعة في المدينة ، حيث كان القرار بتشكيل قائمة وطنية انتخابية موحدة مؤلفة من السادة : نجيب البرازي — أكرم الحوراني — غالب العظم — رئيف الملقي –فريد مرهج …وقد أيد مرشح الكتلة الوطنية وقتئذ لرئاسة الجمهورية شكري القوتلي تصرفات لجنة الاصلاح في حماة وما نتج عنها بتشكيل القائمة الموحدة ، والتي نجحت بأكملها وناضلت عبر المجلس النيابي لدورة عام 1943 ….
بعد هذا السرد المختصر جدا للأحداث التي جرت في حماة قبيل ثورة الاستقلال في حماة خلال شهر أيار 1945 ، فقد تحدثت المصادر الموثوقة بأن النائب أكرم الحوراني كان يتابع أحداث حماة عن طريق ما يرسله له رفاقه في حزب الشباب وخاصة من قبل السيد سعيد الخاني ، وكان موقفه في جلسات المجلس النيابي المتكررة نتيجة الاضطرابات في دمشق العاصمة ، فقد دعا من خلال المجلس النيابي الى تشجيع الشباب للتطوع في سلك الدرك ، وأيضا دعا النواب للتطوع في الدرك ليكونوا قدوة للشباب الوطني.
ونفذ ذلك حيث تطوع في سلك الدرك مع النائب قاسم الهنيدي ( من دير الزور ) والنائب عبد الحكيم عباس ( من جيرود ) وغيرهما ، وقد قاموا بالتدريب على السلاح في قلعة دمشق ، واشتركوا ببعض النشاطات الليلية المسلحة وهم يلبسون لباس الدرك الرسمي كأفراد من تلك القيادة ، وعند وصول تلك الأنباء الى حماة زادت معنويات الثوار بشكل منقطع النظير ، أما النائب رئيف الملقي فقد كان دائم السفر بين دمشق وحماة ، ويقوم باتصالات حثيثة مع كثير من الجهات للحصول على السلاح بهدف توزيعه على مزيد من المتطوعين الذين جاءوا حماة من مختلف المناطق السورية ، وكان أثناء وجوده في حماة دائم الصلة مع محافظ المدينة وقائد دركها يحاورهما على أفضل السبل لتحقيق النصر على المحتل الفرنسي ، أما النائب غالب العظم فقد عاد من دمشق وقام بنشاط حثيث يدعمه عمه فريد بك العظم بالاتصال مع المحافظ وتقديم الدعم الفعال وخاصة ما يخص الطعام والشراب للثوار ولضيوف المدينة من أقضيتها وقراها الكثيرة ، أما النائب فريد مرهج فكان رهن اشارة الوطني الكبير المطران أغناطيوس حريكة.
وتقول بعض المصادر أن النائب فريد مرهج ارتدى ألبسة عسكرية وحمل السلاح كغيره من الثوار ، ولقد توج السيد النائب رئيف الملقي الأعمال الوطنية التي قام بها نواب حماة بتوجهه الى شرقي الأردن للحصول على دعم الوطنيين هناك لثورات الاستقلال في مختلف المدن السورية وخاصة ثورة حماة ، وزبدة الهدف من سفره الحصول على مزيد من السلاح …أما نائب حماة نجيب البرازي فقد عاد من دمشق وقدم الدعم المعنوي والمادي للثوار بحيث لم تستطع المصادر الموثوقة احصاءه ، وهو مشهود له ولزوج أخته السيد حسن الشيشكلي بتقديم السلاح والمال للشيخ صالح العلي في الجبال الساحلية بين عام 1919 وعام 1921 ، وأيضا فعل نفس الأمر مع ثورة الدنادشة في تلكلخ عام 1919 ، بل اشترك كثير من شباب حماة بدعم منه في تلك الثورة ….
وفي ختام هذه الحلقة نقول أن مواقف نواب حماة كانت من عظمتها مثالا رائعا ورافعة هائلة لمعنويات الثوار يوم وقعت المعارك فقد كانوا جميعا أسوة حسنة لمن يستظل بحب الوطن والجهاد من أجل رفعته ..وأعظم تصديق لذلك ما قاله قائد القوات البريطانية في الشرق الجنرال ” بــاجــيــت ” ( لقد أنقذنا الأهالي في سورية من الفرنسيين ، الا في حماة فقد أنقذنا الفرنسيين من الأهالي )
انظر:
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (1)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (2)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (3)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (4)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (5)