وثائق سوريا
كلمة الجنرال سبيرز المفوض البريطاني بدمشق بمناسبة انتهاء مهامه عام 1944
دعا الكولونيل مرساك الضابط البريطاني للمطبوعات في المفوضية البريطانية بدمشق رجال الصحافة إلى حفلة “ابيراتيف” ظهيرة يوم السادس من كانون الأول عام 1944 في فندق أوريان بالاس بمناسبة مغادرة الجنرال إدوارد لويس سبيرز المفوض البريطاني دمشق بعد انتهاء مهامه فيها.
ألقى الجنرال سبيرز كلمة في الحفل، هذا نصها(1):
إنها لبرهة أليمة هذه البرهة لأنني أودع بها أصدقائي، فالصحافة السورية، كالصحافة اللبنانية كانت ولا تزال لطيفة وطيبة نحوي دون ما استثناء.
ويسرني أن أغتنم هذه الفرصة لأعبر بها للجميع عن عظم تقديري لشعورهم الطيب نحوي.
وعندما خاطبت رجال الصحافة اللبنانية أول أمس أسهبت الكلام في الدور الفائق الأهمية الذي يجب على الصحافة أن تقوم به في بلاد ديمقراطية وليس ثمة من حاجة أن أعيد عليكم ما قلته آنذاك، غير أنني أود أن أؤكد أن الصحافة القوية المستقلة ضرورية لكل شعب حر، والأمم الأخرى تتطلع إلى صحافتها لتقودها في تلمسها آراء الشعب الحقيقية، ولذا كان من الضرورة بمكان عظيم أن تنعكس لديهم صورة صحيحة تمثل ذاك الرأي.
لقد روجت الإشاعات حول سفري وبستغرب المرء متسائلاً عن مصدرها ومقاصدها، وهي تذيع أن مغادرتي البلاد تدل على تغيير في سياسة حكومة صاحب الجلالة.
غير أنه يسرني أن أقول أن الحكومة البريطانية قد أصدرت بلاغاً يذكر بأوضح العبارات أن الحالة هي على غير ذلك. فحكومة صاحب الجلالة قد تعهدت بأن تدعم استقلالكم وهي باقية على عهدها، والبلاغ يقول أنني قد مثلت حكومة صاحب الجلالة تمثيلاً ممتازاً جداً في هذه البلاد.
وهذا لا يمكن أن يعني إلا أن الحكومة البريطانية مسرورة بهذه الحظوة العظمى إلى الأمام في طريق الاستقلال التي سارت عليها الجمهوريتان خلال المدة التي كنت فيها هنا.
وإنني استطيع أن أؤكد لكم أن الديمقراطيين في بلادي جد مسرورين لأنكم أصبحتم في مصاف جماعة الشعوب الحرة العظيمة، ويقول البلاغ أيضاً: أنه بما أن رسالتي قد تمت فإنني صرت راغباً في استئناف واجباتي النيابية.
نعم أنه لحقيقي أن رسالتي في سوريا ولبنان التي بدأت منذ أربعة أعوام قد تمت وإنني استطيع من الآن فصاعداً أن أقوم بخدمات لكم من على مقعدي في مجلس العموم أجل وأعظم مما لو بقيت هنا وأتمكن من مساعدة بلادي على تفهم مشاكلكم ومصاعبكم.
وإني لواثق بأن العطف يعقب التفهم، إن لديكم رجالاً ممتازين أفاخر بأن أدعوهم بأصدقائي يديرون دفة الأمور بينكم، ولا تنقصهم المواهب والشجاعة في مجلسكم النيابي وبين أبناء شعبكم.
ولقد انتشرت إشاعات أخرى أيضاً مشيرة إلى أن المؤسسات المختلفة التي دعتنا حالة الحرب إلى إنشائها في بلادكم ستتوقف عند سفري، وهذه الإشاعات إنما هي طبعاً كلام هراء، فالأمور ستظل كما هي غير أن التطور من حالة الحرب إلى حالة السلم يجب أن يحدث ولاشك تغييراً إلى أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه علاقاتنا معكم على أساس التبادل الدبلوماسي الإعتيادي كما هي الحالة مع أي من البلدان المستقلة الأخرى، وإني واثق من أنكم ستحبون خلفي وهو صديق لي وليس بالإمكان اختيار من هو أفضل منه لتسلم هذا المركز، وإني أعلم حق العلم أنه سيبدي عطفاً وتفهماً لما إليه تصبون وتطمحون.
إني مؤمن تمام الإيمان بمستقبل سوريا. وعندما يحيا المرء على مقربة من الحوادث فالأغلاط تبدو مكبرة، والتقدم يلوح بطيئاً غير أنني متأكد من أن هذه التطورات نفسها إذا ما نظر إليها من مسافة بعيدة كمسافة بلادي فإن الرأي ليعجب إيما إعجاب بتقدم شعبكم لاسيما خلال هذه السنة الأخيرة ولا تزال أمامكم مشاكل عديدة يجب معالجتها غير أنها إذا ما جوبهت بالشجاعة التي أعرف أن شعبكم يتحلى بها وبتلك المحبة للوطن الذي أعهدها فيكم فإنكم ستتغلبون عليها ولاشك.
لقد نما في حب سوريا وحب شعبها ذلك الشعب الذي قاسمته حياة الألفة والمودة خلال مرحلة ربما كانت أشد المراحل الفاصلة في تاريخه.
ولسوف أرقب ما يجري هنا بأشد الاهتمام، وكما أنني تركت جزءاً من قلبي بينكم، فإني آمل أن أعود قريباً وبعد ذلك غالباً لآراكم، وأتفقد ذلك الجزء من قلبي الذي خلفته بينكم).
(1) صحيفة ألف باء- دمشق، العدد 6915 الصادر يوم الخميس السابع من كانون الأول عام 1944م.
من مذكرات أكرم الحوراني – أزمة اقتصادية خانقة
الجنرال سبيرز يقدم أوراق اعتماده الى الشيخ تاج الدين الحسني 1942