أحداث
إعلان قيام دولة حلب عام 1920
في الأول من شهر أيلول عام 1920 أصدر الجنرال غورو القرار رقم 330 القاضي بإعلان قيام دولة حلب (1).
وفي التاسع من أيلول أقيم في حلب احتفالاً أعلن فيه الجنرال ده لاموط قائد الفرقتين الثانية والرابعة من الجيش الأفرنسي استقلال ولاية حلب.
نص الخبر الذي نشرته صحيفة البشير حول حفل إعلان استقلال حلب:
(صحيفة 1920- الإحتفال بإعلان استقلال ولاية حلب
كان يوم الخميس الواقع في التاسع من أيلول يوماً عظيماً نادر المثال ظهرت فيه مدينة حلب بمظهر من الزينة لم تظهر به فيما سبق.
فكانت ألوف الرايات تخفق فوق دار الحكومة وفي شرفات المنازل والشوارع والفرح شامل جميع أنحاء المدينة، والكل ينتظرون بفارغ الصبر حلول ساعة الإحتفال في دار الحكومة.
وكان كامل باشا القدسي والي حلب مع أمراء الملكية والرؤساء الروحيين وقناصل الدول ورجال الصحافة وأعيان المدينة ينتظرون وصول حضرة الجنرال ده لاموط قائد الفرقتين الثانية والرابعة من الجيش الأفرنسي.
فما كانت الساعة التاسعة أقبل حضرة الجنرال الآنف الذكر يصحبه جميع أركان حربه وقواد وضباط الجيش فحيتهم رجال الدرك بالتحية العسكرية وعزفت آلات الموسيقى وعلى هتاف الأهلين ودوى تصفية الأيدي.
ولما استقر بهم المقام نهض حضرة الجنرال ولفظ خطاباً شائقاً أعلن فيه استقلال ولاية حلب وإذ ذاك أطلق مائة مدفع ومدفع، ومما جاء في حطاب الجنرال:
(إن فرنسة أيها السادة بإنالتها دولة حلب استقلالها تضع على عواتقكم واجبات كبيرة بتسليمها لأيديكم مستقبل هذه البلاد. فعليكم منذ الآن أن توقظوها من سباتها الذي مرت عليه عصور.
قال شاعرنا الكبير صاحب الأمثال: “اشتغلوا واجتهدوا فرأس المال قل ما يعوز”
“ورأس مالكم هو هذه الحقول حيث شمس أسية الحارة تنبت غلالاً نادرة المثال. وهذه المياه المتدفقة ذات القوى العظيمة. وهذه الكنوز المعدنية المدفوعة في أراض لم تستثمر بعد. وهذا خليج الإسكندرونة العجيب حيث سينشأ ميناء عصري تفضي إليه تجارة الشرق. وهذا المركز الجغرافي لهذا االقطر الذي يمر به خط بغداد الكبير هو الذي سيعيد إلى مدينتكم تفوقها التجاري الذي سلبها إياه فتح ترعة السويس. ورأس مالكم أخيراً هذه الشعوب التي ينبغيي أن تكفل لها وسائل العمل والاستثمار كمالاً أوفر وطرازاً أحدث وأن تزداد رفاهية وتقدماً ورقياً.
لا جرم أن العمل عظيم ولا يتسنى ان يتم في يوم واحد. على أنه ليس فوق ذكاء سكان هذه البلاد وهمتهم وصبراً جميلاً وسكينة سائدة ويتطلب إدارة مخلصة نزيهة منتبهة إلى الواجبات ومتشعبة من الرغبة في العمل لبلوغ المرام.
ثم وقف حضرة الوالي فألقى خطاباً بليغاً رحب فيه بحضرة الجنرال ودعا لدولة فرنسة بالعز والتأييد. ثم قدمت المرطبات وخرج حضرة الجنرال وجميع الحضور وساروا إلى دائرة البلدية وكانت مزدانة بأفخر زينة فاستقبلوا فيها بكل حفاوة واكرام. وهنالك تلي خطاب رئيس البلدية. ثم ارتجل غبطة السيد اغناطيوس افرام الثاني رحماني بطريرك الطائفة السريانية خطاباً أنيقاً ذكر فيه أهمية حلب في تاريخ الدول وخصوبة تربة أراضيها التي كان الرومانيون يسمونها احراء رومية ثم قال:
فهاكم لمعة من تاريخ بلادكم القديمة التي كان ذكرها ذائعاُ منتشراً في كل الأقطار . فأنتم أولاد أولئك المشهورين الذين تتسلسلون منهم، وهي هي الأراضي المنقطعة النظير التي خصت بها القدرة الإلهية بلادكم العزيزة ومنها السهول الفسيحة الواسعة الخصبة التي ألحقت بها حتى الآن والتي ستلحق عن قريب وبعضها قد توالت عليها مئات بل ألوف من السنين ولم تفلح وفي بطونها المعادن الثمينة المتنوعة وتجري فيها. خلا الجداول الأنهاء الشهيرة لترويها وهي العاصي، والفرات والدحلة والخابور. وها قد حم الأوان الذي لم يحلم به أجدادكم حلماً وهو هذا اليوم إذ قد منحتم استقلال مقاطعتكم بملحقاتها.
فما الذي ينقصكم والحالة هذه لتعودوا إلى قديم فخركم وتبلغوا إلى منتهى السعد والنجاح، ويترتب عليكم أمور شديدة الأهمية فالأمر المعول عليه خاصة هو الحد والنشاط فهبوا له لأن الحياة هي العمل والخمول هو الموت ولكن السعي النشيط ينبغي أن يكن أساسه مصدره التآنف والتعاضد والاتحاد والتآخي دون تعصب.
وعقب غبطته كثير من الخطباء ثم قدمت المرطبات. وعند الساعة الرابعة والنصف توجه حضرة الوالي والرؤساء الروحيون وعدد كبير من الأشراف والأعيان إلى بيت حضرة الجنرال ده لاموط ليقدموا شكرهم. فاستقبلهم بكل ترحيب وقدمت المرطبات للجميع وشرب فخامته على ذكر استقلال حلب ودعا لها بالخير والفلاح.
وفي المساء لبست الشهباء حلة بهية من النور ومكث المغنون ينشدون أناشيد الطرب إلى ما بعد نصف الليل.
متع الله هذه المدينة في عصر استقلالها بالتقدم والازدهار بمساعدة وعناية محررة الشعوب)(2).
(1) قرار قيام دولة حلب عام 1920
(2) صحيفة البشير – بيروت، العدد 2618 الصادر يوم الخميس السادس عشر من أيلول عام 1920م.