زار شكري القوتلي يرافقه فارس الخوري الرئيس هاشم الأتاسي في حمص في التاسع من أيار عام 1943م لمناقشة موضوع الانتخابات البرلمانية وانتخاب رئيس الجمهورية.
وفي هذه الزيارة بارك الرئيس هاشم الأتاسي ترشح شكري القوتلي لرئاسة الجمهورية.
يذكر أكرم الحوراني في مذكراته أن القوتلي توجه في التاسع من أيار عام 1943م إلى حمص “لرد التحية للرئيس هاشم الأتاسي الذي اعتذر للجنرال كاترو عن قيادة العهد من جهة، وللتودد للأتاسي ليكون عوناً له على جمع صفوف الكتلة الممزقة من جهة أخرى، فتمت زيارته لحمص بجو طبيعي لم تشارك فيه الجماهير الشعبية بأي استقبال أو احتفال”(1).
الوزير والقاضي يوسف الحكيم دوّن في مذكراته ما جرى في تلك الزيارة من نقاش حول موضوع الانتخابات والترشح لرئاسة الجمهورية، وتنبع أهمية تلك التفاصيل من مكانة يوسف الحكيم الذي كان قاضياً مطلعاً على ما يدور في أروقة السياسة.
العنوان:
المدونة بعنوان: “الزعامة بين الأتاسي والقوتلي”
(حين برزت زعامة شكري القوتلي في الكتلة الوطنية، التي أعيد تسميتها بالحزب الوطني، وتجلت هذه الزعامة في معارضتها لحكومة الشيخ تاج الدين الحسني ووزاراتها الثلاث المتعاقبة، كان شكري القوتلي يردد في كل مناسبة أن رئيس الكتلة الوطنية هو الرئيس الجليل هاشم الأتاسي، زعيم الوطنيين الأول وأنه أحق من سواه برئاسة الجمهورية، مما زاد في اعتقاد البعض زهد القوتلي في الرئاسة ورغبته في الاحتفاظ بالزعامة الشعبية.
ولما بدأ التفاهم بين الرئيس الجليل المشار إليه وبين المندوب العام الجنرال كاترو، إثر زيارته للأتاسي في حمص، شاع في دمشق أن مما تضمنه هذا التفاهم، أن يكون الأتاسي رئيساً للجمهورية السورية. فأسرع شكري القوتلي وصديقه فارس الخوري، وكلاهما من أبرز الشخصيات في الحزب الوطني وغيره، إلى مغادرة دمشق بسيارة القوتلي إلى حمص، بعد اتفاقهما على الخطة التي برزت في حديثهما مع الأتاسي على الوجه التالي.
بعد أن تحدث الأقطاب الثلاثة، في منزل أحدهم الأتاسي، عن حراجة الموقف السياسي الحاضر تجاه كل من الحليفتين المتناظرتين، فرنسا وبريطانيا، والحرب العالمية لم تنته، اقتراح العلامة فارس الخوري أن يظل الرئيس الجليل الأتاسي رئيساً لجميع الوطنيين وزعيمهم الأوحد، دون أن يخوض معارك السياسة والإدارة التي تستدعي جهوداً جبارة لا يتحملها سوى شاب كشكري القوتلي. فأسرع القوتلي بالجواب قائلاً: “لا زعيم لنا ولا رئيس سوى الرئيس الجليل هاشم الأتاسي، فهو، مدّ الله بعمره، يتمتع بصحة جيدة وقوة عزيمة لا نظير لهما”.
فأجاب الخوري: “دعني أتم كلامي يا شكري بك، يجب على كل منا، نحن الوطنيين، مواصلة الدعاء للعزة الإلهية بأن تمد بعمر رئيسنا الجليل الأتاسي، ليبقى نبراساً ومرشداً لنا في جميع أعمالنا. أما أن نطلب منه، في بدء الاستقلال، خوض خضمّ الإدارة والسياسة التي قد تتبدل وتحرج موقف الحكومة، فأخشى أن يقضي ذلك، لا سمح الله، على صحته الغالية ومنزلته العالية في نفوس جميع السوريين، فكلنا تابع لأمره لا نخالفه في من يرى فيه الكفاءة لرئاسة الجمهورية المقبلة”.
القوتلي: “دعنا من هذا الحديث، فأنا لا أرى سواه كفؤاً لرئاسة الجمهورية زعامة الكتلة الوطنية معاً”.
الخوري: “هذا لا يجوز يا شكري بك والسياسة الأجنبية لا يؤمن لها، فلا يجوز جعل مصير رئيسنا الأوحد هدفاً لخطرها”.
القوتلي: “ما هو الخطر الذي تعنيه يا فارس بك؟”.
الخوري: “الخطر على زعامته إذا لم يلب طلب الأجنبي وطلباته كثيرة وقواته لا تزال تتحكم فينا”.
أما هاشم الأتاسي، الرجل الجليل، فقد نفذ صبره على هذا النقاش المرير بين زائريه الكبيرين وهما من أركان الكتلة الوطنية، فأجابهما قائلاً: “أشكركم لتشريفكم منزلكم بعد تحملكم عناء السفر، ثم أشكركم على عاطفتكم النبيلة التي دعتكم للاهتمام بأمر صحتي وشيخوختي وأشاطر الأستاذ الخوري رأيه في أن يعتلي مقام رئاسة الجمهورية أخونا النشيط الهمام شكري بك”.
القوتلي: “استغفر الله، استغفر الله!” وبعد مبادلة العواطف والآراء على الوجه المذكور، تم الاتفاق بين زعماء الثلاثة على قبول اقتراح أحدهم، الأستاذ البارع فارس الخوري، فعاد مع رفيقه القوتلي إلى دمشق وهما أكثر نشاطاً للعمل معاً في سبيل ضمان المستقبل الوطني المنتظر)(2).
(1) من مذكرات أكرم الحوراني – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
(2) الحكيم (يوسف)، سورية والانتداب الفرنسي، دار النهار، الطبعة الثانية، بيروت عام 1991م، صـ 331.