وثائق سوريا
كلمة شكري القوتلي في المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري في دمشق 1944م
كلمة الرئيس شكري القوتلي في افتتاح المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري في دمشق في الخامس والعشرين من أيلول عام 1944م.
نص الكلمة:
أيها السادة:
لقد أتيح لي في الشهر الفائت أن أفتتح المؤتمر الأول للمحامين العرب، وقد شعرت يومئذ باغتباط عظيم لعقد مثل هذه المؤتمرات العامة التي ينتظم فيها عقد الجماعات المختارة من الأقطار العربية، فتتذاكر شؤونها، وتتداول أمورها وتحميل إلى ربوعها الدانية والقاصية ما شهدته من منافع لها وما حملته من ذكرياتها وآمالها.
ويسرني الآن أن افتتح هذا الحفل الكريم، وأرحب فيه بفريق جليل من أعلام الأمة العربية، وقادة فكرها، وجملة أقلامها، وأقطاب بيانها، وكبار شعرائها، ورجال من غير هذه الأمة أو لعوا بأدبها، ودرسوا تاريخها، وكشفوا القناع عن آثارها ومفاخرها، فانضم بعضهم إلى بعض لإحياء ذكرى عبقرية من العبقريات العربية مضى عليها ألف سنة ، ولكنها عاشت أجيالاً طوالاً، وستبقى أجيالاً طوالاً.
هذه العبقرية هي عبقرية شاعر حكيم لغوي أخلى ذرعه للفكر، وحبس نفسه للعلم، فكان يجد ويدأب في استجلاء أسرار الإنسان، وإدراك كنه المجتمع، ويستنبط من حوادث الدهر الفلسفة والسياسة والأخلاق، حتى طارت نفسه في قضاء بعيد من سلطان العقل المطلق من قيود الألفة والتقليد، وردد شعره فلسفة جديدة أنكرها فريق، وأجلها فريق. ولكن مهما قيل فلا شك في أن صاحبها أحب الحقيقة، وجعلها شعاره ودثاره.
لقد كان يدعوا إلى الزهد وينكر حب المال وحب الشهوات واستيلاء المطامع، ويتبرم بالدنيا تبرم الكاره لها المبغض لشرورها، ويعجب لاستئثار الحاكمين الذين هم اجراء المحكومين، ويصور في شعره خطرات النفس ودقائق الشعور، ويجاري الخاطر في سيره، حتى يكاد يلامسه، ويسبح مع الكواكب في أقلامها، والأطيار في أجوائها، والأسماك في مسابحها والهوام والحشرات في مساربها ومدارجها.
هذا هو أبو العلاء المعري الذي غاض ضياء في عينيه ولكن ضياء بصيرته كان يشق حجب الأستار، ويكشف جوانب الظلمات، ويبلغ ما تحار فيه العقول من صميم الرأي وعجيب الظن، والذي هو اليوم ومن قبل ومن بعد لواء من الألوية الخفاقة، والتي تتفيأ الأمة العربية ظلالها، وتوجي إليها ما توصيه من عناصر يبثها ابنائها توحيد قلوب أبنائها.
وفي هذا اليوم الذي نجتمع فيه لتخليد هذه الذكرى العظيمة، ذكرى أبي العلاء المعري، الذي تفخر أرض الشام بأن يكون فيها منبته، وأن يشرف منها الهامة، تجتمع في مصر العزيزة وفود البلاد العربية للعمل على توثيق العرى بينها وإنها لمصادفة سعيدة أن نجتمع في يوم واحد تهتف بنا غاية واحدة، وتجدونا دعوة واحدة، وهي إجلال التراث العربي وإعلاء شأنه ورفع مناره(1).
(1) المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، دار صادر – بيروت، الطبعة الثانية عام 1994.صـ 12-13