قضايا
أزمة وصول قوات عسكرية فرنسية إلى سورية عام 1945
أزمة وصول قوات عسكرية فرنسية إلى سورية عام 1945
قبيل إعلان بريطانيا الانتصار على دول المحور خشيت فرنسا أن يتحول التركيز البريطاني بعد هذا الإعلان من الجبهة الألمانية نحو جبهة سورية ولبنان بهدف طرد النفوذ الفرنسي من المنطقة بالقوة.
وفي تلك الأثناء كان الجنرال بينيه قد لمس الاختلال الكبير في توازن القوى العسكرية بين الفرنسيين والبريطانيي. فقد كان لفرنسا نحو 6000 جندي معظمهم من السنغال و 18000 من القوات المحلية الخاصة والتي كان جلهم من السوريين. بينما كان جيش المشرق البريطاني يتألف من 700 ألف جندي موزعين من مصر وحتى الهند تدعمهم أسراب من الطائرات يزيد عددها على 2000 طائرة، بينما لا يتجاوز عدد الطائرات التي لدى فرنسا ثماني طائرات.
أرسلت فرنسا فعلاً إلى سورية ولبنان تعزيزات عسكرية قوانها ثلاثة أفواج على الطرادين “موناكالم وجان دارك” في الوقت التي كانت الحكومة السورية تزيد من حدة لهجتها لاستلام كل الصلاحيات من السلطات الفرنسية ولاسيما استلام الجيش من السلطات الفرنسية.
وفي الرابع من أيار 1945 وجه الجنرال بينيه مذكرة إلى الحكومة السورية أعرب فيها عن نية حكومته إرسال تعزيزات عسكرية لقواتها في سورية ولبنان،لكي يحل قسم منها محل القوات التي ستغادر البلاد.
وفي اليوم التالي الخامس من أيار عام 1945 عقدت الوزارة السورية جلسة طارئة برئاسة جميل مردم بك رئيس الوزراء بالوكالة، واقرت مذكرة الاحتجاج التالية:
(أطلعت وزملائي في مجلس الوزراء على قراركم، أتشرف بإعلامكم أن الحكومة السورية ترى في هذا العمل مظهراً من المظاهر التي تمس استقلال سورية، ذلك الاستقلال الذي اعترفت به مختلف دول العالم. فالحرب توشك أن تنتهي وليس ثمة مبرر يفسر نقل الجيوش في هذه الآونة التي تبذل فيها الحكومة السورية غاية جهدها، بغية تصفية المشاكل المعلقة بين فرنسا وسورية، في جو من الود والصداقة).
وبعيد الاحتفال بيوم النصر استقبل جميل مردم بك رئيس الوزراء بالوكالة الكونت استر وروغ رئيس الدائرة السياسية للبعثة الفرنسية في سورية الذي اخبره أنه في يوم الرابع من أيار وصل إلى بيروت 800 جندي فرنسي لكي يتم استبدالهم بالجنود الموجودين في البلاد، وكان رد مردم بك هو رفض هذا الإجراء وطلب من الكونت استر وروغ بسحب جميع قوات الحلفاء من سورية لأن الحرب انتهت.
وفي جلسة مجلس النواب التي عقدت في الرابع عشر من أيار ألقى جميل مردم بك كلمة نقل فيها للنواب ما أخبره الكونت استر بخصوص وصول القوات الفرنسية، ونقل مردم بك للنواب معلومات تفيد بأن الجنود الذين وصلوا أكثر من الجنود الذين غادروا. كما أوضح مردم بك في كلمته أنه اتفق مع الحكومة اللبنانية على تقديم مذكرة تتضمن الاحتجاج الشديد على هذا الإجراء والمطالبة بسحب كافة الجنود من سورية.
وفي جلسة مجلس النواب التي عقدت في اليوم التالي في الخامس عشر من أيار وافق المجلس على قانون قدمه أحد النواب وينص على محاكمة ومعاقبة الأشخاص الذين يتفاوضون مع الدول الأجنبية والقيام بأعمال لمصلحة تلك الدول(4).
كما أرسلت الحكومة السورية مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة بخصوص وصول القوات الفرنسية الجديدة وضرورة حصول سورية على استقلالها.
في تلك الأثناء عقد الجنرال بينيه الذي عاد من فرنسا قبل أيام إلى لبنان اجتماعاً مع أعضاء الحكومة اللبنانية، ناقش فيه المسائل المشتركة، وصرح أنه كلف من قبل الحكومة الفرنسية بعقد معاهدات بين فرنسا وسورية ولبنان.
وفي السابع عشر من أيار وصل الجنرال بينيه يرافقه الكونت استر وروغ إلى دمشق وعقد اجتماع في القصر الجمهوري بحضور الرئيس شكري القوتلي و رئيس الحكومة بالوكالة جميل مردم بك، وانفض الاجتماع الذي لم يدم أكثر من نصف ساعة دون أن يصل الطرفان إلى نتيجة حاسمة.
وعقد الطرفان الفرنسي والسوري اجتماع ثان في اليوم التالي الثامن عشر من أيار في مبنى وزارة الخارجية حضره رئيس الحكومة بالوكالة جميل مردم بك ووزير خارجية لبنان والجنرال بينيه والكونت استر وروغ، ودام الاجتماع ما يقرب من ساعتين، وأطلع الجنرال بينيه خلالهما الجانبين السوري واللبناني على التعليمات التي يحملها من باريس بشأن تصفية العلاقات القائمة. وأبدى الجانبان السوري واللبناني رأيهما بكل وضوح وأنهما لا يقبلان أية معاهدة تمس الاستقلال وسيادة البلاد وأنه لا يمكن منح أية دولة مركزاً ممتازاً.
وعقد مجلس النواب السوري في التاسع عشر من أيار جلسة أقر فيها تصديق قانون الدفاع الذي يتضمن تأليف جيش يتحمل أعباء الدفاع ويجري تشكيله بقانون خاص يتضمن افتتاح مدارس حربية وتنظيم ملاكات للقطعات العسكرية وصنوف الأسلحة الأخرى، وقدم النائب حلمي الأتاسي في تلك الجلسة مشروع قانون لتطوع المواطنين السوريين.
تسربت تلك الأنباء إلى الأهالي وعززت الصحف بعض تلك الأنباء بنشر البيانات والأخبار التي تتناول وصول الحشود الفرنسية الجديدة إلى سورية بدلاً عن سحب القوات المتبقية فيها. وهذا ما دعا المواطنين في مختلف المحافظات والمدن السورية إلى الخروج بمظاهرات تحدى فيها القوات الفرنسية وسياستها في سورية.
انظر: