وثائق سوريا
كلمة مصطفى حداد وزير التعليم العالي في حفل افتتاح المهرجان العلمي بدمشق 1969م
كلمة الدكتور مصطفى حداد وزير التعليم العالي ممثل الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة في حفل افتتاح المهرجان العلمي الكبير في الأول من تشرين الثاني عام 1969م.
نص الكلمة:
أيها السادة:
إنه لشرف كبير لي أن أنوب عن السيد رئيس الدولة الدكتور نور الدين الأتاسي في إفتتاح مهرجانكم العلمي الكبير هذا. كما أجدها فرصة طيبة لأتقدم له بأسم وزارة التعليم العالي وباسم المجلس الأعلى للعلوم بوافر الشكر على رعاية هذا المهرجان.
أيها السادة العلماء:
إنه لمن دواعي سرورنا أن نلتقي بكم في دمشق الخالدة، ونحن نخوض معركة المصير لإرساء القواعد الثابتة لمجتمعنا ولتحرير أجزاء عزيزة على كل منا من وطننا الكبير. وإن دل هذا المهرجان العلمي على شيء فإنه يدل على إيماننا بأن العلم هو الطريق الوحيدة التي تقضي بها على آثار التخلف الذي فرضه علينا الاستعمار، وهو السبيل الواضح لنتدارك ما فاتنا من ركب الحضارة العالمية ولنبني وطننا ونستثمر خيراته بأنفسنا ونقيم مجتمعاً اشتراكياً ديمقراطياً ينعم فيه كل مواطن بالرفاهية والرخاء.
أيها السادة:
لقد كانت رسالة أمتنا العربية إلى العالم رسالة إنسانية، رسالة محبة وإخاء، رسالة عطاء وسخاء، رسالة عدالة ومساواة. فمن الواجب علينا أن نبدأ العمل من أجل هذه الرسالة وأن نتعاون مع غيرنا من الشعوب الصديقة ليبقى العلم في خدمة الإنسان وتقدمه ورفاهيته، ولا ليصبح أداة لإفناء الحضارة والحياة كما يريده الاستعماريون والإمبرياليون.
لقد أخذنا على عاتقنا غرس جذور العلم في كل مكان لأننا نؤمن بأن العلم يحقق أهدافنا في خلق مجتمع اشتراكي موحد مزدهر لا يعرف الخوف ولا يرهب الكفاح لتأمين التقدم والحرية والسلام.
أيها السادة العلماء:
إن مهرجان العلم الذي نقيمه هذا العام في القطر العربي السوري هو القبس الذي نوقده لننير لأنفسنا الطريق، وإذا كنا نقيم في كل عام أسبوعاً للعلم فإننا نتيح الفرصة أمام العلماء من ابناء هذا القطر للعيش في جو علمي يتشارورون فيه مع زملائهم الذين يفدون من الأقطار الشقيقة والدول الصديقة.
وإذا كان هذا التلاقي الخصب المنتج، وما يرافقه من بحوث ومحاضرات ومناقشات، يخلف أطيب الآثار في توسيع آفاق علمائنا المشاركين، فإنه يتيح الفرصة أيضاً أمام ضيوفنا للإطلاع على ما يحقق قطرنا من تقدم في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
إن المجلس الأعلى للعلوم الذي أنهى مرحلة التخطيط العلمي خلال العقد السابق من عمره بجد وإخلاص، لابد من أن ينتقل إلى مرحلة الإشراف على التنفيذ بأن يتحول إلى مركز قومي للبحوث مزود بكافة الإمكانيات المادية من أجل هذا الغرض. وإن وزارة التعليم العالي ستقدم له كل عون في هذا المجال.
وإنه لمن دواعي غبطتنا أن يرافق أسبوع العلم في هذا العام المؤتمر العلمي العربي الذي تنظمه الاتحادات العلمية في أقطار الوطن العربي، وإننا إذ نرحب بانعقاد هذا المؤتمر في قطرنا فإننا نرجو له النجاح والتوفيق في تقديم بحوث ودراسات تخدم بصورة مباشرة أو غير مباشرة قضايا أقطار وطننا، لأننا في هذا القطر نحس أن كل مشكلة يتعرض لها أي قطر عربي إنما هي مشكلتنا، ونجد أن من الواجب علينا أن نسهم في حلها، وأن يسهموا معنا في حل مشكلاتنا.
أيها السادة:
لقد فرض على شعبنا أن يعيش حقبة طويلة في ظلمات التخلف: قضى أربعة قرون طوال يرسف في قيود العوز والجهل والمرض ويعاني من النكبات المتلاحقة.
فلما أنطلق من إساره، وبدأ سيرة النهضة، أكب على لغته الفصحى يذود عن حريته وكرامته، وينفض عنها ما علق بها في العهود المظلمة، ليعود إليها شبابها ونضارتها كما كانت في عهودها الزاهرة. لذلك كان من أول ما قام به شعبنا حين أشرف عليه أول فجر من شمس الحرية بعد الحرب العالمية الأولى أن أنشأ مجتمعاً علمياً لبعث لغتنا العربية الأصيلة، لغة أجدادنا وآبائنا لغة حضارتنا واليوم يسعدنا أن نحتفل بالعيد الذهبي لهذا المجمع بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشائه.
وإننا نفخر بما أنجزه هذا المجمع من إحياء لتراثنا العظيم الذي يشهد على حضارتنا وأهميتها في رقي الإنسانية بأجمعها.
ولم يغب عن شعبنا المناضل وهو في أول أيام استقلاله أن نهضة الشعوب لا تقوم إلا على أساس من العلم مكين فأرسى قواعده بناء معهد الطب ليكون نواه الجامعة المرتقبة، وقد تطور هذا المعهد الناشئ، ترعاه عين الشعب، ويسهر عليه علماؤنا وأساتذتنا حتى غدا اليوم كلية من كليات الطب المرموقة في العالم بأسره بمستوى تدريسها، ورائدة الكلية الطبية في الوطن العربي لأنها أخذت على عاتقها تدريس الطب والعلوم الأخرى باللغة العربية وقد كافحت هذه الكلية أيام الاستعمار لأداء رسالتها في ذلك، وقد تمكنت من إعداد أطباء أكفياء عملوا في مختلف أقطار العالم العربي وأسهموا برفع المستوى الصحي لأبناء شعبنا العربي في كل مكان.
واليوم يحتفل قطرنا بالعيد الذهبي لهذه الكلية بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشائها. وإننا نعاهد كليتنا التي أمدتنا بالعلم الصحيح أن نمدها بكل الإمكانات لنفتح أمامها أبواب التخصص بعد الدرجة الجامعية الأولى، ولتبقى الكلية الرائدة في كل مضمار، ولتصنع من عبقريات علمائنا العرب نتاجاً يسهم في خدمة العلم وفي تحقيق مبادئنا في صراعنا الثوري ضد التخلف والمرض.
أيها الأخوة:
إن السعادة تغمر أنفسنا في هذا اليوم العظيم، ونحن نبدأ هذا المهرجان العلمي الكبير، وباسم الجمهورية العربية السورية شعباً وحزباً وحكوماً أنتهز هذه المناسبة لأرحب بكم، وأتمنى لكم النجاح في مؤتمركم وطيب الإقامة في ربوع قطرنا وبلدكم وبلدنا.
وإني أرحب بالسادة ضيوف القطر من العلماء الذين وفدوا من الدول الصديقة، وإلى اللقاء في دروب العلم والعمل البناء وخدمة أمتنا وتحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.
الدكتور مصطفى حداد
وزير التعليم العالي