مقالات
فارس الأتاسي: الحماصنة المنفيون إلى الأناضول (1).. عائلة عبد الحميد الزهراوي
فارس الأتاسي – التاريخ السوري المعاصر
عقب إعدامه كوكبة من المفكّرين العرب في دمشق ولبنان بتاريخ 6 أيار 1916م، واستنادًا على السلطة المطلقة الممنوحة له في المنطقة؛ أصدر القائد العام للجيش السلطاني الرابع في سورية جمال باشا قرارًا بنفي بعض الأسر من العائلات السورية واللبنانية ذات النفوذ إلى مدن وقرى الأناضول، وفرض الأقامة الجبرية عليهم.
الحقيقة أن هذه الأسر كانت إضافةً إلى العائلات السورية التي تقرّر نفيها سابقًا بموجب القرار الصادر بتاريخ 23 نيسان 1916م من قِبل طلعت بك -الباشا لاحقًا-بالنسبة لحمص؛ ركّز جمال باشا على عائلتين بشكل رئيسي، هما عائلتا الجندي والأتاسي.
ففي برقية سرية إلى ناظر الداخلية طلعت بك بتاريخ 9 تشرين الثاني 1916م، يذكر جمال باشا أثناء توضيحه قرار النفي:
“ومن حمص؛ فعائلة الجندي التي ينتسب لها المعروف عزت الجندي، و كذلك الأسر الأكثر ضررًا من عائلة الأتاسي.. أما من عائلة الجندي فقد حصل نفي إحدى عشرة أسرة، وأما من عائلة الأتاسي فتسع أسر”.
ولكن جمال باشا أضاف إلى أولئك، عائلة عبد الحميد الزهراوي الذي أعدمه سابقًا في 6 أيار بدمشق. وقد تضمّن القرار نفي والده محمد شاكر الزهراوي، وزوجته عائشة بنت مصطفى بن اسماعيل الزهراوي، وابنتيه ليلى وسهيلة، وعائلة أخيه الأكبر محمود.
وقد حكم على عائلة الشهيد الزهراوي بالإقامة الجبرية في تشوروم (Çorum)، وهي بلدة صغيرة ذات مناخ جاف، تقع إلى الشرق من أنقرة وتبعد عنها حوالي 200 كم. وقد أقامت فيها مجموعات مختلفة من المنفيين والمهجّرين، منهم فرنسيون وروس.
بقيت عائلة الزهراوي في بلدة تشوروم سنتين تقريبًا، ومع بعد بدء صدور قرارات العفو على المنفيين توجّه شاكر الزهراوي إلى أنقرة مركز الولاية، ومن هناك قدّم التماسًا للعفو عنه وعن عائلته نظرًا لشيخوخته، طالبًا العودة إلى مدينته حمص. وأدناه ما جاء في التحريرات الرسمية الواردة من ولاية أنقرة إلى نظارة الداخلية:
” المخرج: أنقرة
التاريخ: 24 آذار 1918م
مذيّلة رقم 999/261 – تاريخ 12 مارت 1334 [12 آذار 1918م].
إن شاكر أفندي الزهراوي الذي أمّ أنقرة قد حضر شخصيًا لعندي، وقد طلب السماح بالعودة له إلى مدينته نظرًا لحال شيخوخته، مع التزامه بالدعاء لحضرة السلطان إلى آخر عمره. وقد تبيّن أنه شيخ كبير فانٍ تجاوز التسعين من عمره، وقد تبقّى له الحد الأدنى من السمع والبصر، وهو كذلك محتاج إلى المعونة والمساعدة لقضاء أموره الحياتية …. وعلى ذلك فإن السماح بعودته إلى مدينته مع أفراد عائلته منوط برأي دولتكم. في 24 مارت 1334 [آذار 1918م] الوالي: كاني.”
توجّهت بعدها عائلة الزهراوي مباشرةً إلى قونية بشكل مؤقت، مع جمع كبير من المنفيين من مختلف مناطق بلاد الشام، ريثما يتم استحصال الإذن الرسمي بالعودة إلى حمص. وعن تلك الرحلة تذكر ابنة عبد الحميد الزهراوي عن شدّة البرد وجفافه أن جدّها الشيخ شاكر ذهب ليتوضأ على الطريق، وحينما عاد كانت لحيته قد تجمّدت.
ولم يتمكّن الشيخ شاكر الزهراوي من العودة إلى حمص، حيث أنه توفي في شهر نيسان 1918م وهو في قونية، ودفن فيها، مع أن العائلة استحصلت على إذن العودة الرسمي إلى حمص بتاريخ 17 نيسان 1918م.
تزوّجت ليلى بنت عبد الحميد الزهراوي بابن عمها عبد الرؤوف بن محمود، ولم ينجبا. بينما تزوجت أختها سهيلة بابن عمها الآخر عبد الظاهر الزهراوي، وأنجبا الشاعر والأديب المرحوم خالد الزهراوي أبو ظهير.
انظر:
من الأرشيف العثماني 1916- تصديق قرار إعدام عبد الحميد الزهراوي
من الأرشيف العثماني 1915- برقية جمال باشا حول محاسبة عبد الحميد الزهراوي