معركة (المذخر) في مدينة درعا:
أوضاع حوران في الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945م
عانت حوران من ظروف الحرب العالمية الثانية القاسية ليس من الجانب الاقتصادي والذي تمثل في نقص المواد الغذائية وارتفاع أسعارها فحسب بل عانت أيضاً من ظروف الاقتتال الذي نشب ما بين أنصار حكومة فيشي التي كانت موالية للألمان وما بين أنضار فرنسا الحرة والذين استطاعوا استرجاع سيطرتهم على سورية في شهر حزيران عام 1941م.
قوات الاحتلال الفرنسي في حوران:
بعد إعادة سيطرة قوات فرنسا الحرة على سورية عام 1941م، حاولت تقوية قبضتها على مختلف المدن في سورية وبالتالي دعمت تواجدها في حامية عسكرية في كل منطقة ومنها حوران، حيث أوجدت حامية عسكرية كبيرة في «المذخر» .
احتفال حوران بـ عيد النصر:
في التاسع من أيار عام 1945 احتفلت محافظة حوران مثل بقية محافظات ومدن القطر بإعلان انتصار الحلفاء واستسلام ألمانيا. وزينت في ذلك اليوم الدوائر الرسمية وأطلقت المدافع النيران وسار الكشاف والدرك والشرطة والفرسان في مسيرة ليلية يحملون فيها المشاعل.
وفي اليوم الثاني العاشر من أيار جرى عرض عسكري شاركت فيه مختلف فعاليات المحافظة، وتلى فيه المحافظ وحيد مردم بك كلمة الرئيس شكري القوتلي رئيس الجمهورية.
كما ألقى المحافظ كلمة أرسل فيها باسمه وباسم المحافظة تحية إعجاب وإكبار وتقدير عميق للدول الحليفة المعظمة على تحريرها، وقال فيها: (إن الأمة السورية والأمم العربية الأخرى لا تطلب من عنائم النصر حتى تشعر بوقوعه فعلاً إلا غنيمة واحدة هي حقها في الحياة الحرة ومساهمتها في بنيان صرح الإنسانية المقبل المؤسس على احترام حقوق الأمم واستقلالها المقدس، وما هذا الحق غنيمة النصر بل هو حق طبيعي أزلي اعطاه الله لنا ولغيرنا على السواء، وكل إعتداء عليه أو انتقاص منه هو طعنة نجلاء في كبد هذا النصر المولود جديداً بين انهار الدماء المراقة في سبيل الحربة).
انظر: الإحتفال بـ عيد النصر في محافظة درعا 1945
موقع «المذخر» في درعا:
تزامن احتفال حوران بإعلان النصر على دول المحور بوصول إمدادات عسكرية فرنسية جديدة وصلت إلى قاعدة او موقع «المذخر».
و«المذخر» موقع عسكري لتمركـز الـقـوات الفرنسية ومتطوعيهم في حوران، كان يقع غرب حي السحاري في مدينة درعا على الضفة الشمالية لوادي الزيدي عند انحناء الوادي من الجنوب باتجاه الغرب.
ويعود تاريخ المذخر في الأصل إلى العهد العثماني فقد كان مركزا عسكريا للعثمانيين بنوا في الموقع المبنى المستطيل الكبير الذي يظهر في الصورة وسقفه جملوني قرميد، وما زال حتى الآن ، وبعد خروج العثمانيين من سورية تمركز فيه الفرنسيون وزادوا عليه وبنوا عدة أبنية ومستودعات وخنادق حوله، وحصنوه.
ويرجع سبب تسمية المذخر إلى كلمة الذخيرة ووجود السلاح والعسكر الذي كان في هذا الموقع حيث كان يحتوي على مستودعات الذخيرة والسلاح والأبنية الإدارية بالإضافة إلى تعزيزه بالجنود والمعدات.
وبقي هذا الموقع في ذاكرة أهالي درعا وحوران لما ذاقوه من ويلات المحتل الفرنسي لأنه كان وكرا وحصنا له.
الاشتباكات في درعا – أيار 1945:
أثارت أنباء وصول تعزيزات عسكرية فرنسية إلى المدخر ردود فعل كبيرة لدى الأهالي الذين كانوا ينتظرون من فرنسا تنفيذ وعودها وسحب ما تبقى من قواتها وليس تعزيزها.
وبدأت في حوران بالتزامن مع بقية المحافظات والمدن موجة مظاهرات واضطرابات احتجاجاً على الممارسات الفرنسية هذه.
وجرى إضراب في درعا في التاسع عشر من أيار عام 1945 وكان الإضراب شاملاً اشترك فيه التجار والطلاب وأغلقت فيه دوائر الحكومة أبوابها.
وخرجت مظاهر حملت الأعلام وتوجهت من درعا القديمة إلى درعا الجديد. وحيا المحافظ المتظاهرين رداً على هتافاتهم ثم قصدت الجموع قيادة الدرك للتطوع هناك.
وقد أطلق خلال هذه المظاهرة رئيس مصلحة الهاتف وهو فرنسي ثلاث رصاصات على النائب مزيد المحاميد الذي كان يتصدر الجموع، ولكن لم يصب بأذى(1).
الاصطدامات:
جرت في حوران معركتين الأولى في إزرع والثانية في درعا.
معركة إزراع:
فرض الأهالي حصاراً على الموقع العسكري في إزرع وأدرك قائد الموقع الكابتن لوفيك خلال الحصار أن المعركة التي اندلعت في الثامن والعشرين من أيار خاسرة فبعث يفاوض الأهالي وجرى الاتفاق واستسلم الكابتن (لوفيك) مع جنوده وانتقلت أسلحتهم إلى الأهالي، و وجرى إنزال العلم الفرنسي ورفع العلم السوري وسط أجواء من الحماسة والهتافات الوطنية في التاسع والعشرين منه.
معركة درعا – المذخر:
كان قائد الحامية في المذخر الملازم (كورو) ، وجرت أحداث المعركة بالتزامن مع أحداث معركة إزرع حيث اتجه الثوار والأهالي نحو المذخر مركز الحامية الفرنسية بدرعا من جهة الشرق، من مدينة بصرى الشام مرورا ببلدة معربة ثم قرية غصم والجيزة، إلى درعا.
عند وصولهم بدأ تبادل إطلاق النار الكثيف بين الثوار والعساكر الفرنسيين، وعلى أثره استشهد كل من دهش المقداد وغالب المقداد، بعد أن تلقى أحدهم رصاصة في رأسه والآخر رصاصة في صدره، فقام ابن عمهم محمد عقلة الميدان المقداد بسحب جثة الشهيدين بتغطية من حسن حسين المقداد-الذي وصف بأنه دقيق الرماية- وبعد التغطية أردى حسن المقداد ثلاث جنود فرنسيين قتلى كثأر لأبناء عمه.
واستمر هجوم الثوار، وقاوم قائد الحامية الفرنسية، مقاومة عنيفة، واستمر الحصار ثلاثـة أيـام مـتـوالـيـة، وقـد قـطـع الثوار الماء عن القوات، وشددوا الحصار، وعنـدهـا لم يجد قائد الحامية العسكرية الملازم (كورو) إلا أن ينسحب مع قواتـه باتجاه دمشق إلى أقرب موقع عسكري فرنسي وقد وهنت عزيمته بعد أن شاهد قوة الثوار وبسالتهم، وعرف بأن الحامية في إزرع استسلمت، وكان هروبهم بعـد منتصف الليـل، وكان قد أشعل النار بالذخيرة ، لإيهام الثوار ببقاء الفرنسيين في الثكنة(2).
ولكن الثوار كانوا لهم بالمرصاد واستطاعوا قتل العديد من جنود الحامية وضباطها وإلقاء القبض على الملازم (كورو) قائد الحامية وبعض من كان معه في إزرع واقتادوهم علي سالم إسماعيل الحريري مكبلين إلى بيت عمه الشيخ محمد خير الحريري في الشيخ مسكين، وقام الشيخ الحريري بتسليمهم للقوات البريطانية بحضور محافظ حوران حيدر مردم وقائم مقام إزرع حسن الطباع(3).
وقد تحدثت الصحف عن تزايد الحالة الحرجة في المدن السورية وبينها درعا التي نشرت تقارير صحيفة عن تلك الاشتباكات التي وصفت بالدامية بين قوات السلطات الفرنسية وبين الأهالي وأدت إلى خسائر بشرية وضحايا(4).
الضحايا:
سقط خمسة شهداء وستون جريحا من الثوار.
وهم:
1- غالب صباح المقداد (بصرى الشام)
2- دهش نايف المقداد (بصرى الشام)
3- إبراهيم عقلة البرماوي (مدينة درعا).
4- علي إرشيد المسالمة أبو إرشيد (مدينة درعا).
5- محمد شتيوي إلياس (مدينة درعا).
ومن المشاركين ايضاً والذين استطعنا احصاء اسمائهم:
حسن المسالمة
خطار مفلح المسالمة
مزيد جمعة المسالمة
محمد شحادة أبو نبوت
محمد الشرع
صالح البرماوي
صالح قناة
صالح عايد أبا زيد
أحمد سليم أبازيد
وبعد قرابة السنة من هذه المعركة تم إعلان جلاء القوات الفرنسية من سوريا في 17 نيسان عام 1946م.
أقيم نصب تذكاري لمعركة المذخر في بصرى الشام في وسط ساحة القلعة وما زال موجودا حتى الآن.
معركة المدخر في الذاكرة:
وقد بقيت بندقية الملازم كورو في مضافة الحاج موسى عقلة البرماوي وهو أخو الشهيد إبراهيم البرماوي بعد تسلمها من الشيخ محمد خير الحريري بعد القبض على كورو وظلت هذه البندقية شاهدة على ذل المحتل وعلى شراسة وبسالة ثوار درعا وتذكارا لهذه المعركة التي قلبت الموازين، وقد بقيت سنوات عديدة معلقة في المضافة حتى فترة الوحدة بين سوريا ومصر وثم نقلت البندقية إلى المتحف الحربي بدمشق.
وهناك بعض القصائد الشعبية التي يتداولها الأهالي تذكر بعض ماجرى في هذه المعركة.
منها:
بالمذخر يوم طلينا
حلو الموازر بيدنا
حاربنا فرنسا بسلاحا
ربعي للعدا ذباحا
ومنها:
جانا الصايح من درعا
يحشد ويفزع فينا
وركبنا وسط مليحان
وعلى درعا عدينا
وبلشوا بضرب الموزر
واصبر يابن الحزينة
البرماوي شبا غاوي
عاللي مثله يا حوينه
ودهش يومنو ارتعش
ثلاث مثله استدينا
ومنها:
يا بيك وظهر سعدنا
من طب علمك علينا
الفين بيرق عددنا
عالمذخر يوما لفينا
والله لولى حسدنا
عالباشا كنا اعتالينا
(1) صحيفة ألف باء – دمشق، العدد 7031 الصادر في يوم الأربعاء الثالث والعشرين من أيار عام 1945م.
(2) هواش (محمد)، تكون جمهورية سورية والانتداب، عام 2005 م، صـ 358 .
(3) صحيفة ألف باء – دمشق، العدد 7025 الصادر في يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من أيار عام 1945م.
ومذكرات محمد سرور زين العابدين.
(4) ذكرت صحيفة ألف باء عن الحادثة ما يلي: (قرر بعض المتطوعة الخروج من الثكنات التي يحاصرون فيها لاحتلال بعض الأماكن الرسمية، فحمل المحافظ البندقية واستعد للدفاع عن حوزة الوطن، كما استعد النائب مزيد المحاميد الذي حمل رشاشاً.
وجاء فريق كبير من أهالي درعا القديمة يحملون البنادق والرشاشات والقنابل، وقامت مظاهرة كبرى مسلحة ومنظمة وهتف المتظاهرون بسقوط الاستعمار.
كما تقدم 300 فارس من عشيرة الزعبية يحملون معداتهم الحربية طالبين قبولهم جنوداً في الجيش السوري، وقد شكرهم المحافظ ورغب إليهم انتظار إشارة الحكومة
وشهدت تلك المرحلة الإقبال على التطوع) انظر: صحيفة ألف باء- دمشق العدد 7034 الصادر يوم الاثنين الثامن والعشرين من أيار عام 1945م..
انظر:
المظاهرات والاحتجاجات في سورية أيار 1945
أزمة وصول قوات عسكرية فرنسية إلى سورية عام 1945