وثائق سوريا
كلمة وهيب الغانم في حفل مكتب حزب البعث في السويداء عام 1955
بمناسبة زيارة الدكتور وهيب الغانم وزير الصحة إلى محافظة السويداء دعا مكتب الحزب في السويداء إلى حفلة تعارف أقيمت على شرف الدكتور الغانم في يوم زيارته في يوم الاثنين الرابع من نيسان عام 1955م.
أقيمت منصة للخطابة في الساحة أمام مكتب الحزب في السويداء.
وارتجل الدكتور وهيب الغانم كلمة في المهرجان استهلها بشكل الجماهير التي اشتركت باستقباله، ثم قال:
(في عام 1932 توفي لي أخ في السجن وكان عمره 35 عاماً. وهذا الأخ كان جندياً في الجيش الفرنسي ثم التحق بثورة عام 1925م، وأدى قسطه من الواجب الوطني. وبعد الثورة ألقي القبض عليه وحكم عليه بالإعدام، وبقي في السجون إلى أن توفي إلى رحمته تعالى.
ومنذ ذلك اليوم وأنا أحمل عاطفة طيبة نحو الجبل، وكان في نفسي شوق عظيم لرؤية أبناء هذه المنطقة.
وفي عام 1940 احتجت إلى مبلغ أربعين ليرة سورية لتقديم فحصي في الجامعة واعتذرت إلى أستاذي وعرفته بحاجتي، وكان على رأس الصحة في الجبل طبيب فرنسي هو القومندان أوو، فطلب من أستاذي تعييني طبيباً بمرتب خمسين ليرة سورية شهرياً. فوافقت وحضرت للسويداء وبدأت عملي في المستشفى. وصادف وجود مريض في المستشفى بحاجة إلى العلاج، فطلبت العلاج وألححت وأشفقت على المريض المتألم ولكن القومندان بدلاً من أن يقدم الدواء للمريض، قال لي لا تصدقه أنه كذاب، ككل العرب.
فأجبته لست سنغالياً ولكنني عربي، فأجاب إنني اعتبرك شخصاً من باريز ولا حاكماً لباريز وإنني عربي فخور بعروبتي.
وتركت فوراً المستشفى وغادرت السويداء دون أن أتقاضى أجوري عن أيام الخدمة التي أمضيتها ومرت سنوات، وجئت اليوم إلى هذه المنطقة، وعلمت من القائمقام أن مديرة مدرسة صلخد عندما علمت بقدوم الوزير لم تصدق ذلك وظننتها كذبة نيسان، لأن هذه المنطقة لم تشاهد وزيراً أو مسؤولاً كبيراً يرعى شؤونها، ويطلع على حاجات الشعب، بل يكتفي بدرس التقارير الواردة.
هذه صورة عابرة من صور الحياة، تبعث الأمل حياً ولكني أنتقل بكم إلى صور أخرى.
عندما حاولت تركية انتزاع اسكندرون، الجزء العربي السليب قيض لهذا اللواء شاب متحمس للعروبة ينفخ في شبابه روح البطولة والتضحية ويعمل جاهداً لتوحيد الصفوف والقضاء على الطبقيات والإقطاعيات والعائليات. هذا الشاب هو الأستاذ ذكي الأرسوزي فقالوا عنه أنه مجنون وأن هذه الأفكاء ستقوده إلى السجن ولم تمضى ثلاث سنوات حتى حاولت فرنسا اقتطاع هذا الجزء من جسم الوطن الأم وتقديمه لتركيا وفي مدينة أنطاكية كما في أية بقعة من بلاد العرب طائفيات زالت بعد ثلاث سنوات من عمل الأستاذ الأرسوزي فأصبحت معقلاً كبيراً من معاقل الوطنية والرجولة وتشغل الرأي العام العربي بوطنيتها.
(وأورد الوزير الغانم قصتين عن أنطاكية وفيهما أكبر دلالة على الوعي القومي وتناسي الطائفية والنعرات التي أثارها الأجنبي عند مصلحة الوطن).
هذه الصور تعلمكم أنه إلى جانب أرضكم المناضلة يجب أن تتطلعوا إلى أولادكم وأطفالكم، فهؤلاء يؤكدون لكم أنهم يستطيعون أن ينتزعوا الحرية وأن يحافظوا على الاستقلال.
قال أحد الأخوان: كان يريد أن يراني في حكومة عمالية ثورية اشتراكية، فأقول لا تستطيع أية أمة أن تتحرر إلا إذا دفعت ثمن هذه التضحية غالياً، ونحن سواء كنا في الحكم أو في السجن أو في العيادة سنبقى أبداً خداماً لقضيتكم خداماً لقضية الشعب.
تحدث الأخوان وقد أصاب أحدهم عندما قال مطالبكم مطالب شعبكم. فهذه المطالب هي مطالبنا والإصلاحات المتوجية كثيرة وإلى جانب هذه الإصلاحات يجب أن يتكتل الشعب ليحارب الفقر والجوع يجب أن يتكتل ليسير صفاً متحداً في سبيل بناء حريته وبناء حضارة العالم بأسره.
إن ما نستطيع أن نحققه لإيصال أبناء الشعب إلى الطبيب المستشفى دون حواجز وشكليات قد قمنا به فوضعنا مشروع البطاقة الصحية التي يمكن بواسطتها التقدم إلى المستشفى بدون طوابع وشهادة فقر حال وعمدنا إلى تعديل ملاك الصحة وتقدم إلينا نفر من الأطباء الشبان ستخصص قسماً منهم لمحافظتي الجبل وحوران لأنهما بحاجة إليهم، ووضعنا مشروع قانون لإيفاد 25 طالباً كل سنة يدرسون على نفقة وزارة الصحة، وستأخذهم الوزارة بناء على فحص، ومن الطبقات الفقيرة كي يتعاقدوا مع الوزارة بعد تخرجهم.
وأما الإصلاحات التي لا تخص وزارة الصحة فإن الحكومة والمجلس النيابي لينظرون إلى حال الجبل بعطف وعناية واهتمام.
وهناك نية سيظهر إلى خير الوجود بتأجيل أقساط الديون المصرفية الزراعية هذا العام وتقديم القروض الموسمية على أساس الموسم الزراعي.
كما أقر خلال هذا الأسبوع قانون البرنامج العمراني وأصبح قيد التنفيذه. وهذه الإصلاحات ليست إلا أهدافاً في الحقيقة وإنما هي وسائل تنير طريق الحياة والعمل، وإن الاستعمار الجشع يريد أن يستنزف ثرواتنا.
والعدو الأكبر في فلسطين يتربص لنا الدوائر والأعداء في الشمال يريدون أن يجعلونا ولاية من ولاياتهم ولا سبيل للخلاص إلا بتكتل الشعب وتوحيد صفوفه. وأن نصبح عائلة واحدة متراصة. ونضع أمامنا هدفاً واحداً، وهو : إما أن نستأنف كأجدادنا حياة المروءة والشرف وإما أن نمر على هامش الحياة.