ولد الدكتور سيف الدين بن مأمون بن الشيخ مأمون بن الحاج حمود بن الحاج أمين صنوفي الملقّب بـ” مصنّف زاده” في حمص عام 1905م.
والده مأمون افندي: أمين سر بلدية حمص حينما كان يرأسها عبد الحميد باشا الدروبي، وكاتب الأراضي السنيّة (السلطانية) برئاسة الباشا المذكور.
جدّه الشيخ مأمون: الكاتب الأول لمحكمة حمص التجارية.
عمّه محمد وجيه المأمون: كاتب الأملاك السلطانية في أريحا بالعهد العثماني، ومأمور أوقاف حمص بعد الانسحاب العثماني.
درس في ثانوية الإتحاد الوطني بحمص، ثم ارتأى والده أن يسافر معه إلى دمشق للعناية بتعليمه بناءً على كونه من أذكى طلاب حمص، فدرس الحقوق في جامعة دمشق.
بعد أن أنهى دراسة الحقوق ابتعث عام 1926م إلى فرنسا على حساب الحكومة السورية ونال هناك الدكتوراه في الحقوق بدرجة تفوّق.
عاد إلى سورية وامتهن المحاماة في دمشق، واشتهر عنه الدفاع عن الوطنيين والمناضلين بلا أجر.
ساهم في تأسيس حزب الشباب الوطني في الثلاثينات، وهو حزب يتبع للكتلة الوطنية. كما ساهم في تأسيس الحرس الوطني الشبابي “القمصان الحديدية” وكان عضوًا في لجنتها العليا بدمشق.
عمل مع فخري البارودي على محاربة الفكرة التي كانت تستغلّها فرنسا وتشيعها في أوساط جمعية الأمم ولجنة الانتدابات بأن فرنسا تحمي الأقليات في سورية ولبنان، وأنها إن تخلّت عن انتدابها فإن الأكثرية المسلمة ستضطهد الأقليات. فراح الوطنيون يتصلون برجالات المسيحيين في لبنان وعلى رأسهم البطريرك الماروني أنطون عريضة الذي احتجّ على الفكرة وأفهم العالم بتصريحاته وخطاباته وبياناته بأن غاية المسلمين والمسيحيين الاستقلال والحرية. وقد كان على رأس الوفود السورية للبطريرك الدكتور سيف الدين المأمون والنائب فخري البارودي.
ولما نفي د.سيف الدين مع البارودي إلى القامشلي عام 1935م تأثر البطريرك عريضة واحتجّ على عمل السلطة الفرنسية فكتب إلى وكيله الأسقفي بالشام يكلّفه بزيارة المأمون والبارودي شخصيًا، فكتب إليه د. سيف الدين الكتاب التالي:
“حضرة صاحب الغبطة البطريرك:
بعد رفع عظيم احترامي لمقامكم وطلب الدعاء الصالح والبركة النافعة؛ تشرّفت بتلاوة صورة عن كتابكم الذي تلطّفت غبطتكم وأرسلته إلى حضرة الوكيل الأسقفي بالشام، فحمدت الله تعالى على هذا العطف وسألته أن يطيل في عمر غبطتكم حتى تؤتي شجرة الاتفاق والجهاد التي غرستها أيديكم ثمارها يانعةً وتبلغ البلاد دوام التفاهم والتآزر بين الطائفتين الكريمتين حقوقها كاملةً وسيادتها تامةً وكرامتها موفرة. وإني لأسارع بالحصول على السبق بالرد على مقامكم شاكرًا هذه العناية مستمدًا منها القوة على متابعة السعي في سبيل خير البلاد، آملًا من الله تعالى أن يمنّ علينا جميعًا بالطمأنينة على رخاء هذه الأمة”.
عندما عاد من المنفى جرى له استقبال حافل في مسقط رأسه حمص، فوقف وقال:
“في هذه المدينة رأيت قبس الحياة والنور، وفي هذه المدينة الخالدة شبت وترعرعت، فشكرًا لكم يا أهل بلدي على هذا اللقاء الساحر الذي بعث القوة والحياة”.
وقد انضمّت فئات كثيرة من الشباب السوري إلى القمصان الحديدية، وطبّق عليها التعليم العسكري من قِبل فريق من الضباط السوريين المتقاعدين.
وحين قرّرت القيادة العامة للقمصان الحديدية إجراء عرض بدمشق باللباس العسكري؛ تقدّمهم المحامي الدكتور سيف الدين المأمون.
تجمّعت الفرق الوافدة من البلاد السورية في موقع المرج الأخضر-مكان معرض دمشق الدولي- وبدأ العرض العسكري المنسّق تتقدمه رايات الفرق ثم الضباط ثم الأفراد بنظام عسكري دقيق. وحينها قامت قيامة الفرنسيين وجنّ جنونهم، ووصف المفوّض السامي الفرنسي تلك الفرقة بأنها فرقة نازية.
على إثر نشاطه الوطني الكثيف اعتقلت السلطات الفرنسية د.سيف الدين وحكمت عليه بأكثر من أربعين عامًا مع الأشغال الشاقة، فأمضى أكثر من عشرين شهرًا في سجون تدمر يعمل بشقّ الطرق وتعبيدها وتكسير الحجارة ورصفها، قبل أن ينقل إلى سجن قلعة دمشق. وقد سبّب له السجن في تدمر أمراضًا أودت بحياته لاحقًا.
وحين تأسيس الحزب الوطني بعد حلّ الكتلة الوطنية انتخب مراقبًا عامًا له، ولكن بسبب ميوله الاشتراكية انسحب من الحزب الوطني وشارك في تأسيس الحزب التعاوني الاشتراكي وصار من قياداته.
وقد كانت نشاطاته الوطنية مستمرةً طوال تلك الفترة، فما كانت تقوم مظاهرة أو ترسل برقية احتجاج إلا ويساهم بها، ولا يعقد أي اجتماع وطني إلا ويكون في مقدمة خطبائه، ولا يجري أي بحث إلا والرأي الأول له، وقد كان من ألمع المحامين الذين يدافعون عن المناضلين العرب في أي بلد عربي.
وقد كان يسافر مع مواطنه الأستاذ رشيد الملوحي محرر جريدة الأيام الدمشقية إلى فلسطين، فيشتركان مع شبابها في مظاهراتهم بوجه الانتداب البريطاني، ويسيران في مقدمة تلك المظاهرات رغم رجاء الشباب الفلسطيني بعدم خروجهما خوفًا عليهما من التعرّض لعنف البوليس البريطاني.
أصيب بمرض عضال عام 1955م بسبب ما لاقاه سابقًا أثناء اعتقاله أدّى إلى وفاته في ذات العام.
المصادر:
الشاغوري، (قاسم)، رجال من بلدي، 176-181
شيخاني-كاخيا، (محمد فيصل- طارق اسماعيل)، معالم وأعلام من حمص الشام في القرن العشرين، 584
حسين آغا، (محمد غازي)، مدينة حمص- علماءٌ أعلام في ظلّ الخلافة العثمانية، 124-125
حسين آغا، (محمد غازي)، مدينة حمص- المساجد والزوايا القديمة، 580
قرار أحمد نامي رئيس دولة سوريا رقم 389 الصادر بتاريخ 14 تشرين الأول 1926م.
مذكرات أكرم الحوراني (1/58): تنظيم الشباب الوطني (1936)