وثائق سوريا
خطاب فيصل بن الحسين في حفل اللجنة الوطنية في كانون الثاني عام 1920
خطاب فيصل في اللجنة الوطنية في السادس والعشرين من كانون الثاني عام 1920م.
أقامت اللجنة العليا احتفالاً في يوم السادس والعشرين من كانون الثاني عام 1920م، في منزل سامي مردم بك، وألقى فيصل كلمة هذا نصها:
(تعلمون إنني ارتجل الكلام ارتجالاً كثيراً ما انطق بالجملة أريد بها معنى فيغيرها السامع بغير ما أريد وبما أن كلمة أفواه بها أحاسب عليها في أوربا وفي البلاد نفسها فارجو من أرباب الصحف ان لا ينشروا شيئاً مما اقوله قبل عرضه علي لأنظر فيما يؤدي المعنى الذي أقصده فلا تتلوه الأمة الا وهو كما أريد.
لذلك فكل خطبة تنشر دون أن أطلع عليها قبل نشرها لا أعدها من كلامي.
اخواني:
إنني أشكركم كل الشكر على فعلتكم هذه التي اقمتموها من أجلي كما أشكر لكم وطنيتكم وغيرتكم على البلاد وسعيكم في سبيل صلاحها وفلاحها.
لما أتيت دمشق في أوائل الحرب قابلني بعض أخواني ومنهم أشخاص الآن قد سمعوا كلامي آنئذ واخبروني أن في سوريا حركة عربية يأملون نجاحها وقالوا لي في جملة ما قالوه.
“أنتم يا أهل الحجاز أولى من جميع الناس بمؤازرة هذه النهضة والقيام مع القائمين بها لأنكم أهل بيت عريق في المجد إذ لم تصونوه وتلبوا داعي قوميتكم العربية فلستم من الحياة على شيئ بل أنتم أموات في صورة أحياء”.
نقلت كلماتهم هذه إلى والدي فقبل التكليف ورجعت إلى سوريا فإذا أكثر القائمين بالحركة الوطنية بين مصلوب ومقتلول فعلمت أن الأمر عائد إلى الحجاز فرجعت للقيام بمهمتي ومازلت أسعى السعي الذي عرفه كل فرد منكم حتى وفقنا الله للظفر ولا عناية لنا غير استقلال الأمة. الاستقلال الذي حاربنا من أجله وعشنا من أجله ونموت من أجله.
ثم دعيت إلى أوربا فذهبت ولما رجعت منها قلت في بيروت: الحكومات قد اعترفت لكم مبدئياً باستقلالكم ولكن ثقوا أن الاستقلال يؤخذ ولا يعطى وناديت بكم أن تاهبوا لليوم العصيب إذا أبت الأمم الاعتراف بما لكم من الحقوق في بلادكم ومصيركم.
وقلت في دمشق: إن أردتم الحياة فلا حياة ولا استقلال بغير الجند فدعوت للتطوع وجعلت مدته ستة أشهر ورجوت من الأمة أن تتطوع رأيت ما يسرني رغم ما كان أصابها من الحرب العامة.
ثم دعيت ثانية إلى العرب ثانية إلى العرب وهناك قلت أن العرب لا يطمحون إلى الفتوح وإضرام نار القتال ولكنهم يريدون استقلالهم الذي هو حق لهم لا ينازعهم به منازع ليعودوا إلى إحياء ما أندرس من معاهد العلم في بلادهم وليحددوا حضارتهم التي تشيد بها صخور الأندلس وبناياتها الشاهقة ولكن للآسف خرجت أميركا التي كنا نرجو مساعدتها لنا على استقلالنا والتي لم تدخل الحرب إلا على شرط إلغاء المعاهدات السرية وتزلزلت أركان السياسة بعد خروجها ورأيت معاهدة 13 أيلول قد عقدها المسيو لويد جورج فاتضح لي أن الأمة أصبحت في خطر وأنها ستستعبد وثبت لي إذ ذاك أن ما طلبته من الأمة وما قلته لكم ولغيركم في البلاد السورية حق وأن الأمة لم تدافع عن حقوقها كانت عرضة للاقتسام والاستعباد.
ثم وصف سموه ما كان لتلك المظاهرات من التأثير على خطته في أوربا. وقد جئت لأمرين: الأول – بلغني أن الأمة عازمة على الدفاع فقلت أنها لابد لها ممن يقودها أو ينظم شؤونها.
والثاني: لأرى ما كان من الأمة بعد غيابي عنها نيفاً وأربعة أشهر حتى إذا عدت إلى الغرب كنت واقفاً على روح الشعب وميله فيكون دفاعي مبنياً على ما في الأمة من الحياة ومالها من المطامح.
أتيت دمشق فوجدت الامة مختلفة في الطرق ولكنها ترمي إلى هدف واحد هو الاستقلال ومقاومة ما شاع من تقسيمها واستعبادها.
أنا ابن محمد لا يمكن أن أعيش إذا لم أكن مستقلاً وأنا لا أدنس شرف آبائي وأجدادي بقبول الرق أو الوصاية أو كما شئتم فقولوا.
لكل فرد من أفراد المجتمع غاية بسلك سبيلها ليكون ذا شخصية ومكانة في قومه. وأما أنا فأفتخر بكوني فرداً من الأمة ولكن لا أنسى أن لي من شرف أسرتي وقومي ما يجعلني في غنى عن السعي وراء تشييد المكانة على دعائم منصب أو رئاسة حكومة ولكن مطمحي الذي أرمي إليه هو استرجاع مجد أسلافي ولن يحولني عنه عائق حتى الموت.
إذا لم نثبت على المطالبة بحقوقنا فالتهلكة أمامنا ولكنني لا أدعو الأمة إلى دفع التهلكة عنها بقوتها حتى تضيق في وجهي سالك السياسة وليس من رأيي أن يسمع العالم عنا أننا أمة غير ذات مدنية أمة تسب هذه الدولة وتشتم تلك الحكومة بل أريد أن أرى الأمة رابطة الجأش كالأسد الخادر في عرينه لا نقل أن الأمة الفلانية ترغب في أن تستعبدنا أو الشعب الفلاني يجب أن نقاتله بل لنكن ضامتين فعالين.
وآخر ما أرغبه إليكم يا ممثلي اللجنة الوطنية أن تعتمدوا على الله وتحملوا كل شيئ ترونه ممن وثقتم به على حسن القصد وصفاء النية لأن النية إذا كانت حسنة كان العمل حسناً وبعد رجوعي إلى هنا تحاسبوني على أعمالي وعندئذ تباركون لي وابارك لكم بالظفر فيما أطلب وتطلبون والله ولي الأمر).
تعليق صحيفة لسان الحال:
(الذي يقرأ خطاب الأمير اليوم في دمشق ويقرأ خطابه السابق الذي لفظه منذ أسبوع في دمشق أيضاً يجد بينهما بوناً شاسعاً واختلافاً ظاهراً فقد قال أننا أمة لا نرضى بالوصاية بل نؤثر استقلالنا التام في حين أن سموه صرح في الخطاب الذي ألقاه منذ اسبوع أننا أمة ضعيفة لا سبيل لنا إلى الاستغناء التام عن دول أوربا.
وإننا لا نكتفي فقط بما تقدم بل إننا نعود بالذاكرة إلى الخطاب الذي ألقاه سموه يوم دعي إلى نادي المجلس البلدي في بيروت فكان تصريحه يفيد أن من مصلحتنا ومصلحة البلاد أن نضع يدنا بأيدي رجال الحكومة الجمهورية الذين لم يأتوا إلينا إلا لمساعدتنا).