مقالات
جاد موصللي: قصة جندي بريطاني من أصل سوري
جاد موصللي – التاريخ السوري المعاصر
الحادي عشر من تشرين الثاني يصادف يوم الهدنة أو ما يعرف بيوم المحاربين القدامى أو يوم التذكر، وهو يوم تذكاري خاص بدول التي شاركت بالحرب العالمية الأولى لتذكر الجنود الذين توفوا واستشهدوا في هذه الحرب التي ذهب ضحيتها أكثر من عشرة ملايين جندي. حيث تم في هذا اليوم من عام 1918 م الاتفاق بين ألمانيا ودول الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، روسيا) على وقف الحرب.
تم إتخاذ من زهرة شقائق النعمان رمز لهذه المناسبة و عدد كبير من المواطنين في دول الكومنولث يضعون هذه الزهرة على صدورهم خلال أول عشرة أيام من شهر تشرين الثاني لتذكر أجدادهم و أقاربهم الذين توفوا في تلك الحرب.
اختيار هذه الوردة أولاً بسبب لونها الأحمر القاتم والذي يرمز للدماء المراقة خلال ساحات المعارك، والتي استلهم منها الفكرة الدكتور الكندي جون ماكار بعد رؤيته هذه الوردة ضمن إحدى المعارك في أيار من عام 1915 م.
في هذا اليوم و هذه المناسبة أرغب بمشاركتكم بإحياء ذكرى جندي بريطاني لوالد سوري من مدينة حلب و من عائلتي, قُتل ضمن أحداث الحرب العالمية الأولى في 22 نيسان من العام 1917 م في شمال فرنسا.
الجندي يدعى أنطونيو_إدوارد موصللي إبن عبدالله إبن أنطون إبن عبدالله إبن يوسف موصللي من طائفة الكلدان، من مواليد مانجستر عام 1890 م, ( صلة قرابتي مع أنطونيو أنه ابن عم جدي قيصر).
أنطونيو الإبن البكر لعبد الله موصللي (1917 – 1854 م) تاجر حرير و قطن ,هاجر من حلب إلى مانشستر حوالي عام 1872 م, و ذلك بعد إفتتاح قناة السويس عام 1869 م. ضاقت به حلب و لم تتسع لطموحاته التجارية غادرها خلال فترة شهدت مدينة حلب هجرة كبيرة لعدد من كبار تجارها خاصة اليهود و المسيحيين اللذين تضررت تجارتهم جراء إفتتاح قناة السويس, مما جعل من مدن و موانئ المتوسط تعيش بفترة إنتعاش إقتصادي مقارنة بالمدن الداخلية.
لاحقا عام 1885 م تزوج عبدالله من سيدة إنجليزية تدعى أني ابنة جون شابليو و أنجبوا خمس أولاد, (أربع أبناء ذكور و ابنة). اللافت بالنظر أن عبد الله بقي على تواصل مع عائلته بحلب، وخاصة أخويه (يوسف وحبيب) بطبيعة تعاونهم بتجارة الحرير والقطن السوري والجوخ البريطاني ولم تنقطع المراسلة (التي كانت بعض الأحيان باللغة العربية وبعض الأخر بالإنجليزية) إلا أن المراسلة توقفت بعد وفاة عبد الله نهاية عام 1917 م متأثراً بمرض الهواء الأصفر الذي انتشر في تلك الفترة في أوروبا.
بحسب أرشيف العائلة أنطونيو لم يتزوج، أحسست أنه من واجبي أن أتذكره في هذا اليوم خاصة عدم وجود أبناء أو أحفاد ليحملوا اسمه و ليتذكروه في هذا اليوم الهام والرمزي من تاريخ أوروبا وخاصة بريطانيا. هو من قدم روحه فداءً لبلده مع ألاف غيره من الجنود والمواطنين الأبرياء الذين لقوا حتفهم خلال هذه الحرب البشعة.
كم كنت سعيد برؤية اهتمام بريطانيا لتوثيق أسماء جنودها و تخليدهم وإضافة أي معلومات عنهم من أقاربهم، أستطعت الحصول على بعض المعلومات من خلال البحث ضمن أرشيف الحرب البريطاني لاحقاً وسعت مجال بحثي أكثر وحصلت على صورة لمدفنه الجديد بعد أن جددته الحكومة البريطانية.
أنطونيو كان يعمل مع والده عبد الله في تجارة القطن، لاحقاً التحق بالجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى و قد حصل على ميداليتين تكريميتين، كان يحارب ضمن الصفوف الأمامية للمعركة، وقد توفي في إحدى معارك في منطقة
Saint Laurent-Blangy
شمال فرنسا في 22 نيسان من عام 1917 م عن عمر 27 عاماً.
لا أعرف الكثير من التفاصيل حول هذه العائلة وما حل بهم، لكن ما دفع بي حب الفضول والاسكتشاف، هو بعض الصور والأوراق القديمة الموجودة ضمن أرشيف العائلة عمرها أكثر من مئة عام، كانت عبارة عن تبادل مراسلات وصور بورتريه بين عبدالله (والد أنطونيو) و اخوته في حلب.
فليكن ذكرهم مؤبداً أولئك الجنود المجهولين اللذين استشهدوا في تلك المعارك مدافعين عن أوطانهم سواء في أوروبا أو في شرقنا الدافئ و الدامي المليء بالحروب القديمة من قدم البشرية و المستمرة بشكل متواصل و بدون انقطاع حتى تاريخ اليوم مع الأسف.