مقالات
هايل القنطار: الجمعيات والأندية الأهلية في محافظة السويداء في القرن العشرين
هايل القنطار – التاريخ السوري المعاصر
في أيامنا هذه، أخذت المنظمات غير الحكومية ومن ضمنها الجمعيات الأهلية تحظى باهتمام متزايد في دول العالم كافة، نظراً للدور الذي باتت تلعبه في دعم خطط التنمية بأوجهها المتعددة. ولقد شهدت الدول الغربية نمواَ متصاعداً لهذا القطاع خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ما أهله لأن يلعب دوراً بارزاً في المعادلة الاقتصادية والاجتماعية لتلك الدول. لكنه في البلدان العربية ظل هامشياً حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر حيث بدأت تظهر جمعيات أهلية لأغراض البر والرعاية وكانت أكثرها في جمهورية مصر العربية. ومن ثم في بلاد الشام عامة. لكن اللافت أن تكون منطقة جبل العرب من أوائل المناطق التي عرفت هذا النوع من النشاط الاجتماعي. ففي مطلع عام 1887 قامت مجموعة من أهالي الجبل “محافظة السويداء” بتشكيل جمعية أهلية كل في قريته بهدف المطالبة بإعطاء الفلاحين حقوقهم، وانتشرت هذه الجمعيات في الكثير من مدن الجبل وقراه أمثال: عرمان، لاهئة، السويداء، صلخد، شهبا، ملح، امتان، عاهرة “عريقة اليوم” نجران، عتيل، سليم.. الخ.
ولعبت هذه الجمعيات دوراً في قيام حركة العامية “1888-1890” التي أطلق عليها تشابها بينها وبين ما هو قائم اليوم من حيث الشكل والأسلوب. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الفكر المتقدم لدى أبناء الجبل. وعن هذه الجمعيات يقول الشاعر الشعبي وزعيم الجبل آنذاك شبلي الأطرش:
كل يوم جمعية بضيعة يقولوا لي يا شبلي حط دية
وفي قصيدة أخرى يقول:
اليوم جمعية بعتيل وجوارها وبكرا انقلوها من سليم شمال
وفي بداية القرن العشرين انتسب العديد من زعماء الجبل إلى الجمعيات العربية المناهضة للحكم العثماني بخاصة منها الجمعية العربية الفتاة، التي شكلت آنذاك بقصد تحقيق الاستقلال عن الدولة العثمانية.
في أعقاب الثورة السورية الكبرى “1925 – 1927” حاولت مجموعة من الشباب تشكيل هيئة إغاثة لرعاية أسر الشهداء، لكن تلك الهيئة لم ترق إلى مستوى الجمعية المؤسساتية، بعدها بقليل قامت مجموعة من هواة الرياضة بتشكيل فريق لممارسة لعبة كرة القدم ضم مجموعة من أبناء مدينة السويداء، وقد ظل هذا الفريق يمارس هوايته حتى منتصف الأربعينيات.
في مطلع عام 1940 تشكل فرع لعصبة العمل القومي وهي جمعية سياسية كانت تهدف إلى تعميق مفهوم القومية العربية والدعوة إلى وحدة أقطارها، للتخلص من الاستعمار وأنسنة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع السوري عامة. وبعد قيام حركة البعث العربي انضم غالبية أعضاء العصبة إلى الحزب الجديد بالنظر لتطابق الأهداف.
في عام 1943 تشكلت فرقة كشفية وأقامت أول مسيرة لها في 12 / 5 / 1944. وخلال فترة الأربعينيات حاول العديد من أبناء الجبل تشكيل جمعيات تعنى بالأيتام والطلبة المعوزين، إلا أنهم لم يوفقوا إلى ذلك باستثناء نادِ أدبي أقيم في بلدة عرى!! يعتقد أن الأميرة أسمهان هي من شجع على إنشائه.
وفي عام 1948 قيض الله لهذه المحافظة رجلاً من كبار علماء الأدب والسياسة ومصلحاً اجتماعياً قل نظيره هو المرحوم العلامة عارف النكدي الذي عين محافظاً لمحافظة السويداء. فكانت باكورة أعماله الاجتماعية تأسيس ميتم لرعاية الأطفال المحرومين من حنان الأسرة، وألحقت به مدرسة ابتدائية حكومية، وقد عمل المؤسس بصفته محافظاً للسويداء على تخصيص الميتم بمجموعة من العقارات لتأمين استمراريته ومما يروى عنه أنه كان يعتذر عن تلبية دعوات المأدب “العزايم” وكان يطلب من داعيه بقيمة المأدبة لبيت اليتيم.. من يومها بدأت الحركة الاجتماعية تأخذ طابعاً تنظيمياً حيث مرت بالمراحل التالية:
المرحلة الأولى- من الاستقلال حتى عام 1970م:
اتسمت هذه المرحلة بنمو الوعي بأهمية العمل التطوعي، وضرورة المشاركة في القضايا العامة من خلال عمل مؤسساتي منظم.. وكانت البداية تأسيس جمعية دار رعاية الأيتام واليتيمات السابق ذكرها ولذلك عام 1948 والتي عرفت بجمعية بيت اليتيم والعجزة.
وفي عام 1949 شّكل نادي السويداء الأهلي لكرة القدم لكنه لم يعمر طويلاً فحل محله نادي السويداء الرياضي الذي أصبح النواة الأولى لنادي الفتيان الرياضي والذي أشهر في عام 1951م، في الفترة التي تلتها أسس نادي الجبل الرياضي.
بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية، وإحداث وزارة للشؤون الاجتماعية والعمل، كان من ضمن مهامها تنمية النشاطات المتصلة بالثقافة والشباب والخدمات الصحية وقضايا المرأة.. عمدت الوزارة إلى التشجيع على تأسيس الجمعيات الاجتماعية والأندية الرياضية. وتجاوب أبناء الجبل مع هذه التطلعات فكانت الحصيلة تأسيس الجمعيات والأندية التالية:
في مدينة السويداء:
1- نادي الفنون الجميلة “1959”.
2- جمعية الإسعاف الخيري “1960”
3- نادي الجماهير الرياضي “1960”.
4- جمعية المرأة ومعونة الطلاب الفقراء.
5- جمعية المتقاعدين العسكريين ” 30 / 5 / 1961″.
6- جمعية حماية الأحداث الجانحين.
7- جمعية نادي هواة الصيد “الرماية لاحقاً”
8- جمعية نادي الفروسية.
في منطقة صلخد:
– نادي صلخد الرياضي.
– نادي الفنون الجميلة بصلخد.
– نادي مركز إنعاش الريف بصلخد.
– نادي العروبة الرياضي في القريا.
– نادي عرمان الرياضي.
مدينة شهبا:
– النادي الثقافي الاجتماعي.
– جمعية تحسين السجاد اليدوي.
ريف السويداء:
– الجمعية الخيرية للخدمات الشعبية في الثعلة.
– جمعية الإبرة والتطريز في قنوات.
المرحلة الثانية – امتدت من عام 1971 وحتى عام 1980م:
في النصف الثاني من عام 1970 جرت عملية تقييم للجمعيات القائمة على ساحة المحافظة ونتيجة لعملية التقييم خلّت معظم الجمعيات الخيرية والاجتماعية.
أما الجمعيات المهتمة بالشؤون الرياضية وهي:
جمعية هواة الصيد وجمعية نادي الفروسية ومعها الأندية الرياضية الأخرى فقط ألحقت بالاتحاد الرياضي العام الذي أنشئ بموجب المرسوم التشريعي رقم 38 لعام 1971م.
في حين نجت الجمعيات الثلاث التالية من الحل لكونها جمعيات نفع عام وهي:
جمعية بيت اليتيم والعجزة
جمعية رعاية المكفوفين
جمعية حماية الأحداث
إلا أنها دمجت في جمعية واحدة سميت جمعية الرعاية الاجتماعية بالسويداء وذلك في 11 / 7 / 1971م.
ورغم ما حل بجمعيات المحافظة من حل وإدماج، يرجع بأغلبية إلى نقص التمويل وضعف الإيرادات والبعد عن العمل المؤسساتي، فقد تابع أبناء المحافظة نشاطهم الاجتماعي من خلال تأسيس جمعيات جديدة أثبتت الأيام فاعليتها وهي:
1- فرع الهلال الأحمر العربي السوري في السويداء 1971م.
2- جمعية النادي العائلي في السويداء 1971م.
3- جمعية الرعاية الاجتماعية 1971م.
4- فرع رابطة المحاربين القدماء وضحايا الحرب – أواخر عام 1972م.
5- جمعية النادي السينمائي 1980م.
المرحلة الثالثة – من عام 1981 وحتى عام 2000م:
في هذه الفترة توقف شهر الجمعيات الأهلية إلا بعد الحصول على موافقة القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي. ويظهر أن التقييد كان مرتبطاً بالأحداث السياسية التي حلت بالقطر أواخر السبعينيات من القرن الماضي حيث اتهمت بعض الجمعيات بأنها تمول الفئات المعادية للدولة، وبعضها الآخر يتلقى تمويلاً من الخارج دون موافقة الحكومة.
وخلال هذه الفترة لم يشهر سوى جمعية واحدة هي: جمعية المتقاعدين المدنيين وعدد من الفروع غير المشهرة لجمعيات قطرية هي: جمعية تنظيم الأسرة السورية، وجمعية خريجي الدراسات العليا، وجمعية الإمام المرتضى، والجمعية السورية للمعوقين حركياً.
وبعد عام 2000 فتح الباب على مصرعيه للراغبين في تأسيس جمعيات تجاوزت في وقتنا الحاضر 130 جمعية ومؤسسة اجتماعية.