مقالات
د. سعد طه كيّالي : حكاية أولى السيارات في حلب
د. سعد طه كيّالي – التاريخ السوري المعاصر
حكاية أولى السيارات في حلب
شوهدت السيارة للمرة الأولى في حلب سنة 1909 م ، والتي تعود ملكيتها إلى المشير زكي باشا الحلبي الذي كان المرافق الفخري لامبراطور ألمانيا ” ويلهلم “، أثناء زيارة قام بها لأهله القاطنين حي آقيول، علماً أنّ المشير زكي المذكور هو نجل علي أفندي مدير المستشفى العسكري في الرمضانية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ظاهرة اقتناء السيارات في حلب اقتصرت على الوزراء وكبار قادة الجيش، ضمن فترة الحرب العالمية الأولى وبشكل خاص ضباط الجيش الألماني.
ويُشار إلى أنّ تنقلات الركاب ونقل البضائع ، اقتصر على السيارات العسكرية بُعيد دخول الجيش العربي وانسحاب الجيش التركي .
من الجدير ذكره أنّ أول سيارة خاصة اقتناها في حلب السيد جورج عزيزة، وكانت من نوع دودج ( Dodge) يعود مصدرها إلى أحد القادة الألمان المغادرين مدينة حلب إثر الخسارة التي مُنيَ بها الألمان في الحرب العالمية الأولى .
بادر السيد جورج عزيزة إلى تسخير أحد خانات باب الفرج (أمام الساعة) من أجل نقل الركاب، حيث أطلق عليه اسم (كاراج عزيزة) وكان يقوم بنقل الركاب من حلب إلى بغداد ، وخاصة التجار وصرّافي الأوراق النقدية ، لقاء أجر قدره (50 ليرة عثمانية ذهباً) إذ كان يتم يتم تبديل الجنيه المصري الورقي بالليرة الذهبية الذهبية الإنكليزية أو العثمانية ، فكان الجنيه يُعادل سبع مجيديات ونصف، والإنكليزية تُعادل عشرة مجيديات والعثمانية بتسعة . واللافت أنّه في العراق كانت تُباع العشرون ليرة الورقية العثمانية بليرة عثمانية ذهباً ، بينما كانت تعادل الليرة الذهبية العثمانية بحلب أربع عشر ليرة ورقية عثمانية ، مما يؤكد على أنّ التجارة متغلغلة في دم الحلبيّ … وذكرتها كطرفة تاريخية لا علاقة لها بحكاية السيارات .
بداية استيراد السيارات
بعد انتهاء تلك الحرب بادر بعض الأشخاص إلى اقتنائها بهدف تجاري ، عبر نقل الركاب بالأجرة ، أو الأغنياء بهدف التنقل ضمن المدينة ، وذلك باستيراد السيارات المستعملة من بيروت ، التي كانت من مخلفات الجيش الإنكليزي بأنواعها المتعددة ، ومنها : الشيفرولية Chevrolet وفورد Ford والثورنيكرافت Thornycroft الإنكليزية الصنع ذات المقوَد ” الديريكسيون ” على الطرف الأيمن و فيات Fiat الإيطالية ، ويُشار أيضاً إلى السيارات التي خلّفها الجيش الألماني في فلسطين وسورية ، إثر هزيمته في الحرب سنة 1918 م .
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 1919 قام الضابط في الجيش التركي ” جميل كنّه ” بالشراكة مع فهمي بك قائد الدرك في الرقة، المقيم وقتئذ في حيّ آقيول ، باستيراد أول سيارة فورد Ford خصوصية للأجرة ، وكان يقودها السائق ” كاروج الغستابي” .
وكان السيد “إبراهيم برمدا” من الذين استوردوا عدداً من تلك السيارات ، وأول مَنْ بادر إلى نقل الركاب من حلب إلى حارم ، بإجرة قدرها ليرتين عثمانية ذهباً لكلّ راكب .
في عام 1922 م انتشرت ظاهرة اقتناء السيارات (السياحية) في حلب ، إضافة إلى الشاحنات الصغيرة والكبيرة والدراجات النارية ، حيث وصل العدد إلى ( 250 سيارة سياحية ) وكان والي حلب السيد ” مرعي باشا الملاح ” أحد الذين اقتنوا سيارة رينو Renault في تلك الحقبة ، بناءً على ما ذكره لي حفيده السيد الباحث عمرو الملاح ، مُستنداً إلى رواية السيد الأديب والصحافي بشير فنصة وأحد العمّرين من آل الزيتوني الكرام .
وفي عام 1930 بلغ العدد ( 1050 سيارة سياحية) و (309 شاحنة صغيرة) و(39 شاحنة كبيرة) و(40 دراجة نارية).
وتجدر الإشارة إلى أنّ وكالات استيراد السيارات الفرنسية انتشرت في أواخر العشرينات من القرن المُنصرم ، حيث كان السيد ” جوزيف ماركوبولي ” الوكيل العام وصاحب الامتياز الحصري في الشمال السوري لسيارات السيتروين Citroen الفرنسية ، حيث كان معرض تلك الوكالة في شارع الناعورة ( أي شارع المتحف ) وورشة التصليح في بستان كل آب .
وأشير أخيراً إلى أنّه في عام 1930 م بلغت أسعار تنقل سيارات الأجرة من محيط المدينة إلى المركز فرنكاً فرنسياً للشخص الواحد في حال وجود عدة أشخاص في السيارة ( سرفيس ) أمّا سيارة الأجرة الخاصة ( التكسي ) فكان يتراوح المبلغ ما بين 4 إلى 5 فرنكات فرنسية . ونظراً لعدم تواجد تعرفة خاصة لسيارات الأجرة ، كان يلجأ أهالي حلب إلى فصل السعر مع السائق قبل الركوب … تماماً كما هو الحال في هذه الأيام …
إعلان لوكالة السيارات ” سيتروين ” الفرنسية ، الوارد في كتاب Alep , Autrefois , Aujourd’hui لمؤلفه Paul Baurain (حلب، فيما مضى واليوم ) الصادر سنة 1930 ، عن مكتبة قسطون في حلب .
يتضمن الإعلان اسم الوكيل الحصري وصاحب الامتياز في سورية الشمالية ( جوزيف ماركوبولي ) مع رقم الهاتف وصندوق البريد .
عنوان صالة العرض : شارع الناعورة .
عنوان ورشة الصيانة : شارع بستان كل آب .
المراجع والمصادر :
– تاريخ الآلة والتصنيع وتطوراتها ، جميل كنّه ( ضابط متقاعد ومدير مدرسة صنائع حلب الأسبق ) ، الجزء الأول.
– حلب القديمة والحديثة ، أ. فؤاد هلال ، 2015 .
– من ذكريات آل الملاح في حلب (توثيق الباحث عمرو الملاح) .
– Alep quelquefois et aujourd’hui , P. Baurain, 1930