وثائق سوريا
كتاب الياس عبيد نائب تلكلخ إلى مجلس النواب حول عشيرة الدنادشة عام 1946م
كتاب الياس عبيد نائب تلكلخ الذي قدمه إلى مجلس النواب حول عشيرة الدنادشة في السابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1946م، وأدرجت في أعمال الجلسة التاسعة من الدورة العادية السابعة التي عقدت في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1946م.
إلى وزارتي المعارف والأشغال العامة،
فخامة رئيس مجلس النواب الموقر
من المعلوم التاريخي أن عشيرة الدنادشة القاطنة قصبة تلكلخ وضواحيها كانت في طليعة محاربي الاحتلال الأفرنسي عام 1919 وإذ تغلب عليهم الجيش الأفرنسي عندئذ واستشهد بعضهم لجأوا أخيراً إلى الداخلية بين حماه وحمص ودمشق تاركين ورائهم بيوتهم وما يملكون فيها من محتويات ومؤون متنوعة وما يخص فيهم من قرى وأطيان وطروش ومواشي نهباً للجيش المذكور ومن يليه ممن لا يعرفون معنى للوطن والوطنية وهدفهم في الحياة مصلحتهم المادية وكانت خسارتهم فادحة جداً إذ قدرت آنئذ بمليون ونصف ليرة ذهبية ولقد ظلت هذه العشيرة وهي في هجرتها تحت رعاية وعناية المغفور له الملك فيصل “الأمير عندئذ” نحو عامين وفي خلالهما لم يتناولوا شيئاً مما يملكون إلى أن كان شبه تسوية بينهم وبين المفوضية الأفرنسية ولكن على أساس أن يدفعوا غرامة الحرب ونزولاً عند إرادة المفوضية رجعوا إلى أوطانهم وهي “ربي كما خلقتني” وبدأوا يدأبون بشتى الوسائل لدفع الغرامة الحربية ومع ذلك ورغم أنهم لجأوا والحياة جديدة وليس لهم من متاع الدنيا سوى مواسمهم كانت السلطة المحتلة “انتقاماً منهم” تفرض على قراهم الضرائب الباهظة برسم أعشار وويركو وهي لا تهتم بتظلمهم ولا تعني بشكواهم من فداحة هذه الضرائب وبما أن السلطة آنئذ كانت خصمهم وحكمهم معاً رضخوا للأمر الواقع ولكن معلوبين على حقوقهم ومقهورين على إرادتهم ولفداحة هذه الضرائب وللمحل الذي استمر آنئذ ولنزول الأسعار أيضاً تراكمت هذه الأموال ولم يتمكنوا سنوياً من دفع الا القسم الضئيل منها.
وأما عدم تسديدهم هذه الضرائب كانت الحكومة تلجأ سنوياً لطرح الزيادة على المبلغ المطلوب زيادة مضاعفة وتلقى الحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة – الأمور التي سببت ضعفاً وعجز شديدين في اقتصاديات هذه العشيرة. ولما تأكدت الحكومة أنهم لا يتمكنون من تسديد هذه الأموال خابرتهم وأقنعتهم “بداعي تقوية زراعتهم وتحسينها” أن يستقرضوا من البنك التونسي كل حسب حاجته – إلا أن الحكومة بدلاً من أن تسمح لهم باستلام القروض من البنك قبضتها هي مباشرة وخصمتها من الأموال المتراكمة المطلوبة منهم.
وبما أن هذه الأموال تجاوزت رأس المال الأساسي إضعافاً ولم يعد بإمكان العشيرة تسديدها فقد راجعت مجلس محافظة اللاذقية عام 945 وهذا بالاتفاق مع المحافظ ومدير البنك قرروا تنزيل ثلاثين بالمئة من كامل الديون وقد رفع هذا القرار بالتسلسل لمقام رئاسة الوزراء ولم يزل رهن اهتمامها به.
فلهذه الأسباب التي تقدم تبيانها من تضحية عشيرة الدنادشة ومفاداتهم بأموالهم وأملاكهم واستشهد بعضهم في سبيل تحرير هذا الوطن من الاغتصاب الأجنبي ومن انتقام السلطة الافرنسية منهم وارهاقهم بفرض تلك الضرائب ظلماً وعدواناً، أطلب من مقام الرئاسة ومن المجلس الكريم العطف على هذه القضية بحيث يقرر الاكتفاء بدفع رأس المال مع فوائده وبالمئة أربعة منذ تاريخ الأقراض مع حسم المدفوعات من أصل هذه الأموال المتراكمة.
ثانياً- لما كانت السلطة الأفرنسية بعد هجرة العشيرة قد احتلت بيت أحد زعمائها المرحوم الشهيد أحمد آغا الحسين كغرامة حربية وجعلته مقراً للجيش الأفرنسي وقد طلبت من أولاده دباح آغا وأخوته بعد رجوع العشيرة أن ينشئوا على نفقتهم بيتاً مستكمل الشروط الفنية الصحية ليكون مقراً للمستشار الأفرنسي فنترك لهم بيتهم المحتل وهي بدورها تمدهم بالمال اللازم عن طريقة القرض من البنك الزراعي وهكذا كان أنشئ البيت المطلوب ولكن المال المستقرض لأجله تراكم بفوائده السنوية ورغم أنهم دفعوا منها أقساطاً متعددة قدر استطاعتهم بعد تجاوز رأسمال.
وبما أن الغاية من إنشاء هذا البيت كانت العقوبة سياسية فرضت عليهم وصار مقراً للمستشار الأفرنسي وقد تسلمته الحكومة الوطنية بعد جلاء الأفرنسين وأصبح اليوم ملكاً للحكومة الوطنية ومقراً للقائمقام في القضاء فليس من العدل الوطني والحق القانوني أن يتغرم ورثة المرحوم أحمد آغا الحسين بنفقات هذا البيت كغرامة حربية والحرب ما كانت بينهم وبين الحكومة الوطنية بل كانت ضد الجيش الأجنبي الأفرنسي وهو يحتل البلاد لذلك أطلب أيضاً من مقام الرئاسة والمجلس الكريم العطف على هذه القضية أيضاً بإقرار أحد أمرين أما إرجاع المال المدفوع منهم تسديداً للقرض أو إعفائهم مما بقي من أصله أو إعطائهم البيت المذكور المنشأ بمالهم لأن الحكومة السورية أشرف وأعدل من أن تدعي أو تمتلك بيتاً فرضه الأفرنسيون قهراً وانتقاماً على أحد المجاهدين من رعيتها وقد استشهد في كفاحه لتحرير هذا الوطن المحبوب.
وتفضلوا أيها السادة بقبول فائق الشكر وجزيل الاحترام من نائب تلكلخ
دمشق في 27 / 11 / 1949
نائب تلكلخ
الياس عبيد