مقالات
من مذكرات القاضي سلام سلام: حملة أديب الشيشكلي على السويداء عام 1954
بادي أبو عساف – التاريخ السوري المعاصر
جرت حملة الرئيس أديب الشيشكلي على السويداء في مطلع عام 1954م. فيما يلي ملخص عن أحداث الحملة كما وردت في مذكرات القاضي سلام بن جاد الله سلام رئيس لجنة المفاوضات قاضي المذهب بالسويداء.
المذكرات عن الحملة عبارة عن 10 أوراق خطها القاضي سلام بيده، وهذا ملخص عنها:
ملخص ما كتب عن الحملة:
العقيد الشيشكلي كان مسرحاً من الجيش وقد أعاده إلى الخدمة العقيد أمين أبو عساف من قرية سليم وبعد فترة قام بدعوته مع عدد من العقداء البارزين لزيارة سلطان باشا الأطرش بالقريا وبعدها انتقلوا الى قرية ولغا لتناول طعام الغداء عند الشيخ أبو محمد داوود ابو عساف وبعدها انتقلىوا الى مقعد بيت أبو عساف في قرية سليم وكنت صغيرا وحاضرا وقام أحد ابناء العم وعمره 6 سنوات بتأدية النشيد السوري حماة الديار…الخ ورحب بهم أحد الأعمام بكلمات وبصوت جهوري اعجبوا بها وسأله أحدهم من أي جامعة تخرجت فقال لهم من هذا المقعد.
بعد فترة غدر بالعقيد أمين ابو عساف ونقله قائداً لمنطقة دير الزور وبعدها بفترة رد الجميل لقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش الذي حقق الأستقلال لسوريا مع بقية الثوار في المحافظة والمحافظات الأخرى ورفض استلام أي منصب وأهدى البيت الذي خصص له بدمشق من ثلاثة طوابق لأحدى الدوائر الرسمية وعاد يعمل فلاحا بأرضه حتى وفاته رحمه الله.
البداية
تم اعتقال منصور بن سلطان الأطرش وقام أهالي القريا بمظاهرة سلمية رداً على اعتقاله في السادس والعشرين من كانون ثاني 1954 وقالوا للدرك غدا سنقوم بمظاهرة مسلحة.
قام المحافظ رفعت زريق بإرسال قوة من الدرك والجيش الى القريا في اليوم الثاني بدأوا بإعتقال من قاموا بالمظاهرة وحصل أشتباك مع أهالي القريا وقتل وجرح حوالي خمس جنود وأعلن المحافظ الأحكام العرفية فوراً وأعطيت الأوامر للجيش لأستلام الامن ولتطويق القريا بلدة سلطان الأطرش.
هذا الكلام قيل للقاضي سلام حيث استدعاه المحافظ الى قصره منذ الصباح الباكر واتصل الشيشكلي بالمحافظ الذي كان متفقاً معه قبل بيوم للقيام بهذه الحملة الظالمة ودخلوا الى قصر المحافظ مدير المعارف ذوقان قرقوط وشبلي أبو عسلي ومشايخ الدين وجاد الله عز الدين وبعدها حضر قائد اللواء العقيد فؤاد الأسود وأعلن أنه عين نائباً للحاكم العسكري بالسويداء.
بدأت القطعات تتحرك الى القريا ودوريات الجيش والدرك تجوب شوارع السويداء وقررنا أن يذهب وفد فوراً الى القريا مؤلفاً من الشيخ أحمد جربوع وسلمان أبو عسلي وصالح نعيم وظاهر القنطار ولكنهم عادوا فورا لأن سلطان الأطرش أصر على انسحاب الجيش المطوق للقريا أولاً وتعهد بتسليم الأشخاص الذين أشتبكوا مع القوة من الجيش والدرك وتعقد الوضع وطلب من القاضي سلام سلام أن يذهب على رأس وفد من 15 شخصا من بينهم ظاهر القنطار شاهين أبو عسلي عبد الكريم نصر فواز كرباج يحيى سرايا أحمد القنطار وغيرهم بسيارتين حكوميتين وصلوا الى مضافة الباشا وكان حوله عدد كبير من المسلحين ويوجد قتيلين في المضافة وقتل ثالث أمام مضافته وقال لنا لا أريد الصدام مع الجيش وهم من أبناء البلد سوريا وأقتنع بأن يسلم الذين كانوا السبب وبعدها ينسحب الجيش من القريا وذهب عددا من وجهاء من القريا مع الوفد الى السويداء دليلا على حسن النية والعودة صباح اليوم الثاني لأخذ الأشخاص.
وافق المحافظ وقائد اللواء على المقترح وطلبوا مني العودة بنفس اليوم الى القريا لأطمئن الباشا بالموافقة واعطاه أسماء العشرين المطلوبين.
وصول النجدات من القرى الى جنوب القريا في 28 كانون الثاني
أجتمعنا الوسطاء في بيتي وذهبنا للأجتماع بالعقيد الأسود والمحافظ قبل الذهاب الى القريا فلاحظنا أن اللهجة أصبحت أشد من قبل وقد أتفقنا بأن يكتفى بتسليم 10 أشخاص مبدئيا والقتلى ما زالوا بالمضافة يجب السماح بدفنهم وأعطيت الأوامر ليسمح بدفنهم وتم تسليم 10 أشخاص منهم: حامد الكايد، تركي العوابدة، محمود المعاز، سلمان سجيع، رائد عواد، ضامن شلهوب، ومحمد غبره وغيرهم .
أستلمت السلاح الذي أخذوه من الدرك وأعدته لهم ولكن بدأنا نسمع طلقات من الجهة الجنوبية حيث تمركز حوالي 600 شخصا في مزرعة نمرة القريبة من القريا أقل من نصفهم مسلحاً وطلب المقدم برازي قائد القوات القريبة منهم أن اتصل بهذه المجموعة وأخذنا موافقة سلطان باشا وذهبنا اليهم وطلبت منهم التريث وعدم الأصطدام مع الجيش وأخبرتهم ما تم الأتفاق عليه وكانوا يخافون أن يلقى القبض على الباشا .
وأن ينسحب الجيش من حول القريا المطوقة وتوتر الوضع وسمع أطلاق النار وعدت الى السويداء لاخبار المحافظ والعقيد الأسود .
وابلغوني ان الأوامر هيئت لانسحاب الجيش والظاهر أنهم يعدوا لخطة مبيتة ومتفق عليها بينهم وبين الشيشكلي وبدات الدوريات تنتشر في السويداء ويتحرشون بشباب السويداء وأعلن منع التجول وأغلقت المدارس وهدأت الحالة بالقريا وطمنونا أن الجيش سينسح والوفود تأتي للمقر وتطلب عدم أتساع الخرق ولكن حصل صدام بين الجيش والمدنيين المحتشدين بمزرعة نمرة ووقع 20 ضحية من المدنيين وثلاثة من الجيش وبدات المظاهرات المسلحة بالجهة الغربية من المدينة وكان يسمع أطلاق النار وبدأت القوات تتمركز حول السرايا والمقر والمصفحات تجوب الشوارع.
وفي صباح الثلاثين من كانون الثاني 1954 توترت الحالة وسالت عن المحافظ فأجابوني أنه سافر مع عائلته الى دمشق وطلب العقيد الاسود تسليم 10 أشخاص من مثيروا الأضطرابات في المدينة والمتظاهرون يهزجون وبدأت نجدات الجيش تصل من دمشق.
حاول الموظفون الذين من خارج المحافظة ومنهم المعلمات السفر الى دمشق ولم يتمكنوا علما انهم بمأمن من قبل أهالي الجبل.
عادوا المشايخ الذين يتوسطون الى بيوتهم وصرف النظر عن اعتقال الأشخاص المطلوبين وفي المساء عاد التوتر واطلاق النار.
في الحادي والثلاثين من كانون الثاني جاء الزعيم رسمي القدسي قائداً بدل العقيد الأسود واجتمع بالضباط بالقلعة وعاد لمقابلتنا .وقد كثرت الوفود من أجل التهدئة وحاول أن يطمنهم بأنه لن تطلق رصاصة واحدة وطمنوا المواطنين .
حاولوا أقناعه بأنها ليست ثورة درزية ضد الدولة السورية بل ضد شخصا معينا ومعارضتهم كمعارضة أخوانهم في بقية المحافظات وشروط المتضاهرين تغيير الوضع والدستور وحل المجلس…الخ .
لكنه كان يخدعهم وأعد خطة وبدأ في تنفيذها الساعة الواحدة بدأت حركة المصفحات وأطلاق الرصاص والمدافع بصورة جنونية والتزمت الناس بيوتها وبدأت دوريات المشاة تدخل البيوت وتأسر الرجال وتسوقهم رافعي الأيدي الى مراكز أعتقال وتم قتل رجال ونساء وأطفال ونهب وحرق وتكسير وضرب ولكم وأحتقار وشتائم وشتم المذهب.
وخوفا من التصعيد من قبل الأهالي أخلي سبيل الكثير من المعتقلين بنفس اليوم وبلغ عدد القتلى من الأهالي 23 بين رجل وامرأة وحوالي الثلاثين جريحاً.
في الأول من شباط مر دون أي حادث في السويداء وأن مسببي المظاهرات انتقلوا الى قرية السهوة ثم الى الكفر وعلم سلطان بما جرى بالسويداء وأنتقل الى السهوة ثم الكفر . وتم أهانة الموظفين من أبناء الجبل من الجنسين ولم يفرقوا بين موالي للحكومة ومعارض لها .
قرر القاضي سلام سلام رئيس اللجنة عدم الاتصال بقادة الجيش لأنه لم يبقى مجال للوساطة والأعمال التي أرتكبت تضر بالمصلحة الوطنية وهي طعنة للوطن في الصميم . ونقلت هذا الكلام للعقيد الأسود الذي شاهدته بالصدفة والزعيم القدسي لم يعد يظهر .
بعد ذلك بدأت اذاعة دمشق تعلن عن أجراء تفتيش عن الأسلحة في بعض قرى الجبل وتذيع برقيات تأييد لأعمال الشيشكلي وبدأت اذاعة أسرائيل تنشر دسائسها وسمومها.
ساد الجبل الارهاب والاذلال وقطعات الجيش تجوب القرى وتدخل البيوت وقد فتشت القريا بلدة سلطان الأطرش .
في الثاني من شباط ذهبت قوة من الجيش على طريق الكفر وأصطدمت مع جماعة سلطان باشا الأطرش.
وفي الرابع من شباط بين الكفر وحبران قتل من الأهالي حوالي 7 قتلى ودخلوا الى حبران والكفر وذهب سلطان الى قرية تل اللوز وتبعه أصحابه لأنه لا يريد قتال أبناء الوطن .
وفي السويداء رئيس المكتب الثاني الملازم أول أسعد الحكيم قام بأهانة وضرب وشتم الأهالي يندى لها جبين كل وطني شريف مخلص بمجرد الشبهة والضن.
القرى التي تم تفتيشها الكفر حبران القريا رساس ذيبين عرمان متان ملح الهويا المشنف وغيرها .
البدو في القرى الشرقية بتحريض من الرئيس صلاح الشيشكلي شقيق أديب الشيشكلي الرئيس رتبة تعادل نقيب صاروا يغيروا على حلال الدروز .مواشيهم.وينهبونها ولم نصدق ذلك لان كل مكونات المحافظة تعيش مع بعض منذ مئات السنين بمحبة وتعاون رغم بعض الخلافات البسيطة التي يمكن ان تحصل وتحل بوقتها وبشكل عادل وتحصل بين الأخوة من أسرة واحدة أحيانا .حتى حضر جماعة من أهالي القرى الشرقية ومراجعتهم لوكيل المحافظ الرئيس ابراهيم السلطي والزعيم القدسي وتم التأكيد من البدو أنفسهم
في الثالث والرابع والعشرين من شباط 1954 حضر الرئيس صلاح الشيشكلي مع قوة من الجيش والهجانة ومعه عدد من أفراد البدو المسلحين الى قرى الرشيدة وأسعنا من الناحية الشرقية في الجبل ضد الأهالي وقامو بأعمال بربرية كتدمير البيوت وحلق اللحى والشوارب للرجال وحرق كل من لا يستطيعوا أخذه ونهبه وكانت خطته أن يقوم بهذه الأعمال بكل القرى الشرقية لولا أنه تلقى نبأ حدوث الأنقلاب ضد أخيه وهرب الى دمشق وهرب الذين كانوا معه بعد أن سلبوا ما سلبوا .وعاد الجيش الى ثكناته .
في الخامس من شباط 1954 أعلنت اذاعة حلب خبر حدوث الأنقلاب ضد الشيشكلي الذي خطط له وقاده العقيد أمين أبو عساف قائد منطقة دير الزور بالتعاون والتنسيق مع قادة مناطق حلب وحمص وأعتقد اللاذقية وبعض القطعات بالداخل وتخلصت البلاد من حكم الطاغية اديب الشيشكلي وقد هرب الى لبنان وحاول العودة لألقاء القبض على قادة الأنقلاب ولكنهم كانوا له بالمرصاد وبعدها هرب الى البرازيل وعاش فيها سنوات حتى قام نواف غزالي بقتله في مزرعته بالبرازيل انتقاما لأرواح الشهداء الذين سقطوا من الجبل والجيش .
بعد وصول خبر الأنقلاب الى السويداء هرب القدسي الى دمشق وتنفس الناس الصعداء وثاني يوم بدأت المظاهرات والأهازيج في السويداء وفي الجبل وخرج المعتقلون من السجون ولكنها تركت اثار ونتائج سلبية قريبة وبعيدة بما رافقها من تطورات وملابسات .