من الصحافة
صحيفة 1931 – امرأة ذبيح في بساتين الشاغور
عثر الدرك في دمشق على جثة امرأة مقتولة في بساتين الشاغور في يوم الخميس الثاني والعشرين من تشرين الأول عام 1931م.
صحيفة لسان الحال نشرت خبراً مطولاً عن الحادثة ووصفت تفاصيل الكشف عن الجثة والجريمة.
عنوان الخبر:
امرأة ذبيح في بساتين الشاغور
الذبيح قروية مقيمة بدمشق
نص الخبر:
يقوم بعض رجال الجيش في الأيام الأخيرة بتمرينات عسكرية في أراضي الشاغور، وفي صباح يوم الخميس “22 تشرين الأول” توجهوا حسب عادتهم للتمرن في الأراضي المذكورة فوجدوا جثة امرأة مقتولة فأخبروا قيادة درك الخيالة، وهذه بدورها أعلمت النيابة المركزية بالأمر وللحال قصد النائب المركزي يصحبه الطبيب الشرعي إلى الثكنة العزيزية، وقد سرد مخبر ألف باء الحادثة كما يلي قال:
درجت بنا السيارة من الثكنة وفي الطريق شاهد حضرة النائب المفوض السيد عبده العابد فاستصحبه معه لأنه يعرف أراضي تلك المحلة.
وبعد أن ابتعدت بنا السيارة مدة ثلث ساعة عن المدينة رأينا قائد درك الخيالة إبراهيم بك عائداً من محل الحادث على جواده فوقف وتحدث إلى النائب ذهاء ثلاث دقائق ثم ركب معنا في السيارة وذهبنا معاً إلى محل الحادث.
القتيلة:
وصلنا إلى أراضي الشاغور المتصلة بأراضي جرمانا فنزلنا من السيارة وتوغلنا في البساتين حسب ارشاد قائد الدرك وبعد أن سرنا زهاء 200 متر تقريباً وفي بستان السيد طلعت شيخ الأرض بالقرب من مزار “سيدي كناس” وجدنا جثة الامرأة المقتولة.
أخذنا نطيل التأمل فيها وإذ بها امرأة عمرها يتراوح بين 25- 28 سنة حنطية اللون مربوعة القامة بعينتين عسليتين مرتدية ثوباً أسود من فوقه “ملاءة” وتحت الملاءة “شلحة” زهر مزركشة بالدانتيلا وسروالها أبيض وقد ملئ دماء وبرجلها جوارب لحمية اللون غليظة من الحياكة وصندل كاوتشوك وفي فكها الأعلى سن محلى بالذهاب وهي مضرجة بدمائها وملقاة على ظهرها وقد طعنت عدة بمدية حادة في يديها وفي بطنها من جهة خاصرتها وفي حالبها الأيمن وهي مذبوحة من الوريد إلى الوريد ورأسها يكاد يكون مفصولاً عن جسمها ووجهها مشوه لأن الجاني تعمد على ما يظهر إخفاء هويتها فطعنها في عينها اليسرى وفي منخرها ووراء اذنها اليسرى.
أما الطعنات الموجودة في كفيها فهي تدل على أنها أرادات المقاومة فما استطاعت
كيف وقعت الجريمة:
الجثة ملقاة كما قلنا في محل يبعد عن الطريق العام زهاء 200 متر وبين قصب القنب وعلى بعد مترين أو ثلاثة أمتار عن مكان الجثة بقع من الدم منثورة وقد عثر على قراب المدية بجانب بقع الدم وهو غلاف أصفر يبلغ طوله 2 سانتمتراً وبالقرب منه غلاف ساعة جيب مما يدل على أن الحادث وقع هناك وأن القتيلة قبل أن تفارق الحياة حملت إلى قرب حجر يبعد متراً واحداً عن مكان المعركة وعلى هذا وعلى هذا الحجر ذبح الخراف.
وقد وجدت تحت الحجر حفرة صغيرة ملئت دماً وعلى أثر الذبح والدم لايزال مانعاً مما يدل على أن الجريمة وقعت من مدة قريبة وأن المقتولة بعد أن ذبحت رفعت رفعاً إلى زرع القنب ليوارى الزرع جثتها عن الأنظار.
القاتل أكثر من واحد:
والدليل على أن القاتل أكثر من واحد هو نقل الجثة من مكان المعركة إلى مكان الذبح فألى بين الزرع وهذا عمل قد لا يتمكن واحد أن يقوم به.
طعام المقتولة:
ووجد في محل حدوث جريمة طعن القتيلة صرة “محرمة” زهر كبيرة مزركشة بخيوط سوداء ضمنها ثلاثة أرغفة من الخبز المعروف “بالصمون” وورقه ضمنها حلاوة بيروتية والخبز طري ولم يجف بعد.
التحقيق:
وجدنا قائد درك مخفر بيت سحم قد باشر التحقيق تحت إشراف قائد درك الخيالة وأراضي ذلك البستان محاطة من أطرافها الأربعة بالجنود وقد استجلب قائد الدرك عمال البساتين الموجودين في حوار محل الحادث واستجوبهم فلم يفيدوا التحقيق بشئ عن الجريمة كما أن ناطور تلك الأراضي أنكر أن يكون له علم بوقوع الحادث إلا بعد أن حضر رجال الدرك وقائدهم.
هوية المجنى عليه
الامرأة الذبيح قروية على ما يظهر وألبستها تدل على أنها مقيمة في دمشق والدليل على وجود السن الذهبي بفمها وهندامها وألبستها التي ترتديها. أما القول بأنها قروية فالوجود وشم أزرق في رجلها اليمنى “دق”.
الجريمة
وقد ذهب المحققون في تحقيقهم إلى أنها خادمة في إحدى دور دمشق.
المجرمون
ويستدل من وقوع الجريمة على ما أسلفنا ووجود الخبز والحلاوة في محل الحادث على أن المجنى عليها قد حضرت إلى ذلك المحل بطيبة خاطرها أو بدسيسة قادها بها قاتلوها ويظهر أن مرتكبي الجريمة من أقارب المقتولة وأنهم وعدوها أن يعيدوها إلى قريتها فتوغلوا بها بتلك الأراضي التي تشبه بمزروعاتها غابة من الغابات الكبيرة.
في غرفة التشريح
وبناء على طلب النائب والطبيب الشرعي نقلت الجثة إلى المستشفى فإلى غرفة التشريح وهناك فحصها الطبيبان الشرعيان السيد صالح شورى والسيد فائق العطار بحضور حضرة النائب. وقد حضر أثناء المعاينة مفوض التعقيب السيد ممدوح العظم ورجاله وحضر رجال مصلحة الأدلة القضائية فأخذوا صورتها الفوتوغرافية لأنها لا تزال مجهولة.
وقد باشر مفوض التعقيب التحقيق الجديد وتبين أن المجرمين حاولوا سد فم فريستهم بأيديهم لما حاولت الاستنجاد فقد ظهرت اثار أظافرهم حول فمها.
الطعنات لم تقضى عليها
ويرى الأطباء أن الطعنات لم تقضى على المرأة المسكينة وأنها ماتت من الذبح إذ لولا ذبحت بعد وفاتها لما وجد الدم بالغزارة التي وجد فيها.
صحيفة لسان الحال- بيروت، العدد 11154 الصادر يوم السبت الرابع والعشرين من تشرين الأول عام 1931م.