وثائق سوريا
بيان من حزب الإنقاذ إلى الأمة السورية عام 1933
بعد عودة هنري بونسو المفوض السامي الفرنسي إلى سورية اجتمع مع السوريين من أجل الوصول إلى معاهدة في سورية.
حاولت سلطات الانتداب في تلك الفترة تكريس فكرة الانفصال في عدة مناطق ودويلات في سورية، وذلك بشتى السبل سواء من خلال دفع أنصار لها إلى تقديم عرائض تدعم مرادها أو نشاط أحزاب قريبة من سياسة سلطات الانتداب.
في هذا الإطار أصدر حزب الإنقاذ في حلب بياناً في الخامس عشر من تموز عام 1933م، يتناول فيه فشل الحكومة السورية في إدارة البلاد، ويسلط الضوء على استغاثة بعض الأطراف بسلطات الانتداب لإنقاذ وجودهم.
نص البيان:
بيان من حزب الإنقاذ إلى الأمة السورية الكريمة
أيتها الأمة الكريمة:
في جو مكفهر من الحوادث والقلاقل في أوربا والشرق، وقفت فرنسا تجابه الأوضاع والحالات الصعبة المضطربة القائمة في البلاد السورية، بفكر ناضج وأعصاب هادئة، لإيجاد مخرج لهذه البلاد مما ينتظرها من مفاجئات قد تؤدي بجميع مقدراتها، إلى أيدي الفتح “غير المبين” فيما إذا وقعت الحرب العالمية “لا سمح الله”.
الحكم الوطني:
وقد كان لمدة خلت تدير الحكم في سورية فئة من رجال عرفت بنزعتها البغيضة، وطموحاتها لمنصة الحكم والاستئثار بها، وقد أتيح لها ما أرادات بفضل حسن نوايا الدولة الأفرنسية، وسار رجالها شوطاً طويلاً في الحكم “ياما” سموه وطنياً. ولكنهم لم يبرهنوا عن مقدرتهم فيما لذوه على عاتقهم من مسؤوليات أمام الضمير والوجدان والإخلاص والتاريخ، كما أنهم لم يبرهنوا يوماً ما عن حسن نواياهم في تسيير دفة الحكم، لحفظ كيان البلاد وتأمين استقلالها وعزتها القومية، فسادت الفوضى جميع النواحي، وأهينت بذلك الكرامات، والكفاءات وطغت بذلك المنافع الخاصة والأنانية والاستئثار وحب الذات، وكافة هذه المترادفات التي اخترعها الشيطان يوم قال للعزة الإلهية : أنا خير منه خلقته من طين وخلقتني من نار، فكانوا دخاناً لا ناراً ولا نوراً. مما جعل الاستياء عاماً شاملاً، حتى اشتدت النقمة فظهرت في البلاد حركة ترمي إلى ثورة نفسية لا خير، ولا سلام فيها، ومن البديهي أن تنادي الأمة وتستغيث بالدولة المنتدبة أن تثبت وجودها لإنقاذ البلاد.
في منطقة العلويين:
وهل يمكن للمرء أن يرى بعين راضية ما وقع في منطقة العلويين إبان ذاك الحكم البائد؟ ويتجاهل ما ساد في هذه المنطقة؟ فكانت عصابات وكانت آلهة وكانت منازعات وزعامات، حتى قام الزعماء بطلب النجدة من السلطة الأفرنسية لوضع حد لتلك المآسي المحيقة بهم، ولو لم تخف السلطة المنتدبة إلى نجدتهم لرأينا ما يفجعنا في أبنائنا ورجالنا.
في الجزيرة:
وأما في الجزيرة فقد كانت مصيبتنا أدهى وأمر، فوضى وشغب، فساد كبير، عناصر غمرت البلاد من أدناها إلى أقصاها بشر مستطير. وهذا ما آثار النفوس وأعمى الأبصار، إلى أن آلت النتيجة إلى الاعتداء على موظفي الدولة وخطف المحافظين والحط من كرامتهم، فسقطت بذلك هيبة الحكومة واضمحلت شوكتها، وتمردت النفوس حتى على رجال الأمن أنفسهم، وما ذلك إلا للمحافظة على كيانها في عقر دارها، ولولا أن تدخل الجيش الافرنسي، لما عاد الأمن إلى نصابه.
في جبل الدروز:
هذا الجبل الأشم الذي يعمل متفانياً في سبيل الصالح العام وضحى ويضحى لحفظ كيانه قد أهينت كرامة زعمائه، ونظمت الدسائس حوله، وأرسل رجال من دمشق لخلق الشغب وللإخلال بالأمن في ربوعه الآمنة الوادعة، إلى أن عيل صبره والتجأ بأجمعه إلى فرنسا طالباً عطفها وتدخلها، فعلى من تقع مسؤولية هذه الوقائع يا ترى؟
في جبل الأكراد:
وأما في جبل الأكراد، فقد اضطر وأرغم زعماؤه بفضل تلك السياسة الخرقاء، إلى ركوب رؤوسهم والقيام بثورة جامحة دامية، قتل فيها الكثيرون، وما نشبت تلك الحوادث الدامية المؤسفة، إلا بتشويق وتحريض أولئك الذين أدعوا الأمانة والإخلاص للوطن، ولولا لم يتدخل الجيش الفرنسي في تلك الفتنة الشعواء لأتت على ما بقي في النفوس، ولرأينا نتيجة لا يحلم فيها أجهل الناس علماً في السياسة والإدارة.
الأحداث المعلنة:
وبعد هذا كله، نرى من الأنصاف والحق أن نطلب وجوب إعلان الأحداث الأخيرة في البلاد، سيما بعد أن وقف البرلمان السوري موقفه المعلوم، وأصدر قراراته الأخيرة مجردة من الحكمة والعقل والمرونة السياسية، وعدم الاعتراف بما تريده السلطة المنتدبة من المحافظة على سوريا، والرغبة في إنتاج سياسة سلبية لم تجن الأمة من ثمارها سوى التعرض لأخطار لا نخالها خافية على أحد، وحيال هذه الحالات جميعها، كان لابد للسلطات الفرنسية التي أخذت على عاتقها بموجب صك الانتداب تأمين حقوق وراحة الأمة السورية بكاملها، أن تعلن هذه الأحداث الجديدة التي تتفق مع تلك التعهدات المقطوعة، وهي ولاشك أحداث مؤقتة يعقبها إن شاء الله فرج قريب، يوطد دعائم الحكم الوطني في البلاد وذلك بالرجوع إلى عقد معاهدة جديدة، تتفق مع أماني البلاد ورغباتها السابقة والحاضرة، كما ورد في بيانات المفوض السامي المسيو غابرييل والمرتكزة في أساسها على تصريحات حكومة باريز.
حرب الإنقاذ:
وهذا هو حزب الإنقاذ الذي أخذ على عاتقه إيصال الأمة إلى هدفها السامي بطرق وأساليب إيجابية معقولة، يقدم إليكم ما يراه على وضح كل ما مر ذكره، وإن ما جاء في بيان الكتلة الوطنية الأخير ما هو إلا ضرب جديد من ضروب السياسة القديمة البالية التي لا توصل البلاد إلى ناحية عملية، ولا إلى ما ترتجيه من حرية واستقرار.
فحزب الإنقاذ ايضاَ يرى نفسه أمام أمر واقع محفوف بكثير من الأخطار لابد من الإعتراف به وإرشاد الأمة السورية إلى الصراط المستقيم الذي يجعلها في نجوه من هاتيك الأخطار سواء من الحاضر أو المستقبل.
وهو سيعمل دائماً وأبداً في سبيل تعزيز كيانها، والأخذ بيدها لما فيه خيرها وفلاحها، ولهذا جميعه فقد اتخذ الحزب عدته لمجابهة أولئك الذين يريدون بالوطن شراً بقوة وحزم، وتذليل كل عقبة تقف أمامه في سبيل غرضه السامي المنشود، فويل لكل هماز مشاء بنميم، وويل لكل معتد أثيم، والله من وراء القصد.
حلب في 15 تموز سنة 1933
رئيس حزب الإنقاذ
توفيق غريب
أمين السر العام
مصطفى خلوصي الجلبي