هو أحمد شكري بن مفتي حمص وعضو مجلس الإدارة والمحكمة محمد حافظ الجندي بن متسلّم حمص عبد الرحمن آغا الجندي الذي كان من كبار أعيان المدينة وكانت له مساهمات في الحفاظ على السلم الأهلي في حمص، خاصةً بعد أحداث 1860 في دمشق.
ولد في حمص عام 1884م، وأتمّ تعليمه الأساسي فيها، فتخرّج من المدرسة الرشدية (الإعدادية) عام 1898م، وكان ينال المرتبة الأولى على صفّه الدراسي.
ومن زملائه على مقاعد الدراسة آنذاك: الأستاذ محمد علي المعاز، الصيدلي جودت الجندي، محمد ابراهيم الأتاسي، علاء الدين الحسامي.
بعد ذلك توجّه إلى اسطنبول فتخرّج من كلية الحقوق فيها سنة 1908م.
نشاطه السياسي المبكر في العاصمة:
كان من الشباب المؤسسين لجمعية النهضة العربية في الآستانة سنة 1907م برئاسة الأستاذ محب الدين الخطيب الدمشقي، وكان شكري الجندي خازنًا لها. ومن أعضائها: صبحي حيدر، مظهر رسلان، نجيب الشهابي، الأمير عارف الشهابي. وقد استمرت في مهمتها مدة سنتين، وتحول اسمها لاحقًا إلى جمعية النهضة السورية، وانضم إليها لطفي الحفار وسامي العظم، والقاسمي.
ساهم شكري الجندي كذلك في تأسيس جمعية الإخاء العربي باسطنبول عام 1908م، إثر ظهور نيّة سلطة الإتحاد والترقي بتتريك العنصر العربي، قد كان الأمين العام لها ندرة المطرن من بعلبك، وانضمّ إليها زعماء العرب الموجودين في اسطنبول، برئاسة شفيق بك المؤيد العظم. ومن أعضائها شكري باشا الأيوبي و والي سورية عارف بك المارديني.
وقد أصدرت الجمعية جريدتها باسم “الإخاء العربي” وكان محررها ابراهيم النجار. وحين أصدرت الحكومة العثمانية عام 1909م قرارًا يمنع تشكيل الجمعيات لأغراض قومية، تم تغيير إسم الجمعية إلى “جمعية الإخاء العثماني”، وسمّيت جريدتها بهذا الاسم.
إيفاده إلى الحجاز:
وبإيعاز من عبد الحميد الزهراوي أسّست “حديقة الأدب العربي” التي تحوّل إسمها بعد مدة قليلة إلى “المنتدى العربي” لإبعاد شبهة علاقة النواب العرب بجمعية الإخاء العثماني. وبينما ظلّت الجريدة تصدر بتحرير عبد الحميد الزهراوي وفتح الله محسن؛ ارتأت الجمعية عام 1909م انتداب محي الدين الخطيب إلى اليمن بوظيفة ترجمان في القنصلية البريطانية، وشكري الجندي إلى الحجاز لتأسيس مدرسة علمية، وذلك لتصحيح مبادئ جمعية الإخاء العربي في الجزيرة العربية.
فمكث شكري الجندي في جدة (1909) عشرة أشهر لهذه الغاية، كان خلالها يدير المدرسة المعروفة بمدرسة الفلاح إلى اليوم، والتي كان يمولها الشيخ علي زينل.
وكان شكري الجندي يقوم بعد الظهر بوظيفة مستنطق في محكمة البداية، فأخذ يبث الفكرة العربية في جدة، واتصل بأمير مكة الحسين بن علي وطلب منه إعانة للمدرسة، فسمح لهم بقسم من مخصصاته التي كان يتناولها من المسافرين من جدة إلى مكة. واتصل به كذلك في موسم الحج ولقي منه ترحيبًا لقيامه بهذه المهمة.
وأثناء وجوده في جدّة عيّن صادق باشا المؤيد متصرفًا وقائدًا لجدة، وما إن بدأت ظواهر العروبة تنشأ حتى بدأ مكتب الاتحاد والترقي في جدة بمراقبته، وتمكن من الحصول على أمر من مركز الجمعية في سلانيك باعتقاله وسوقه مخفورًا إلى هناك، مما أقام أهالي جدة وأقعدهم، وشكلوا وفدًا لمقابلة المتصرف واحتجوا لديه على شيوع هذا الخبر، الذي فهم منه أن الغاية من إبعاده عن المدرسة إغلاقها، وهي المدرسة الدينية الوحيدة التي تقوم بإنشاء الجيل الجديد. حتى صرّح وكيل بيت الإمارة محمد حسين ناصيف بأن أهالي جدة على استعداد لإنقاذه من دائرة الشرطة بالقوة. ثم تدخل المشير عبد الله باشا والشريف حسين في الموقف وأصدرا أمرهما بعدم التدخل في شؤون المدرسة ومديرها تفاديًا نقمة الأهلين وسوء ظنهم بالمعارف، فأبطل مفعول الأمر الوارد من سلانيك وبقي شكري الجندي في جدة إلى آخر شهر آب سنة 1909م حيث عاد إلى حمص.
وقد عهد إليه بتدريس مادة “التاريخ العام” في ثانوية الإتحاد الوطني بحمص، وإذ ذاك وردت برقية من وزارة العدلية بتعيينه مدعيًا عامًا في لواء الحديدة في اليمن فرفض.
نشاطه الحقوقي:
أسّس في 25 نيسان 1910م مكتبًا للمحامات بدمشق وعيّن وكيلًا للخزينة السورية العامة.
وفي عام 1912 شارك في حملات الدفاع عن الانتخابات النيابية ضد تزويرات حزب الاتحاد والترقي بدمشق، وذلك برفقة فارس الخوري، وجيه كيلاني، شمس الدين شمدين، عبد الرحيم البابلي، سليمان داوود، وغيرهم.
وفي عام 1914م انتخب لأول نقابة محاماة أسّست في دمشق، وذاعت شهرته العلمية كحقوقي متشرّع(1).
نفيه وعودته إلى حمص:
في عام 1916 صدر الأمر بنفيه مع عائلته إلى “كوتاهية” في الأناضول بداعي أنه من أعضاء الجمعية الإصلاحية التي ينصّ برنامجها على إجراء إصلاحات تتعلق بأن تكون المرافعات أمام المحاكم باللغة العربية، وأن تكون إدارة البلاد العربي على أساس اللامركزية.
وبعد إقامته في كوتاهية أولًا، ثم في باليك أسير ثانيًا، دعي إلى الخدمة العسكرية في برتبة ضابط احتياط، وخدم إذ ذاك لمدة 13 شهرًا في أحد مراكز التعليم باسطنبول، ثم تخلّى عن وظيفته العسكرية فور إعلان الهدنة واحتلال اسطنبول.
وبعد الانسحاب العثماني من حمص ودخول عمر بك الأتاسي على رأس الجيش العربي إلى المدينة ورفع الاعلام العربية على مبنى السرايا في 13 تشرين الأول 1918م، عاد شكري الجندي إلى حمص بتاريخ 19 كانون الثاني 1919م حيث عيّن رئيسًا لمحكمة البداية باسم حاكم منفرد في حمص.
في عهد الانتداب:
اشترك في ثورة تلكلخ عام 1920 ضد الفرنسيين. وفي عام 1921 اقترح عليه بالانتقال بوظيفة نائب عام استئناف حلب فآثر الاستقالة، واشتغل بالمحاماة في مدينة حمص حيث كانت بدأت النهضة السورية ضد حكومة الانتداب، فاعتقل عام 1923م لمدة ثلاثة أشهر في بيت الدين بلبنان، وكان رفيقه بالاعتقال عبد الحميد كرامي الطرابلسي، بداعي أنهما كانا من مؤيدي خلافة الملك حسين.
وفي عام 1925 حين اشتدّت الثورة السورية اعتقل في جزيرة أرواد مع شقيقيه راغب ونورس وابن أخيه توفيق الجندي، وكانوا برفاقة هاشم الأتاسي وشقيقه مظهر الاتاسي وابن عمه وصفي الاتاسي، ومظهر باشا رسلان وأخيه رفيق رسلان وسعد الله الجابري، والحاج ربيع المنقاري وطاهر الكيالي من حلب، وعثمان الشرباتي من دمشق، وبعد مرور شهرين على اعتقاله أخلي سبيله مع رفاقه، وبقي راغب وتوفيق ونورس الجندي شهرًا آخر في أرواد.
وفي عام 1926 على إثر توسع الثورة السورية وشمولها سهول حمص وجبال شمالي لبنان وجبل الزاوية، اعتقل مع أخيه السيد نورس في الثكنة العسكرية بزعم أنه كان شريكًا في أعمال الثورة داخل مدينة حمص، التي قام بها نظير النشيواتي وخيرو الشهلا، ثم أطلق سراحه على أن يبقى مقيمًا إقامة إجبارية في حمص.
المجلس التأسيسي واعتزاله العمل السياسي:
انتمى شكري الجندي إلى الكتلة الوطنية، ثم عند إعلان انتخابات الجمعية التأسيسية عام 1928 رشّح نفسه ففاز بأكثرية الأصوات وأصبح نائباً عن “حمص”(2). وبعد حلّ المجلس التأسيسي دعاه المفوض السامي الموسيو “بونسو” مع لفيف من النواب، وكانت نتيجة الاجتماع معه شخصيًا بواسطة الموسيو “موغرو” أمين سر المفوضية بأن يلقي خطابًا في آخر جلسة من جلسات المجلس يحبذ فيها قبول المواد الست التي أراد الفرنسيون ضمها إلى الدستور، على أن يكلّف بتشكيل وزارة بواسطة النائب وديع الشيشكلي، فرفض وانحلّ المجلس(3).
وقد عيّن عضوًا في بلدية حمص عام 1934م، ثم عضوًا في مجلس المحافظة عام 1937م(4).
اعتزل العمل السياسي بعد أن اتّهم على غير صحة بالتساهل مع شروط الفرنسيين، وجملته الشهيرة كانت “خذ ثم فاوض”، وقد تم فهمها وتأويلها على غير معناها. فاستغلّها خصومه لتحطيمه سياسيًا وسيّروا المظاهرات الكيدية ضدّه، فقرّر عندها أن يعتزل السياسة ويلزم بيته حتى نهاية حياته.
ويذكر ابن أخيه الدكتور رامي نورس الجندي عن ذاكرة حمص الشاعر السيد خالد الزهراوي أبو ظهير: “لقد ظلمنا قامة وطنية تبنّينا جملتها ومواقفها لاحقًا في المعاهدة السورية الفرنسية”
كان شكري الجندي من مؤسسي الجمعية الخيرية الإسلامية بحمص وكان رئيسًا لها مدة، ونائبًا وعضوًا فيها زهاء اثنتي عشرة سنة(5).
وفاته:
توفي في حمص في ستينيات القرن العشرين.
(1) الأرشيف العثماني COA, DH.SYS.83-2/2-23.7، ترجمة فارس الأتاسي، التاريخ السوري المعاصر.
(3) الجندي (أدهم)، شهداء الحرب العالمية الكبرى ، صـ 54
(4) مرسوم تشكيل لجنة جديدة لبلدية حمص عام 1934
(5) الأرشيف العثماني COA, MF.MKT.46/71، ترجمة فارس الأتاسي، التاريخ السوري المعاصر.